أسرار الدماغ 4 أنواع فرعية مختلفة للتوحد

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

يمكن تصنيف المصابين باضطراب طيف التوحد إلى أربعة أنواع فرعية مختلفة بناءً على نشاط أدمغتهم وسلوكياتهم، وفقًا لدراسة أجراها باحثون من كلية وايل Weill للعلوم الطبية في جامعة كورنيل Cornell.

الدراسة(1)، التي نُشرت في 9 مارس 2023 في مجلة نتشر نيروساينس Nature Neuroscience، استفادت من تقنيات تعلم الآلة لتحليل بيانات التصوير العصبي المتوفرة حديثًا من 299 شخصًا مصابًا بالتوحد و 907 غير مصاب بالتوحد (طبيعي). وجدوا أنماطًا من روابط في الدماغ لها علاقة بالسمات السلوكية عند المصابين بالتوحد، مثل القدرة الكلامية [المترجم: القدرة الكلامية هي القدرة العقلية / المعرفية على استخدام اللغة وفهمها والتي يمكن أن تتطور عبر الاكتساب من التعليم الرسمي وغيره (2)] والوجدان الاجتماعي(3) والسلوكيات التكرارية أو التي تعرف بالسلوكيات النمطية، [كرفرفة اليدين](4). وأكد الباحثون أن مجموعات التوحد الفرعية الأربع يمكن أيضًا أن تتكرر في مجموعة بيانات منفصلة وأثبت الباحثون أن الاختلافات في التعبير الجيني الموضعي والتفاعلات بين البروتينات يمكن أن تفسر الاختلافات الدماغية والسلوكية.  [المترجم: التفاعلات بين البروتينات هو التماس المادي بين بروتين وبروتينين اثنين وأكثر وتمثل وظائف بيلوجية معقدة (5)].

“كالعديد من التشخيصات العصبية والنفسية neuropsychiatric، يعاني المصابون باضطراب طيف التوحد من أنواع مختلفة من الصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل والسلوكيات التكرارية (النمطية). يعتقد الباحثون أن هناك على الأرجح العديد من الأنواع المختلفة لاضطراب طيف التوحد التي قد تتطلب علاجات مختلفة، ولكن لا يوجد إجماع علي أسلوب التعرف عليها” كما قال المؤلف الرئيس المشارك الدكتور كونور ليستون Conor Liston، الأستاذ المشارك في الطب النفسي وعلم الأعصاب في معهد عائلة فيل لأبحاث الدماغ والعقل   Feil Family Brain and Mind Research التابع لكلية وايل للعلوم الطبية في جامعة كورنيل. “تسلط دراستنا الضوء على مقاربة جديدة لاكتشاف الأنواع الفرعية للتوحد التي قد تؤدي يومًا ما إلى أساليب جديدة للتشخيص والعلاج.”

استخدمت دراسة سابقة نشرها الدكتور ليستون وزملاؤه في دورية نتشر للطب Nature Medicine في عام 2017 أساليب تعلم آلي مماثلة للتعرف على أربعة أنواع فرعية للاكتئاب مختلفة من الناحية البيولوجية، وأثبت بحث لاحق أن هذه المجموعات الفرعية تستجيب بشكل مختلف لعلاجات الاكتئاب المختلفة.

“إذا وضعت المصابين بالاكتئاب في مجموعة النوع الصحيح للإكتئاب، فستتمكن من تخصيص أفضل علاج لهم،” كما قالت المؤلفة الرئيسية الدكتورة أماندا بوخ Amanda Buch، وهي زميلة ما بعد الدكتوراه في علم الأعصاب في الطب النفسي في كلية وايل للعلوم الطبية في جامعة كورنيل.

بناءً على هذا النجاح في تصنيف أنواع الاكتئاب، شرع الفريق في التعرف على ما إذا كانت هناك مجموعات فرعية مماثلة بين المصابين بالتوحد، وما إذا كان هناك مسارات جينية مختلفة تكمن وراءها. وأوضحت أماندا أن التوحد هو حالة وراثية بامتياز مقترنة بمئات الجينات التي لها أعراض متنوعة وخيارات علاجية محدودة.  لدراسة ذلك، ابتكرت الدكتورة بوخ تحليلات جديدة لدمج بيانات التصوير العصبي مع بيانات (معطيات) التعبير الجيني والبروتيوميات(6) proteomics، وتقديمها إلى المختبر مما يساعد في  اختبار وتطوير فرضيات متعلقة بطريقة تفاعل متغيرات الاحتمالات في مجموعات التوحد الفرعية.

“أحد العوائق التي تحول دون تطوير علاجات للتوحد هو أن معايير التشخيص فضفاضة، وبالتالي تنطبق على مجموعة من الناس كبيرة ومتباينة من ناحية النمط الظاهري(7) ولديها آليات بيولوجية أساسية مختلفة،” كما قالت الدكتورة بوخ. “لشخصنة العلاجات للمصابين بالتوحد، يُعتبر فهم هذا التنوع البيولوجي واستهدافه أمرًا مهمًا. من الصعب التعرف على العلاج الأمثل عندما يُعامل الجميع على قدم المساواة من ناحية نوع التوحد الفرعي، والحال يُعتبر كل واحد منهم فريدًا من نوعه.”

إلى ما قبل فترة قريبة، لم تكن هناك مجموعات كبيرة كافية من بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للمصابين بالتوحد لإجراء دراسات تعلم الآلة واسع النطاق، كما أشارت الدكتورة بوخ.  لكن مجموعة البيانات الكبيرة التي ولفتها وشاركت بها الدكتورة أدريانا دي مارتينو Adriana Di Martino، مديرة الأبحاث في مركز التوحد في معهد تشايلد مايند Child Mind، وكذلك مجموعة البيانات التي ولفها وشارك بها زملاء آخرون في جميع أنحاء البلاد، وفرت مجموعة البيانات الكبيرة اللازمة لهذه الدراسة.

“الأساليب الجديدة لتعلم الآلة التي يمكنها التعامل مع آلاف الجينات، والاختلافات في نشاط الدماغ والتغيرات السلوكية المتعددة جعلت هذه الدراسة ممكنة،” كما قال المؤلف الكبير المشارك الدكتور لوغان غروسينيك، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب في الطب النفسي في كلية وايل للعلوم الطبية في جامعة كورنيل، والذي كان رائدًا في ابتكار تقنيات تعلم الآلة المستخدمة في التصنيف الفرعي البيولوجي في دراسات التوحد والاكتئاب.

سمحت هذه التطورات للفريق بالتعرف على أربع مجموعات مختلفة من الناحية السريرية للمصابين بالتوحد. لدى مجموعتين فرعيتين ذكاء لفظي(8 – 10) أعلى من المتوسط. إحدى المجموعات تعاني أيضًا من نقص حاد في التواصل الاجتماعي ولكن سلوكياتها التكرارية (سلوكيات التحفيز الذاتي(11) stimming] أقل، بينما لدى المجموعة الأخرى سلوكيات تكرارية  أكثر وضعف أقل في العلاقات الاجتماعية [المترجم: ضعف العلاقات الاجتماعية social impairment تأخذ اشكالًا مختلفة، مثل الانسحاب الاجتماعي والعدوان العلائقي ضد الغير وممارسة العنف ضد الغير والوقوع ضحية للغير(12)].  الروابط بين مناطق الدماغ التي تعالج المعلومات المرئية وتساعد الدماغ على التعرف على المعلومات الأكثر بروزًا الواردة مفرطة النشاط في المجموعة الفرعية التي تعاني من ضعف أكثر في العلاقات الاجتماعية. هذه الروابط بين مناطق الدماغ نفسها ضعيفة في المجموعة التي لديها سلوكيات تكرارية (تحفيز ذاتي) أكثر.

“من المثير للاهتمام على مستوى الدارات الدماغية وجود شبكات دماغية مماثلة متورطة في كلا النوعين الفرعيين من التوحد، لكن الروابط في هذه الشبكات نفسها كانت غير نمطية في اتجاهين متعاكسين،” كما قالت الدكتورة بوخ، التي أكملت الدكتوراه من كلية وايل للعلوم الطبية للدراسات العليا في جامعة كورنيل في مختبر الدكتور ليستون وتعمل الآن في مختبر الدكتور غروسنيك.

المجموعتان الفرعيتان الأخريتان تعانيان من ضعف شديد في العلاقات الاجتماعية وسلوكيات تكرارية ولكن لديهما قدرات (ذكاءات) لغوية على طرفي طيف التوحد. على الرغم من بعض أوجه التشابه السلوكية، اكتشف الباحثون أنماط روابط دماغية مختلفة تمامًا في هاتين المجموعتين الفرعيتين.

قام الفريق بتحليل التعبير الجيني الذي يفسر الروابط الدماغية غير النمطية الموجودة في كل مجموعة فرعية لفهم سبب الاختلافات بصورة أفضل ووجدوا أن العديد من الجينات كانت معروفة في السابق أن لديها علاقة بالتوحد. قاموا أيضًا بتحليل تفاعلات الشبكة بين البروتينات التي قُرنت بروابط دماغ غير نمطية، وبحثوا عن البروتينات التي قد تلعب دور المحور. الأوكسيتوسين، وهو بروتين وُجد سابقًا أن له علاقة بالتفاعلات الاجتماعية الإيجابية، كان بروتينًا محوريًا في مجموعة فرعية تعاني من ضعف أكثر في العلاقات الاجتماعية ولكن لديها سلوكيات تكرارية محدودة نسبيًا. قالت الدكتورة بوخ نظرت الدراسات في استخدام رذاذ الأوكسيتوسين في الأنف كعلاج للمصابين بالتوحد ولكن النتائج كانت غير حاسمة. وقالت بوخ إنه سيكون من المثير للاهتمام اختبار ما إذا كان العلاج بالأوكسيتوسين هو أكثر فعالية في هذه المجموعة الفرعية.

“يمكن أن تحصل على علاج ناجع في مجموعة فرعية معينة، من المصابين بالتوحد، لكن هذه الفائدة ستضمحل لو جُربت على المصابين بالتوحد كمجموعة واحدة لأن المجموعات الفرعية لم تؤخذ بعين الاهتمام حينئذ،” كما قال الدكتور غروسنيك.

أكد الفريق نتائجهم على مجموعة بيانات بشرية ثانية، ووجدوا نفس المجموعات الفرعية الأربع. كتأيد نهائي لنتائج الفريق، أجرت الدكتورة بوخ تحليلًا غير متحيز للتنقيب في البيانات(13) استقته من الأوراق الطبية الحيوية  المنشورة التي أثبتت أن دراسات أخرى قد قرنت بشكل مستقل الجينات المتعلقة بالتوحد بنفس السمات السلوكية المقترنة بالمجموعات الفرعية.

سيقوم الفريق بعد ذلك بدراسة هذه المجموعات الفرعية والعلاجات المستهدفة للمجموعات الفرعية الممكنة في الفئران.  التعاون مع العديد من فرق البحث الأخرى التي لديها مجموعات كبيرة من البيانات البشرية لا زالت جارية أيضًا. يعمل الفريق أيضًا على تحسين تقنيات تعلم الآلة بشكل أكثر.

في غضون ذلك، قالت الدكتورة بوخ إنهم تلقوا ردود فعل مشجعة من المصابين بالتوحد بشأن عملهم البحثي. تحدَّث أحد باحثي علم الأعصاب، وهو مصاب بالتوحد، إلى الدكتورة بوخ بعد عرضها لنتائج بحثها وقال إن تشخيصه بالتوحد كان مربكًا لأن نوع التوحد الذي لديه كان مختلفًا تمامًا عن غيره، لكن بياناتها ساعدت في تفسير تجربته. قالت الدكتور بوخ: “تشخيص هذا الباحث بنوع فرعي من التوحد كان تشخيصًا مفيدًا له”.

ــــــــــــــــ

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://www.nature.com/articles/s41593-023-01259-x

 

2- https://das.org.sg/news-events/blogs/36-dyslexia-and-other-splds/912-what-is-verbal-ability.html

3- “وِجْدَان المرء هو نَفْسُهُ وَقُوَاهُ البَاطِنِيَّةُ، وهو مجموع الأحاسيس والانفعالات و العواطف و الاتجاهات و الميولات التي يتفاعل معها أو يَتَأَثَّرُ بِهِا، مِنْ حب وكراهية وتعاطف ولَذَّةٍ أَوْ أَلَم وميل ونفور، إلى آخره من أحاسيس إنسانية مختلفة.”  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/وجدان

4- “في علم الطب وعلم النفس السريري النمطية هي حالة يقوم بها المرء بالتفوه أو التصرف أو التحرك [كرفرفة اليدين] بشكل متكرر وفق تقاليد معينة. تظهر هذه الأعراض النمطية عند المصابين باضطرابات مثل التخلف العقلي والتوحد أو خلل الحركة المتأخر أو في المصابين باضطرابات عصبية.  كما لوحظت النمطية في بعض أنواع الفصام.”  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/نمطية

 

5- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC8641042/

 

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/بروتيوميات

7- ” النمط الظاهري (phenotype) هو التكوين الظاهري الفيزيائي للكائن الحي.  وهو عبارة عن مجموعة الخصائص أو السمات الظاهرية الفيزيائية الخاصة بالكائن الحي، مثل شكله ونموه وخصائصه الكيميائية الحيوية والفيزيولوجية وظواهره وسلوكياته ونواتج سلوكياته وأي جزء مما يظهر من مبناه أو وظيفته أو سلوكه.”  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/نمط_ظاهري

 

8- “الذكاء اللغوي هو نوع من أنواع الذكاء كما حدَّدته نظرية الذكاءات المتعددة للغير(9) التي صاغها هوارد غاردنر، يتَّصف أصحاب الذكاء اللغوي بقدرتهم على التحدث والكتابة واستخدام اللغات المختلفة بطريقة عمليَّة لتحقيق الأهداف والغايات المنشودة، بالإضافة لذلك فقد رُبط الذكاء اللغوي بزيادة القدرة على حل المشكلات وتطوُّر في طريقة التفكير التجريدي (اشتقاق المفاهيم(10)). أحياناً يُعبَّر عن الذكاء اللغوي بالجانب اللفظي منه فقط ويُشار له بالذكاء اللفظي أو الطلاقة اللفظية، ورغم ذلك فهو يعكس الذكاء اللغوي الكلي للفرد.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/ذكاء_لغوي

 

9- “نظرية الذكاءات المتعددة (multiple intelligence) هي نظرية وضعها عالم النفس هوارد غاردنر عام 1983 وتقول بوجود العديد من الذكاءات، ولا تنحصر فقط في قدرتي ذكاء التواصل اللغوي والتفكير المنطقي واللتين اعتبرتا تقليديًا مؤشرين وحيدين على الذكاء معتمدين في اختبار معدل الذكاء (IQ).  عام 1990، أشار غاردنر إلى خمس قدرات إضافية وهي، بالإضافة إلى التواصل اللغوي والتفكير المنطقي، الذكاء البصري / المكاني والذكاء الموسيقي/النغمي والذكاء الجسمي / العضلي وذكاء المعرفة الذاتية / معرفة النفس وذكاء معرفة الاخرين، ولاحقًا، أقر غاردنر بإمكانية وجود ذكاءات أخرى على الباحثين اكتشافها. وحتى عام 2016، أضاف غاردنر ذكاءين على النظرية وهما: ذكاء عالم الطبيعة وذكاء التعليم.  وكان قد ذكر عن إمكانية اعتبار المعرفة الوجودية ذكاءً منفصلًا، إلا أنه لم يبت فيه بشكل حاسم.”  مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/نظرية_الذكاءات_المتعددة

 

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/تجريد

 

11- سلوك التنبيه الذاتي، المعروف أيضًا باسم “التحفيز”  والتحفيز الذاتي، (Stimming) هو تكرار الحركات الجسدية أو الأصوات أو الكلمات أو الأشياء المتحركة أو السلوكيات المتكررة الأخرى. وسجلت مثل هذه السلوكيات (المعروفة علميًا أيضًا باسم “القوالب النمطية”) إلى حد ما في جميع الأشخاص، وخاصة أولئك الذين يعانون من اعاقات في النمو، وهي شائعة بشكل خاص في المصابين بالتوحد.”  مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/سلوك_التحفيز_الذاتي

 

12- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/33559355/

 

13- https://ar.wikipedia.org/wiki/تنقيب_في_النصوص

 

المصدر الرئيس

https://news.weill.cornell.edu/news/2023/04/four-different-autism-subtypes-identified-in-brain-study

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×