ندوة] الغوث الغوث.. أطفال في عمر 12 ورّطهم التحدي في المخدرات 3 أرباع نزلاء دور الأحداث ونصف نزيلات الحماية سمّمهم التجّار المجرمون
تغطية: شذى المرزوق
طفلة في الـ 12 تُنقل من مدرستها إلى مركز علاج نفسي.. والسبب: مخدرات. وطفل آخر في مثل عمرها دخل في تحدٍّ سخيف مع طفل مثله؛ فأصبح مدمناً..!
شابة في الـ 22 تحاول الانتحار.. والسبب: إدمان. شاب تنتكس حالته فيعود إلى المخدرات.. ومن الأسباب: رفض أهله إياه..!
المخدرات لم تعد ظاهرةً يُمكن التفاهم مع متعاطيها بالعلاج والتأهيل فحسب.. بل تحوّلت إلى غول، على كلّ فردٍ منا أن يهبّ لمواجهته، بالإبلاغ عن أي أحد يتورط معه. المتعاطي، والمروج، والمتاجر، والمهرّب، والمتسامح معه بفتح منزله أو استراحته لاستضافة المتعاطين..!
شأفة المخدرات يجب أن تُستأصل من جذورها، وتُحارب في وكرها، وتُضرب بيد من حديد النظام والقانون. وحسبنا من ويلاتها ما تشهد به الأرقام المخيفة.. فهناك 75% من نزلاء دور الأحداث لهم علاقة بالمخدرات، ونصف النساء الخاضعات للرعاية الاجتماعية دمّرت المخدرات حياتهم.
هذه المؤشرات الخطيرة؛ هي بعض ما كشفت عنه ندوة إلكترونية، مساء البارحة، (الإثنين)، خلال المساحة التي نظمها فريق “معاً نرتقي التطوعي”، وقدمها المعالج النفسي سليمان الزايدي، بالتعاون مع الاختصاصي النفسي في مركز الرعاية والتأهيل في الدمام بشير سهوان، تضامناً مع الحملة الوطنية للحد من انتشار المخدرات بعنوان “بلغ عنهم”.
قصص مؤلمة
وكشفت المساحة ذاتها، عن قصص مؤلمة، عاش تفاصيلها اختصاصيون ومعالجون لاضطراب الإدمان، تجاوز البعض الـ40 عاماً في المهنة، ذكروها بألم وحسرة، من بينها قصة الشابة وقصة الطفلة بعمر 12 ربيعاً.
الحملة الوطنية #بلغ_عنهم أثارت حماسة المعالجين والاختصاصيين في مراكز التأهيل لمعالجة اضطراب الإدمان، خاصةً بعد الأثر السريع الناجم عنها، واتفق المتناقشون، البارحة، على ارتفاع مستوى الاستشارة لعلاج المدمنين بنسبة 300% في مراكز الرعاية، والضغط الكبير الذي تستقبله المراكز لشباب، اختاروا اللجوء للعلاج، بدلاً عن الوقوع بين أيدي الجهات الرسمية، التي تشن حالياً حملة قوية لمكافحة آفة المخدرات.
محاور كثيرة ومتنوعة، طرحها اختصاصيون من مختلف المناطق، ونسب مخيفة، كشف عنها آخرون، وجميعها تؤكد أن شباب المملكة مستهدف بشكل كبير، وعليه، يجب رفع مستوى الدافعية، بتعاون المجتمع مع ولاة الأمر لاجتثاث هذه الآفة.
سليمان الزايدي
الفساد والمخدرات
بدأ الحديث الدكتور عبدالعزيز الزايدي، الذي أكد أن “هذه الحملة لا تقل أهمية عن حملة مكافحة الفساد”. وقال “لن يفلت من الفساد كائناً من كان، ولن يفلت من هذه الحملة أحد، نحن نخوض حرباً لاهوادة فيها، سيكون المنتصر فيها أنا وأنت، ابني وابنك، أخي وأخوك، المنتصر فيها المواطن، الذي يؤمن بأن هذا البلد لا مكان فيه للمفسدين والمروجين والمتعاطين”.
المشاركون في اللقاء
بلغ عنهم
وتابع الزايدي “أبواب مؤسساتنا العلاجية مفتوحة لكل من يريد أن يتخلص من هذا الداء”. واستدرك “بلغ عنهم، بلغ عن ابنك، صديقك، أخوك ولا تخشى شيئاً، فلست أرحم من ولاة أمرنا عليهم، الذين يتعاملون معهم معاملة أبوية، تحتضن المُخطئ، وتساعد من أراد العلاج، أما من يعاند ويصر على الخطأ والفساد، فلن يجد سوى الحزم و السيف الأجرب”.
عيادات مزدحمة
فيما لفت النفسي سليمان الزايدي إلى أن “عيادات ومؤسسات التأهيل باتت مزدحمة المواعيد، إثر الحملة التي رفعت مستوى الاقبال للمعالجة أو الاستشارة من قبل شباب كانوا سابقاً مترددين، أم الآن فلديهم الرغبة في التغيير”.
دول الخليج
وأشار الزايدي إلى أن المعالجين في حالة من السعادة، لأنهم قاموا بتفعيل برامج الدافعية بشكل أكبر لدى شباب الوطن المستهدف”، منوهاً بأن “شباب المملكة ليس فقط المستهدف الوحيد، ولكن الحرب ضد المخدرات انطلقت بقوة في المملكة، ودول الخليج التي استنفرت بقلب واحد ويد واحدة نحو هدف واحد”.
بشير السهوان
وصمة العار
في السياق نفسه، قال الاختصاصي بشير سهوان “كل ذي نعمة محسود، والمملكة تواجه اليوم حرباً شرسة، تستهدف مقدراتنا في أولادنا، تلك العقول البناءة التي تبني مجتمعنا وترتكز فيها قوة الوطن”.
وأردف “يؤلمنا عندما نجد شاباً في منصب عالٍ، اجتهد ليكون معول بناء، فوقع في بؤرة المخدرات، ليتحول إلى مُعول هدم لذاته ومجتمعه”.
وأوعز السهوان أن أبرز أسباب وقوع الشباب في هذه آفة المخدرات، هو قلة وعي الأهل في امكانية علاجهم منذ ملاحظة بوادر التغيير، وما أسماه بـ”وصمة العار”، وهي الفكرة التي تستحوذ على كثير من الأسر، عندما يواجهون مرض ابنهم بالإدمان، فتجدهم يستبعدون فكرة علاجه، خوفاً من الفضيحة، لئلا ينكشف المستور، ويقعون في الوصمة المجتمعية بينما الشاب ينحدر شيئاً فشيئاً لمستوى متدهور في الإدمان أمام خوف الأهل وصمتهم”.
سرية تامة
وكشف السهوان جانباً مهماً في العلاج، وهو السرية التامة، مستبعداً الأفكار المغلوطة التي تتوقع سجنه بعد علاجه، أو الفضيحة التي يمكن أن تترتب على خضوعه للعلاج. وذكر “حين تبلغ عن ابنك في مركز الرعاية، وتأخذ بيده للعلاج، كن على ثقة تامة بأن ابنك يتم التعامل معه باعتباره حالة مرضية، لا باعتباره مذنباً، وفي سرية تامة، حتى لو وجد المعالج لديه كمية من المخدر، يقوم المعالج باتلافها دون الحاجة إلى اللجوء للجهات الرسمية، أو معاقبته، فالهدف هنا علاجه، لا محاسبته أو عقابه”.
وأكمل “على مبدأ السرية، لا يطّلع على ملف المريض سوى المعالج المباشر له، أما لو تبين العكس، فسوف يحاسب المعالج ويتم اتخاذ أقوى الإجراءات والعقوبات في حقه”.
وواصل حديثه مخاطباً الآباء “ادعموا أبناءكم للعلاج، وابعدوا عنكم النظرة السوداوية والسلبية، خوفاً من الفضيحة، بادروا للعلاج قبل أن تتفاقم الحالة، فيصعب علاجها”.
قصص مؤلمة
وبتأثر شديد، استرجعت الاختصاصية النفسية لؤلؤة قصصاً تابعتها عن قرب، لحالات ناشئين وشباب، وصفتهم بأنهم “يعيشون في ضياع”. وقالت “طفل لم يتجاوز الـ12 من عمره، يدخل عالم الإدمان من بوابة التحدي، ومثله طفلة في عمره، ضعيفة الشخصية، تستخدم المخدر بعد اقناعها بأنه يساعدها على مواجهة ضعفها، ويبقيها قوية، فيما تحاول أخرى الانتحار”.
وقالت “تحولت لي حالة من إحدى مدارس البنات، وقعت فريسة للمخدرات، الفتاة الآن تبلغ من العمر 22 عاماً، تجاوزت مرحلة العلاج ومرحلة تغيير الأصحاب، والمتابعة النفسية، ومازالت مستمرة حتى على مستوى التغذية المناسبة والتأهيل النفسي”.
وشددت موجهة حديثها إلى أولياء الأمور “ركزوا على المراهق، وتربيته، ولا تستهينوا بالموضوع، فهم بحاجتكم وبحاجة إلى الاحتواء الذي يسهم في إبعادهم عن هذا الطريق. ليكن عندنا وعي كيف نتعامل مع المراهقين والشباب من أبنائنا”.
عوامل خطر
بدوره، علق المعالج سلمان الزايدي على ما يتردد حول أصدقاء السوء، بكونها عبارة خاطئة لكل ولي أمر يرى ابنه متأثراً بأصدقاء السوء، في الوقت الذي يراه ولي أمر آخر صديق سوء لابنه أيضاً، واستبدلها بكونهم “عوامل خطورة”، يؤثر بعضهم ببعض بنسب معينة، وعليه يجب أن نتعلم كيف نبني طريقة التفكير لدى ابننا للتعامل مع عامل الخطورة، ومن هنا يبدأ العلاج”.
ونوه الزايدي بأن “الشاب الذي يدخل للإدمان من باب التجربة، يختلف عن الشاب الذي ينزلق في هذا الدرب بسبب ألم نفسي، ولذلك يستلزم على الأهل الدخول إلى أعماق ابنهم، وتعزيزه بالحب والاحتواء والمديح”.
بيئة طاردة
وعاد السهوان ليوضح أن بيئة المنزل قد تكون جاذبة، وقد تكون طاردة، ويقع على الآباء مسؤولية أن يحول منزله إلى بيئة جاذبة، تحتوي الأبناء. ونوه بأن بعض المدمنين لديهم تاريخ عائلي طبي نفسي أو عقلي، وقد يفجر المخدر هذا المرض، فيكون مدمناً و مصاباً باضطرابات فكرية وعقلية.
توجيه المدارس
وبين السهوان أنه يعمل الآن مع مجموعة اختصاصيين ومعالجين على تنفيذ التوجيه القيادي من إمارة المنطقة الشرقية، لنشر ثقافة الوعي بالمخدرات وضررها على مستوى مدن ومحافظات المنطقة. وقال “منذ 3 أشهر، وصلنا التوجيه، وعملنا ضمن خطة استراتيجية ممنهجة لتغطية كل المدارس على اختلاف الفئات العمرية، وعن نفسي، استلمت مدارس في الدمام، وسأبدأ في القطيف خلال الأيام القادمة، وبعدها مدارس الجبيل”.
قل: لا..!
وشرح الاختصاصي وائل الغامدي أن “التعامل مع الطلبة، يكون بحسب مستواهم العمري والفكري، فيكفي طالب الابتدائي أن يتعلم درساً أساسياً، وهو أن يقول كلمة “لا” لكل شيء جديد يقدم له من باب التجربة، ولا يقدم على تجربة أي شيء مجهول”.
وأضاف “يجب أن نقدم كل العون إلى أبنائنا من ناحية وقائية، نفسية، وعلاجية”، مؤكداً أن “المنصات العلاجية والمؤسسات مفتوحة لتقديم المساعدة، وما ينفع المدمن وعائلته، ليعود انساناً صالحاً لمجتمعه”.
لماذا السعودية؟
من جانبه، أكد مبارك الحارثي، وهو إداري في صحة الشرقية وعضو مؤسس لجمعية “تعافي” تأثير الحملة في رفع مستوى الآمال والتفاؤل لنسبة كبيرة من الشباب المبادر للعلاج.
وأجاب عن تساؤل حول استهداف المملكة بعينها بالمخدرات، بكون أن 75 % من تركيبتها السكانية هم من الشباب، ولأسباب أخرى، بعضها سياسي. وقال “المستهدف هو تدمير العقول، كما أن توفر المادة، ونمو الوضع الاقتصادي في المملكة دوره في جذب المروجين، وتجار المخدرات للممارسة عملهم هنا.
الضربة الاستباقية
وأوضح الحارثي أن حكومة المملكة تقف بالمرصاد لكل من يفكر في المساس بأمن المجتمع واستقراره، وقال “الحملة الوطنية الأخيرة تشهد بتغيير كبير وسريع والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه بالغزو الفكري والنفسي لأبناء المملكة، فواجهتهم القيادة بضربة استباقية من خلال الحملة القوية التي رفعت نسبة الاستشارات في مراكز الرعاية والتأهيل إلى 300 ٪”.
أفكار مغلوطة
وبين الحارثي أن هناك بعض الأفكار المغلوطة لدى الأسر والمدمن في تجربة علاج الإدمان، بما فيها افشاء السرية، واستخدام أدوية للعلاج، قد تسبب اضطرابات عقلية، ملف المريض في المستشفى مكشوف للجميع، ما قد يتسبب له ولعائلته بفضيحة كبرى”.
واستطرد “جزء من الخطأ يقع على عاتقنا كمسؤولين ومعالجين، حيث أننا لم نوضح هذه الأخطاء سابقاً بشكل كافٍ يطمئن الأسر، فالمعالج يوقع على مواثيق وتعهد بأهمية السرية، ومن أفشى سراً يفصل من مهنته ويقاضى”.
نصف الصغيرات..!
من جهتها، سلطت الدكتورة زين الشريف الضوء على دار رعاية البنات، أو ما أسمته بـ”سجن الصغيرات”، وقالت “هناك فتيات صغيرات، في المرحلة المتوسطة أو الثانوية، بينهن أكثر من 50% في قضايا ترويج واستخدام، ومع المتابعة لمثل هذه الحالات، أخبرتنا إدارة السجن بأن أغلب السجينات يعدن لممارسة ذات الخطأ، واستخدام المخدر بعد الإفراج عنهن، وهو ما يرفع مستوى المسؤولية بدعم ومساندة الفتيات في الخارج، كما في الداخل، حيث يتم تأهيلهن، والأولى في ذلك التأهيل الأسرة التي يتوجب عليها التعاون مع الجهات المسؤولة والتفاعل مع الحملة بالدعاء لأبنائنا بالصلاح والهداية، وتغذيتهم في الجانب الإيماني، ونشر الوعي بقيمتهم”.
قضايا مخدرات
وعاد الزايدي، ليؤكد أن 75% ممن هم في دار الأحداث، لديهم قضايا مخدرات مباشرة (بيع، استخدام) أو قضايا مخدرات غير مباشرة (سرقة وتدخل معها المخدرات).
وشدد من جديد على دور الأهل في احتواء الشباب، حتى لو أخطأ الابن. واستشهد بقصة شاب متعافٍ اعتبره المعالجون نموذجاً مميزاً للتعافي من الإدمان، وفي فترة البرنامج العلاجي، كان هناك برنامج خاص، يقوم بزيارة الأهل لمدة 24 ساعة، كفرصة يقيس فيها نفسه ومدى فاعلية علاجه.
وعندما رجع الشاب، قابله والده بكلمة “فكوك الله لا يخليك”، فيما تعاملت معه والدته وأخوانه بريبة، وكانت الهمسات حوله بأن أخفوا كل ما يمكن أن تطاله يده من ذهب أو نقود.
وأصيب الشاب بصدمة، قد لا يكون موقفهم مستغرباً، ولكن الطريقة خطأ، ومثل ذلك موقف مسؤول المسجد الذي استقبله بعبارة “اذهب من هنا.. لاتضيع أولادنا”.
هذا الشاب عاد مخذولاً، لم يكمل من مدته 12 ساعة، لنجده في أروقة انتظار المستشفى، عائداً لمركز الرعاية.
وقاية مجتمعية
عن قصة الشاب المتعافي، علق السهوان بأن “مراكز الرعاية تولي هذا الجانب اهتماماً كبيراً، حيث يتم تقديم 5 محاضرات اجتماعية، تركز على التأهيل للانخراط في المجتمع، تساعده في معرفة كيفية التعامل مع الأهل، والأهم من ذلك أن يعي أن رقمه الاجتماعي متغير، فبعد أن كان ولي الأمر المسؤول، أصبح الإبن أو الأخ هو الرقم الأول بعده، لذلك عليه أن يعرف كيف يتدرج بالمواصلة مع المجتمع، والمسجد، والأهل، وهو مايعمل عليه المعالجون في مرحلة العلاج قبل خروجه، وإن أمكن معالجة المدمن بالتزامن مع معالجة الأهل لتهيئتهم نفسياً لتقبله من منظور الآية الكريمة إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.