الطالعين من الباب الشرقي.. والطايحين فيها
حبيب محمود
في العوامية، حيث نشأتُ وتعلمتُ ـ وهذا مما يُشرّفني ـ سار مثلٌ “بحراني” فيه الكثير من الظرف والعمق. “إنتَهْ تِطلعْ من الباب الشرقي.. وأنا أطيحْ فيها”. ويُضرب المثلُ في نجاة المُتسبّب، وهلاك ضحيةٍ أخرى. والمثلُ “بحراني” لأنّ أصله من البحرين، ومرتبط بحادثةٍ شهدتها بداية العقد الثالث من القرن العشرين.
فحين نشبأت أزمة بين السنة والشيعة، في عهد الشيخ عيسى بن علي، تدخّل المستعمر البريطاني، وفرض إجراءات قاسية على شخصيات كبيرة؛ وجمع وجهاء البحرين في قصرٍ بالقرب من الميناء. وكان للقصر مدخلان، شرقيّ وغربيّ، وقد دخل الناس من الباب الغربي، وتركوا أحذيتهم عند عتبته.
خطب المفوض السياسي وقتها “بيلي”، وتوعّد الناس، وخيّرهم بين تأييد الإجراءات والاعتراض عليها. فمن يعترض يخرج من الباب الغربي كدلالة على رأيه. وأخبرهم بوجود سفينة راسية جاهزة لاستقبال الخارجين من الباب الغربي، وهي وشك الإبحار إلى الهند.. وهذا يعني خيار النفي “الاختياري”..!
ومن يؤيد الإجراءات يخرج من “الباب الشرقي”، ويعود إلى منزله..!
تقول القصة إن جميع الحضور خرجوا من “الباب الشرقي”، طلباً للسلامة. ومنذ تلك القصة؛ سار تعبير “الباب الشرقي” مثلاً، ومع الزمن لحقت به بقية الصيغة، لتشير العبارة كاملةً إلى وقوع الضحايا، وتنعُّم المتسبّبين بالنجاة عبر “الباب الشرقي”.
المثل “بحراني”، وقد انتقل إلى محكيات سكان العوامية بحكم النزوح السكاني المكثّف من البحرين إلى القطيف، في تلك الفترة التاريخية.
كان للعوامية نصيبٌ من هذا النزوح، إلى حدّ تسمية أحد أحيائها القديمة بـ “فريق الزَّوَاوْرَهْ”، ويُقصد به الحي الذي جاء سكانه من البحرين عبر ميناء “الزَّور” في جزيرة تاروت..!
في البداية؛ سكن “الزَّواوْره” جنوب سور قلعة العوامية “المسوّرة”. وشيّدوا منازل من الخوص، ثم طوّروا “العشيش” إلى “دُوْرْ”، وشيّدوا لهم حسينية حملت اسمهم “حسينية الزَّواوْرهْ”. وبعد صدور نظام “التوابع” حملوا الجنسية السعودية مواطنين.
قريباً من هذا الحيّ نشأتُ وأقراني من أبناء الأسر “البحرانية” الكريمة التي حملت أسماء كثيرة، وبعضها لم نكن نعرفها إلا بـ “البحراني”، على الرغم من أن التسجيل الرسمي مختلف.