“منتدى الثلاثاء” يناقش أبعاد الخطاب السياسي الغربي وتأثير العولمة توقيع كتاب "أنت من تكون".. وعرضاً لأعمال التشكيلية سلمى الشيخ
القطيف: شذى المرزوق
استضاف منتدى الثلاثاء في ندوته الخامسة لموسمه الثقافي التاسع عشر، التي عقدها مساء أمس، المشرف على مركز الدراسات الاستراتیجیة بمعھد الأمیر سعود الفیصل للدراسات الدبلوماسیة الدكتور منصور المرزوقي، للحديث حول موضوع “الخطاب السیاسي الغربي: رؤیة وتحلیل”، بحضور لفیف من المھتمین بالموضوع.
وأشار مدیر الندوة عیسى العید، خلال تقديمه لها، إلى أھمیة البحث والنقاش في موضوع الخطاب السیاسي الغربي الذي لم یعط حقه من البحث مع أھمیته البالغة بالنسبة لنا في المنطقة العربیة، مؤكداً على ضرورة النقاش المنفتح والمتواصل تجاه المستجدات في ھذا الموضوع الشائك.
من جهته، نوه الدكتور المرزوقي في بداية حديثه، إلى مستویات الخطاب السیاسي: الداخلي وھو المعني بالنظم والقیم التي تسود في مجتمع ما، وعلاقات السلطة والمجتمع، أما المستوى الخارجي فتتناول بنیة النظام الاقلیمي أمنیاً وعسكریاً والعلاقات الدولیة.
وأشار إلى أبعاد الفلسفة السیاسیة، ووجود قصور عمیق في طرح ھذا البعد في ثقافتنا مما أدى إلى تجریم النظرة الفلسفیة، وعبر عنھا بالمعضلة الحضاریة، مبيناً أن الأطر الثقافیة السائدة تعمل على تكمیم الخیال والإبداع وتقود إلى البرمجة الثقافیة والذھنیة.
وأوضح الدكتور المرزوقي أن مجال العلوم الاجتماعیة لا یزال واسعاً ومتجدداً، ومنها انطلقت القسمة السیاسیة بین الغرب والبقیة، وخاصة تعریف كل طرف، وھل أن ھذه التعریفات مستقرة وثابتة أم لا، وأضاف “الغرب مثلاً یُعرف نفسھ بأنه كتلة تتمتع بتنوع ھائل مع وجود عقد ناظم لھذا التنوع، أما غیره فیطلق علیه البقیة، وعندما نشأت العلوم الاجتماعیة في منتصف القرن التاسع عشر في ظل النظریة اللیبرالیة التي تفصل بین السوق والدولة، فقد ّ قسم العالم بین المركز والأطراف، بحیث ترك للأطراف حقلي الأنثروبولوجیا والاستشراق”.
وذكر أن ھناك أصل فلسفي وتاریخي لتبریر ھذه القسمة، ونشأ بعد ذلك ما عرف “بالمجتمع الدولي” الذي ھو عبارة عن نظام الدول الأوروبیة بعد أن تمت توسعته وأصبح المھیمن علیه الدول الغربیة.
وبیّن الدكتور المرزوق أن ھناك عدة مفاھیم أنتجت سیاقات مختلفة منھا “الوقت”، فتصوره في الأطراف یختلف عنه في المركز، ففي الغرب ھناك استمراریة وتواصل في حركة التاریخ بینما مفھوم الزمن لا یتغیر في دول الأطراف.
وواصل ضیف الندوة حدیثه في توضیح تأثیر العولمة الاقتصادیة التي نشھدھا الآن والتي انعكست آثارھا على الثقافة لغرض أن یكون للعالم نظام قیمي موحد، مبيناً أن بدایة فكرة العالمیة كانت من الفلسفة الاغریقیة كسؤال معرفي، وتطورت حتى عصر ھیمنة الفكر المسیحي في أوروبا، حیث اكتسبت زخماً روحیاً وكان من مبررات الحركة الاستعماریة نقل التقدم والتطور للآخرین، ثم استبدلت لاحقاً في الفترة الرأسمالیة بقضایا ومفاھیم كحقوق الإنسان ونشر الدیمقراطیة لتبریر التوسع الرأسمالي.
وأوضح أن من أمثلة ذلك مفاوضات التجارة الحرة بین الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون للضغط في قضایا حقوق الانسان وإعطاء الشركات الاوروبیة أولویة في بعض القطاعات.
وأبان أن ھناك جدلاً في المؤسسات الغربیة في مرحلة ما بعد الدیمقراطیة یؤكد على ضعف إیمان المجتمعات السیاسیة الغربیة بالمنظومة الدیمقراطیة، مشیراً إلى أن النظام الدولي المؤسس على ھیمنة غربیة ینحو باتجاه حق المجتمع الدولي التدخل لحمایة حقوق الإنسان، وھو ما یتعارض مع مبادئ سیادة الدول.
وأضاف المرزوق أن الخطاب السیاسي ھو جزء من أدوات الصراع القائم على طبقیة فلسفیة وأخلاقیة وقانونیة، كما یطلق علیھ أحیاناً “العالم الحر”، لافتاً إلى أن الدول غیر الغربیة تركز على المبادئ التي تحمیھا من سطوة الدول الغربیة، وتختلف طریقة التعامل مع ھذه الطبقیة من دولة لأخرى.
وحول الموقف السعودي وخلفیاته تجاه الخطاب السیاسي الغربي، أوضح المرزوق أن الرد لم تكتمل كل معالمه بسبب غیاب الجدل الفلسفي المؤسس في النظام التعلیمي والثقافي على الرغم من وجود محاولات للرد على ھذه الطبقیة التي لا بد لھا من انعكاسات، مشیراً إلى أن ھناك مستویان للموقف، الأول مستوى الخطاب الذي بدأ فیه تحولات تنتقل إلى نحو من التراكم، ومن خلال التركیز على كون المملكة مركز الحضارة العربیة والاسلامیة تاریخیاً وكونھا منبت الحضارة الاسلامیة، أما المستوى الثاني فھو الخطاب السیاسي العملي من خلال التأكید على مبادئ النظام الدولي التي تحمي الدول الأقل ثراء وقوة ضد التوسع مقابل استخدام الغرب لوسائل عدیدة للتوسع الرأسمالي.
واختتم المرزوق حديثه بالقول أن ھذه الطبقیة تواجه تحدیات كبرى وتتطلب العمل بكل قوة لدفع التحیز وتأكید دور المجال الفلسفي في إعادة صیاغة الخطاب السیاسي.
مداخلات الحضور
وعلق علي الحرز على حدیث الدكتور المرزوق بأنه ألبس السیاسة ثوب الفلسفة كما فعل علماء الیونان، بینما یعمل السیاسیون بكتاب الأمیر لمیكافیلي.
وتساءل محمد التاروتي حول الاتجاھات اللیبرالیة التي تنادي بحریة السوق باعتبارھا إحدى صور ووسائل الجدل الفلسفي مع الغرب، وعما إذا كان ھناك جدل شبیهاً مع الشرق أیضاً.
وطرح إبراھیم البراھیم تساؤلات عن عدم قدرة العرب على مواكبة التحولات الحضاریة والتقدم العلمي على الرغم من وجود الكفاءات والقدرات والثروات لدیھم.
وأبدى صالح العمیر تحفظاته على طرح المحاضر حول المنظمات الحقوقیة، مشیراً إلى أن قواعد اللعبة السیاسیة واحدة في كل مكان، فالاقتصاد ھو محرك السیاسة والمؤثر فیھا.
وأشار الإعلامي الدكتور أحمد سماحة إلى أن التناقضات القائمة ھي نتیجة لاختلاف الثقافات والتعریفات بین المجتمعات المتعددة، وكون الاقتصاد والبقاء ھما السببان الرئیسان لاستمرار الصراع.
وطرح أحمد الخرمدي تساؤلات حول دور ومسؤولیة الشعب الأمریكي في تصحیح مسار العلاقات الخارجیة مع بقیة الدول.
وأكد الدكتور عبد العزیز المصطفى على مستلزمات نجاعة النظام الدولي المكونة من الأخلاقیة والقوة والسیادة.
أما نجاة بوحلیقة فتساءلت حول سبل مواجھة التخلف في منطقتنا العربیة. وتحدث المشرف العام على المنتدى جعفر الشایب، عن استقرار السیاسات في الدول الغربیة مقابل اضطرابھا في منطقتنا العربیة، وعن موقف الاتحاد الاوروبي في مفاوضات التجارة الحرة مع دول الخلیج الذي یشكل جزءً من منظومة قیمه الثابتة في المجال الحقوقي.
وختم اللقاء بكلمة ضیف الشرف الدكتور عبد العزیز المصطفى الذي أثنى فیھا على مسیرة المنتدى طوال ھذه السنوات، مسترجعاً المراحل الأولى التي شارك فیھا حضوراً وإلقاءً، منوھاً بالجھود الكبیرة التي یبذلھا القائمون على المنتدى.
وتم خلال الندوة عرض فیلم قصیر حول الیوم العالمي للمعلم، وآخر حول التوعیة بمرض سرطان الثدي، وكذلك تكریم الكاتب أمین البراھیم على جھوده البارزة في مجال التدریب وصدور كتابه “أنت من تكون”.
وتحدث البراهيم عن جوانب من مسیرته الحیاتیة وعن مؤلفه الذي وقع علیه في المنتدى، كما تحدثت التشكیلیة سلمى الشیخ عن تجربتھا الفنیة وحول معرضھا الذي اشتمل على بعض أعمالھا التي عرضت بالمنتدى.