“السُّمُرْ والبِيضْ”.. “شِيّاب” الخمسينيات يراهقون بأصوات جميلات الـ “تيك توك” طرب عبدالله فضالة يغرّد من جديد: "هات يا قلبي عليهنّ عاد هات"
صفوى: أمل سعيد
لم يخطر ببال المشاغب الجريء المطرب الشعبي عبدالله فضالة الذي رحل عن عالمنا قبل 56 عاماً أن تبعث أغنيته “هات يا قلبي” على شفاه جميلات السوشيال ميديا من البيض والسمر، ليتبارين بكلمات أغنيته مستعيرين صوته حيناً، ومكتفين بلحنه حيناً آخر.
أغنية “هات يا قلبي” كتبت على نظم “المروبع”، كتبها الشاعر البحريني حسين بورقبه ولحنها وغناها الراحل عبدالله فضالة.
وفي (هبّات) التيك توك وصلت الأغنية (ترند)، مع آلاف المشاهدات للعديد من المقاطع التي تصور مشهد مناظرة بين فتاتين من الحسناوات، إحداهما من ذوات البشرة السمراء والأخرى بيضاء.
ورغم التسوية النهائية التي حاولت الأغنية التوصل إليها، إلا أن مضامينها تشير بشكل واضح إلى تلك النظرة المشوبة بالعنصرية، حيث كان المجتمع الخليجي في تلك الفترة، وربما المجتمع العربي بأكمله، يؤمن بالبياض كمعيار أصيل للجمال، ويبدو ذلك صارخاً في المثل الخليجي المتداول “إذا بيضا اسكت، وإذا سمرة انعت“، والمعنى أن البياض وحده كاف لوصف صاحبته بالجمال، أما السمراء فتحتاج إلى مزيد من الصفات والمؤهلات لتصبح مقبولة.
الراحل عبد الله فضالة ارحمة السليطي المولود عام 1900م أو 1901م، شاغب مجتمعه بالعديد من الأغاني التي اعتبرها الناس في وقته جريئة بل خادشة للحياء.
جن كل البيض والسمر حضرن
وا هـنــي حـسـيـن جـدامــه ســطــرن
كني بجنّات وأغصان ثمرن
طال عمرك وا حلو اقبال البنات
ابتدن البيض ثم صارت تقول
يا أمير حسين اسمع ما أقول
واحكم بإنصاف لا تصير مهبول
خل حكمك بالعدل واحكم ثبات
ما تقول بنا وحنّا مسفرين
والسفر أحسن من الظلما يقين
لي نظرت البيض تلقا لك جبين
وخدود تاضي كالشموس الطالعات
السمر يا حسين وش تلقى بهم
لا جمال ولا كمال ولا فهم
أِشهد إن البيض أحسن منهم
البيض كالأمهار إن جن مقبلات
قالت السمرا علامك تغلطين
حنا فتات المسك واحنا المؤنسين
أرياحنا العنبر ومسك وياسمين
حنّا هل القعدات واحنه الغاويات
وإلا العذارى البيض من بد الملا
مالقات (ن) ما بهن نتفة حلا
كم واحد (ن) يا حسين بالسمر ابتلى
من نصانا ما يمل من المبات.
وفي السطور التالية سيرة مبسطة للفنان الفضالة أخذت من برنامج “عتيج الصوف” من تقديم الإعلامية سهام المبارك، على القناة الكويتية الأولى عام 1997م، وتتحدث الحلقة عن الفنان عبدالله الفضالة (حياته، وأثره الفني)، وذلك بعد رحيله بـ 29 سنة، وقبل نشر هذه المادة بـ27 سنة.
فقد البصر
أصيب فضالة بالجدري وهو مازال في سني حياته الأولى ففقد بصره في إثر ذلك، وعاش بقية حياته بصيراً.
عشق العزف منذ نعومة أظافره، وتعلم عزف العود قبل أن يبلغ الـ10 من عمره، لكن ذلك لم يكن يُرضي عمه صالح السليطي الذي يرى أن عزف العود مهنة حقيرة ويجب على أبناء العائلات المحترمة أن يبتعدوا عنها، فنما إلى علمه أن ابن أخيه يتعلم العزف فتوعده وهدده؛ وترك الأخير المنزل خوفاً من عمه وركب البحر ليبتعد عن يديه.
عمل فضالة تباباً في السفن التي تمخر البحر بين الكويت والهند وهو بعد في عمر العاشرة، وبعد أن عُرفت خامة صوته وقدرته على أداء النهمات البحرية اشتغل نهاماً على السفينة وله من العمر 12 سنة، لم يُحفظ منها إلا نهمة واحدة مازالت مسجلة في الإذاعة الكويتية.
استطاع الاستفادة من ترحاله ووصوله إلى موانىء الهند وقام بتسجيل عدة أسطوانات غنائية فيها، فسجّل أول أسطوانة له في الهند.
500أغنية
كتب عبدالله فضالة الشعر بالعامية والفصحى، وغنى اللونين الفصيح والشعبي، ويعتبر من أوائل شعراء الأغاني في الكويت، لحّن العديد من الأغاني الشعبية وساهم بتقديم فن السامري.
غنّى أكثر من 500 أغنية معظمها من أشعاره وألحانه، كما أنه لحن لمطربين آخرين كهيام يونس ورويدا عدنان، وتأثر فضالة بالموسيقى الهندية واليمنية، واستخدم إيقاعات جديدة بالنسبة للأغنية الكويتية مثل البيانو، ونجح في نقل الأغنية الكويتية إلى دول الخليج العربي ومصر.
ساهم فضالة في إحياء شعر الشاعر اليمني عبد الله بن علوي الحداد مع زملائه الشاعر عبدالله الفرج ومحمود الكويتي وعبد اللطيف الكويتي وبعد ذلك مع فرقة تلفزيون دولة الكويت.
الفنان الشامل
كان فضالة نموذجاً مهماً في تاريخ الفني الكويتي، ورمزاً من رموز الحركة الفنية، ومازالت المكتبة الموسيقية تستشهد بهذا الفنان حتى اليوم، ترأس مجلس إدارة جمعية الفنانين الكويتيين لعدة سنوات قبل وفاته.
شارك في السمرات والحفلات الموسيقية والغنائية التي تقيمها السفن بعد رسوها في الموانئ المختلفة، إلى جانب العديد من المطربين المعروفين في ذلك الوقت مما أكسبه خبرة كبيرة.
عبدالله فضالة المؤلف وكاتب الأغنية، الملحن، المطرب الذي استطاع أن ينقل ويعبر بالأغنية الكويتية إلى خارج حدود وطنه وينشرها في الوطن العربي استطاع كذلك أن يترك بصماته الواضحة في الفن الكويتي
كانت لدى فضالة حاسة دقيقة في اختيار الكلمات، فغنى، متميزاً، الصوت والسامري والهجيني على الربابة وألحان العرضة، فكان يعزف العود والكمنجة والربابة وحاول تعلم القانون، وبالرغم من ظرفه الصحي (فقد البصر) إلا أنه كان رجلاً قيادياً وجريئاً، كما ينسب إليه أنه أول من أدخل آلة البيانو في الأغنية الشعبية الكويتية.
فضالة و”العجز”
قيل عنه أنه المرآة الصادقة للفن الشعبي الكويتي، وكانت أغنية “العجايز” من أشهر أغاني الفنان فضالة، وهي أغنية شعبية خفيفة، وصل سعر اسطوانتها بعد تسجيلها إلى 30 روبية، ويعتبر هذا المبلغ ضحماً بمقاييس تلك الفترة، وتحكي الأغنية مؤامرة حيكت من نساء (عجز) كبيرات في السن على بطل القصة:
يا إله العرش يا من لا يضام
اسألك وأدعوك باسماك العِظَم
إتفكني من شر عجز ٍ جايرات
هن تبلّني.. تقل.. طلاّب دم
كن لهن عندي على ما قال دين
محللات بجورهن ما جد حَرَم.
وفاته
في الـ15 من شهر أكتوبر عام 1967م وصل خبر وفاة الفنان عبدالله فضالة إلى الكويت، حيث توفي في دولة البحرين وله من العمر 66 سنة، ثم نقل جثمانه إلى الكويت ودفن فيها، وحظي فضالة بتشييع مهيب عكس حب الناس له، كما أُطلق اسمه على أحد شوارع السالمية تكريما له.
“صُبرة” تواصلت مع الفنان والملحن محمد السنان وسألته عن رأيه كفنان وملحن وموسيقي عن هذه الأغنية، وجاء تعليقه التالي:
“لهذه الأغنية ميزة وهي أن العازف، عبدالله فضالة، يعتمد على 6 نغمات فقط، وهي من مقام البياتي، ويبدأ بالري ويرجع إلى الدو إلى أن يصل إلى اللا، ويعزف على هذه النغمات الـ6، ومن النادر جداً أن تجد أغنية تعزف على 6 أصابع فقط”.
وأكمل “الأغنية في معناها ومضامينها جميلة جداً، فهو لم يتحيز في وصفه للسمر والبيض، وكأنه في هذه الأغنية يدعو إلى عدم التفاضل باللون، وهذا شيء جميل”.
وأضاف السنان “أما عن رجوع الأغنية إلى التعاطي على المنصات الاجتماعية مثل التيك توك فأظن أنه اجترار للماضي لأن الحاضر مفلس فنياً، وأؤكد على كلمة مفلس وليس فقير، فهناك فرق كبير بين الفقر والإفلاس، وهذا ليس تجني ولا تحامل على الفن في الوقت الحاضر”، وأوضح “الفن إبداع، وما نسمعه في الوقت الحاضر أقرب إلى النشاز منه إلى الفن، خليط من كل شيء، تستطيع تشبيهه بالصيحات الجديدة في الرسم، بأن يأخذ الرسام الأصباغ فيرميها على اللوحة، ثم يقوم بقص اللوحة الكبيرة إلى 4 لوحات، ويبيعها على أنها لوحة فنية، وهذا بالضبط ما يحدث للموسيقى في عالمنا العربي”،
ويستدرك السنان “هذه الأغنية رغم بساطتها، وبساطة اللحن والكلمات تنتمي فعلاً إلى الزمن الجميل، الأغنية ليست طربية، ويمكن أن نطلق عليها (اسكتش) غنائي، أو لحن شعبي، ولكن مما لا شك فيه أنها أغنية جميلة جداً لحناً وكلمات وأداء، وعزفاً”