كلام عتيق.. في هجاء المونودراما المونودراما.. ونصوص الـFree Size
أثير السادة* |
سوف نكون على موعد مع سوبرماركت للحكايات في كل مرة ندعى فيها لمشاهدة عرض مونودرامي، و”حكاية ممثل” لم تكن استثناء في ذلك، فالممثل بدا منشغلا بالحديث عن كل شيء، يركض من موضوع لآخر، ومعه كان يغير من مظهره وشخصيته وشروط اتصاله بالفضاء المسرحي.
عروض الموندراما كما عهدناها تبدو وكأنها مقولة واحدة ممطوطة على لسان الممثل الذي لا يكف عن الثرثرة وافتعال الحركات ليخرج من تلك المفردة مفردة أخرى تشبهها في الشكل والمضمون، ضمن حالة دورانية لا تبرح فيها المفردة مكانها حتى تعود اليه.
لكي تستمر المسرحية وقتا اطول ، بحسب مقاييس المناسبة، والزمان والمكان، يعمد الممثل/العرض الى استدعاء كل قصص الحياة وادغامها في النص، كل العواطف والانفعالات، لتصبح صورة المونودراما أقرب الى فكرة التداعي الحر والهذيانات المفتوحة التي لا تسمح غالبا في بناء صيغة درامية متماسكة، مع تضاءل حوارية العرض الى حدها الادني في ظل غياب الفاعل الآخر في تدشين عملية الاتصال الدرامي.
لهذا يستقر الممثل عند مستوى الراوي داخل العرض، يحاول ان يتمثل روح المؤدي في تمظهراته الادائية غير انه مأخوذ بمعايير هذا النوع من العروض التي تتخذ خصوصيتها من تفرد الممثل الواحد، المرسل الوحيد، في إنتاج دلالات العمل واشاراته عبر أشكال من المناجاة الداخلية والحوار الافتراضي مع المفردات المسرحية.
التكرار سمة هذه العروض ، ليس بالامكان تحديد مفاصل زمنية حاسمة في بنائها ، فالمطلوب ان تجري المقولة الرئيس في ثنايا العرض ذهابا وايابا، ان تظهر تنوعا في عملية تحويل تلك المونولوجات الطويلة الى تصميمات مشهدية عبر الوسائل المسرحية التي تتظافر فيها الاضاءة والجسد والفضاء من غير اني يكون لها أثر حاسم في احداث تحولات درامية لهذا الفتات المتكرر من الاقوال، فحتى طاقة الممثل تنصرف غالبا باتجاه تكثيف الاداء الصوتي لتصحيح مسار انفعالات العرض.
“أنا الممثل” تبقى مركزا في سياق البناء الدرامي وان سعى الممثل الى اعطاء انطباع بوجود شخوص أخرى عبر حوارات افتراضية، ضمن محاولته للخروج من اطار اللغة المباشرة، والهروب من جو المحاضرة التي قد يفترضها الاداء المنفرد في صيغته التواصلية التي لا يملك فيها المستقبل الآخر/المتلقي ان يباشر فعله في حوارات العرض، فالمونودرما بصورتها القائمة هي قطعة من لحظة نفسية يتم تمثلها في تكثيفات ادائية لا تفلح في اتمام رهاناتها غالبا!.
هذا النزوع الى تقديس الفرد او الخلاص الفردي كان ملمحا فكريا ملازما للمونودراما منذ بداياتها كما تروي الناقدة نهاد صليحة، فهي المعادل الجمالي لمعطيات الحركة الرومانسية في مستواها الفكري والفلسفي، ليكون محور التركيز في العرض ومحور الجدل الذي تصفه بالزائف حيث يمارس الممثل الحوار مع نفسه، هذا الى جانب انعزال الممثل عن المساحة الاجتماعية وانقطاع فعله عن التواصل مع المحيط الاجتماعي، مستعيضا عن ذلك بالاشتغال على تكثيف الحالة الشعورية وتصعيدها.
لكل ذلك يبدو النص المونودرامي اشكاليا في بنيته الدرامية، وقيمه البنيوية التي يستند اليها في تركيب خطابه المسرحي، فالنص المرفوع برافعة المونولوجات الطويلة نادرا ما يسمح بتكثيف اللحظات المشهدية، وكثيرا ما يدفع الممثل الى ارتكاب مبالغات ادائية على مستوى التوصيل والتعبير على السواء.
____________
*من صفحته على الفيسبوك.