الاعتكاف عبادة وطاعة
عبدالله حسين اليوسف
شرع الله أنواعاً من العبادات، وأصنافاً من الطاعات، من شأنها ـ إذا قام بها العبد ـ أن تربطه بخالقه وتصله بربه. ومن أجل هذه العبادات وأعظمها : عبادة الاعتكاف؛ إذ بها يحيى القلب، وتزكو النفس، ويتوجه بها العبد إلى الخير والإحسان، ويتذكر بها عقيدة الثواب والعقاب، ويكون في محاسبة لأعماله، وواجباته. ولها تأثيرها العظيم في إصلاح الفرد والمجتمع.
وفي كل سنه مساجد المنطقة تقيم شعيرة الاعتكاف، وهنا نجد أن من الجدير أن نتساءل: ما هو تعريفكم للاعتكاف..؟
الاعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد التعبّد به، والأحوط ـ استحباباً ـ أن يضمّ إليه قصد فعل العبادة فيه من صلاة ودعاء وغيرهما، ويصح الاعتكاف في كلّ وقت يصح فيه الصوم والأفضل شهر رمضان وأفضله العشر الأواخر.
تقرر الاعتكاف في أحد المساجد وتحت اشراف من الفضلاء، وتحت كوادر وإدارة أخذت الجهد والعطاء، وفي كل سنة تقدم أفضل ما لديها وتبذل الوسع في توفير جو مريح وتهيئة المسجد ليكون ساحة عبادة وطاعة بتنظيم الأوقات ومراعاة شروط وواجبات الاعتكاف والصيام.
يأتي على الفرد أكثر من سؤال كيف يقرر الموافقة وترك كل ما لديه من الالتزامات يجهز نفسه لدخول المعترك والتفرغ للعبادة والطاعة، ولكن بعد أن يدخل للمسجد ويرى هذا الجمع من المعتكفين يتوجس خيفة: كيف يتصرف ويجلس او يتعبد او ينام او يخلع ملابسه امامهم، والتفكير في نوع الطعام المقدم وغير ذلك..؟
بعد فترة وجيزة وذهاب الهيبة والرهبة للموقف تدريجياً؛ يبدأ التكيف مع الوضع، ويرى المعتكفين من شخصيات ذات طابع علمي ولديها حب وعشق وتعطش للعبادة وتمتاز بسلوك وآدب وحب الاحترام، ويدخل في خضم العبادة والعشق إلى الدعاء..
يتصفح كتاب الله القرآن الكريم ويجد هذه الآية {رَبِّ ٱجۡعَلۡنِی مُقِیمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّیَّتِیۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَاۤءِ}. [سُورَةُ إِبۡرَاهِيمَ: 40].
ويتذكر هذه الفقرة من دعاء أبي حمزة الثمالي “اَللّـهُمَّ اَنْتَ الْقائِلُ وَ قَوْلُكَ حَقٌّ، وَ وَعْدُكَ صِدْقٌ { وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }، وَ لَيْسَ مِنْ صِفاتِكَ يا سَيّدي اِنْ تَأمُرَ بِالسُّؤالِ وَ تَمْنَعَ الْعَطِيَّةَ، و اَنْتَ الْمَنّانُ بِالْعَطِيّاتِ عَلى اَهْلِ مَمْلَكَتِكَ، والْعائِدُ عَلَيْهِمْ بِتَحَنُّنِ رَأفَتِكَ وبعد ذلك يدخل في حالة الاطمئنان القلبي كما ذكر الله سبحانه وتعالى“.
{ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ}. [سُورَةُ الرَّعۡدِ: 28]
وأنصح نفسي ـ ومن معي من إخوني المعتكفين ـ أن نحافظ بقدر المستطاع على ما تعلمنا و اكتسبناه وتدربنا عليه خلال ثلاثة أيام من برنامج مكثف وتطبيق عملي:
- 1/ الصلاة الواجبة والنوافل في وقتها.
- 2/ صلاة الليل وصلاة جعفر الطيار وغيرها.
- 3/ حضور برنامج من محاضرات دينية وثقافية.
- 4/ قراءة الدعاء والزيارة.
- 5/ قراءة القرآن الكريم والاستماع إلى البرنامج اليومي له.
وبعد تفحص وإدارة العين في المسجد؛ نرى من الجميع إحدى الحالات التالية: منهم من يقرأ القرآن الكريم أو يصلي أو يدعو.. إلخ. ومزاولة المشي في المسجد ـ جماعة أو افراداً ـ لا تخلو من نشاط عبادي مثل التسبيح أو التلاوة أو الصلاة على محمد آل محمد.
حتى عند النوم ترى بعضهم جهز له استماع موعظة أو دعاء، وكل ذلك بالمداومة على الطهارة بالوضوء والصلاة المستحبة على مدار ثلاثة أيام.
وكم تستوقفنا هذه الفقرة من دعاء ابي حمزة الثمالي “اَللّـهُمَّ اشْغَلْنا بِذِكْرِكَ، واَعِذْنا مِنْ سَخَطِكَ، وَاَجِرْنا مِنْ عَذابِكَ، وَارْزُقْنا مِنْ مَواهِبِكَ، وَاَنْعِمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلِكَ، وَارْزُقْنا حَجَّ بَيْتِكَ، وَزِيارَةَ قَبْرِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ وَ رَحْمَتُكَ وَ مَغْفِرَتُكَ وَرِضْوانُكَ عَلَيْهِ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ، اِنَّكَ قَريبٌ مُجيبٌ، وَارْزُقْنا عَمَلاً بِطاعَتِكَ، وَتَوَفَّنا عَلى مِلَّتِكَ، وَ سُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ“.
وعلينا ان نقرأ من تراث آل محمد عليهم السلام.. رُوي عن الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ أن أفضل العبادة الإخلاص. ورُوي عن الإمام علي ـ عليه السلام ـ أن أفضل العبادة العفاف. وعنه ـ عليه السلام ـ أفضل العبادة غلبة العادة.
وهذا الدعاء الذي يقرأ بعد كل فريضة في شهر رمضان المبارك هو يلخص احتياجات البلاد والعباد ويعزز المحبة والشعور بالمسؤولية:
“اللهم أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكس كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كل مريض، اللهم سد فقرنا بغناك، اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، إنك على كل شئ قدير“.
يقول الشاعر:
ربَّاهُ صدري ضاقَ مِن أحزاني
و الهمُّ أتعبني و قد أبكاني
ربَّاهُ قلبي لستُ أدري ما بهِ
فتولَّ شأني يا عظيمَ الشانِ
أخيراً: نقدم لكم الشكر الجزيل لكل من يساهم ويدير هذه البرامج وجعله الله في ميزان حسناتهم جميعا ويديمهم بصحة وعافية.