فيديو] في أم الحمام.. الناس صلّوا في مسجد مظلم ومخيف.. مقابل “مِتْلِيْكْ” عرف 5 أسماء.. وأحاطت به "خرافات" الجنّ.. وجاورته "خطوة" المهدي المنتظر
أم الحمام: ليلى الخميري
شارك في الصور: جعفر آل حايك، سجى آل ناصر
في منطقة نخيل خارج البلدة المسوّرة، كان يقع المسجد الذي يصلي فيه الفلاحون فرضي الظهر والعصر. لكنّ الذهاب إليه ليلاً من أجل صلاة المغرب والعشاء، أمرٌ محفوف بالخوف والتخيّلات المتهيّبة من المجهول. خاصة مع وجود مساجد قريبة وآمنة، ولا تُحيط بها قصص الجن والعفاريت..!
ومن أجل تشجيع الناس على التخلّي عن خوفهم؛ خصّص أحد المقتدرين هدية مالية متواضعة قدرها “متليك” واحد، لكل من يأتي إلى المسجد في الليل ويصلي المغرب والعشاء. و “المتليك” عملة عثمانية قيمتها بسيطة، لكنّ جمعها في زمن الفقر والكدح قد يكون له أثره.
وفي أمثال القطيف:
عاشق بنات الهوى ومتليك ما عنده
كناية عن ضآلة القيمة، وقلة الحيلة.
وهكذا؛ لم يعد المسجد موحشاً في صلاتي المغرب والعشاء، ووزّعت “المتاليك” على المصلين، فكان الواحد منهم لا يعود إلى منزله إلا “متليّك”.. فاكتسب المسجد هذا الاسم، لهذا السبب.
5 أسماء
ولم يكن “أبو متليك” الاسم الوحيد لهذا المسجد الواقع في منطقة ريفية من بلدة أم الحمام بمحافظة القطيف، وإنما هناك 4 أسماء أخرى له، منها الغريري، والجنوبي، والزويكية، وأخيراً أطلق عليه بعض الشباب مسجد الإمام علي، عليه السلام.
ويكفي أن تذكر أحدها، ليعرف المستمع مقصدك، ويبقى لكل اسم منها قصته وسببه الوجيه. والاسم الأكثر شهرة لدى أهالي أم الحمام هو مسجد الغريري، ولعل ذلك لوقوعه بالقرب من نخل الغريري، المملوك للحاج عبدالواحد عبدالعظيم المرهون.
ولأنه مسجد قديم كان من الأنسب لـ”صُبرة” الحديث عنه عبر ذاكرة كبار في السن، فقد كشفوا عن جوانب تاريخية للمسجد، إلى جانب استحضار بعض ذكرياتهم معه، وكيف كان في الماضي، وكيف أصبح اليوم.. وهنا كانت الحصيلة..
موقع “أبو متليك”
تاريخياً؛ يقف مسجد “أبو متليك” منذ عهد الأتراك، ويعتبر من المساجد الأثرية في محافظة القطيف وتحديداً في الجنوب الغربي لقرية أم الحمام، وتحديداً أكثر في الجنوب الشرقي من حي الزويكية، على الطريق المؤدي إلى بحر عنك في الشمال الشرقي ويتوسط منطقة صخرية، ولعل موقعه واسمه يدلان على قدمه.
المهتم بالتاريخ والآثار موسى جعفر الرضوان، ليس من كبار السن، لكنه كان أول المتحدثين لـ “صُبرة” عن المسجد، وقال “في أم الحمام، توجد 3 مساجد، من قدمها يصعب التفريق بينها حسب التسلسل التاريخي وهي: مسجد السلاحيف، مسجد الغريري، والشريفي، ورغم أن مسجد السلاحيف أقدمها، إلا أن مسجدي الغريري والشريفي يتزامن بناؤهما، ويتقارب مع وجود الدولة العثمانية سنة 957هـ، باعتبار أن تلك المنطقة كانت مقر صناعة السلوق وتصديره للهند”.
الحاج محمد كاظم الميرزا
أسماء متعددة
أما الحاج محمد كاظم الميرزا، فأرجع سبب تسمية المسجد بـ”الغريري” إلى سببين؛ الأول إلى النخل المجاور له، والمسمى بالاسم نفسه، والسبب الثاني نسبة إلى غرور الأرض بما تملكه من نخيل وشجر، وكأنه غابة من كثرتها”. وأضاف “يُسمى أيضاً بـ”المسجد الجنوبي” لموقعه بالنسبة للبلدة، وبمسجد الزويكية نسبة الى الزويكية الفريق الشمالي المعروف لدى أهالي أم الحمام، وسُمى أيضاً بمسجد “النويهيه” نسبة إلى عين تقع غرب المسجد، اسمها عين النويهيه، لكنها دُفنت الآن، وأيضاً من أسمائه الأقدم مسجد “أبو متليك””.
عملة المتليك العثمانية
المتليك العثماني
وأوضح الميرزا أن “المتليك” اسم عملة نحاسية، كانت تستعمل في القطيف في عهد الأتراك، ثم جاءت من بعدها، وبدلاً عنها عملة نحاسية أيضاً تسمى “البيزة”، ثم جاء من بعدها، وبدلاً عنها “القرش” السعودي المعدني، ويعود سبب تسمية المسجد بهذه التسمية (بو متليك) ان رجلاً من أم الحمام الصالحين، رأى تثاقل الناس في الذهاب إلى هذا المسجد، كونه خارج مسورة القرية، ولبُعده في ذلك الزمان من البلدة، ووحشته في الليل، كونه يقع في ظلام النخيل، فجعل كل من صلى فيه صلاة الفجر وصلاة العشاءين متليكاً، وكان الناس يومئذٍ في حاجة، فكثُر المصلون فيه بالصلاة الليلية، وبسبب ذلك سُمي: “مسجد أبو متليك”.
غرفة ومنارة
وأضاف الميرزا “كان المسجد عبارة عن غرفة صغيرة، بمنارة واحدة، بمترين ونصف المتر تقريباً، يصلون فيها أصحاب النخيل المجاورة، وجُدد المسجد 4 مرات، وآخر تجديد له، كانت قبل 8 سنوات، وأُضيفت له مساحة، وأصبح بمساحة غرفتين وسطيتين، بمساحة 12 متراً في 6 أمتار، وأضيفت له دورات مياه اثنتين بمغاسل للوضوء”.
آثار قديمة
ومن زاوية مشابهة؛ ذكر الحاج سلمان كاظم الميرزا قائلاً “عندما كنت صغيراً، صليت في المسجد في النهار، ولأن موقعه وسط النخيل، فكان المكان مظلماً وموحشاً، وكان الضوء على فانوس؛ حيث لم تصل الكهرباء بعد”.
الحاج سلمان كاظم الميرزا
وأضاف “كان بالقرب من المسجد آثار قديمة، بعضها يقول الناس عنها إنها “قدم المهدي”، ومثل هذه الأمور منتشرة في القطيف. وفي صغرنا، كنا نذهب إلى الأثر، ومن بعدها نذهب إلى المسجد للصلاة، إلا أن الآثار مُحيت وليس لها وجود الآن”.
35 سنه
قيّوم المسجد الحاج علي الكعيبي يقول “أهتم بشؤون المسجد منذ 35 سنه، ولا أعرف عن تاريخه القديم الشيء الكثير، ولكن أعرف ما يعرفه أهالي البلدة، بأنه وقف من رجل صالح، لكن لا يوجد صك للوقف لقدمه”.
وأضاف “يصلي في المسجد عشرات المصلين في كل فريضة، ويتناوب المؤمنون فيه على الآذان، منهم الشاب الحاج يوسف العبدالعال ويؤمهم للصلاة الشيخ مهتدي المرهون، ويُحيي بعض الشباب المؤمنين المناسبات الدينية فيه، مثل صلاة ليلة القدر، وصلاة العيدين وقراءة الأدعية”.
وأضاف “مؤخراً تمت توسعة المسجد من الجهة الأمامية، وتم تظليله وتشجيره، تبرعاً من المؤمنين”.
عمارة المسجد
وأما الحاج عبدالواحد المرهون، فيقول “كان المسجد قديماً، مبنياً من الحصى وجذوع النخيل والسعف، وكان المصلون فيه يجلسون على حصور من الخوص و “مديد” من الأسل، وكان عبارة عن غرفة، مقاس 4 في 5 أمتار، وكان في جدرانه مجموعة من “الروازن”، وهي “عبارة عن أرفف متعددة الاستعمال، استخدمتها العمارة قديماً في بناء البيوت”، وكان يوضع في روازن المسجد فوانيس لإنارته ليلاً للمصلين”.
الحاج عبد الواحد المرهون
وكان المسجد قديماً في وسط من النخيل، ومازال حتى يومنا هذا رغم تجديد عمارته على مدى السنوات، وكان الشارع المؤدي إلية ضيقاً جداً، يتسع فقط للدابة، ولِقدمه، يقال إن مؤسسه أحد شخصيات حكام القدماء، من آل جمعة مع جملة مساجد في القطيف، ويقال إنه بُني بأمر من الشيخ منصور المرهون يرحمه الله”.
شاهد الفيديو
الجني والحمار
ويتذكر المرهون قصة، وقعت له منذ كان صبياً بالقرب من المسجد. وقال “عندما كنت صغيراً، رافقت والدي في الذهاب إلى عنك، وكنا فوق حمار، في طريق العودة، تأخر الوقت، وانتشر الظلام الدامس وسط النخيل، وكان المسجد يقع في طريق العودة، ومررنا بجانبه، ووجدنا ساقية يمشي الماء فيها، وشعرنا بأن أحداً يرشُنا بالماء، وتوقفنا فجأة بسبب نهيق الحمار، فارتعبت، وترجل والدي عن الحمار، وقال بشجاعة وصول عالٍ متسائلاً: من الجن أو الأنس أنت؟، إن كنت جنياً، فأفسح الطريق، إن كنت من الإنس، فالسلام عليكم، بعدها توقف رش الماء، وتنحى جانب الطريق، ومررت أنا ووالدي والحمار بسلام”.