كانت مدرسة 8] مجلس آل إبراهيم.. هنا تعرفت بنات صفوى على “المراييل” البيت "العربي" ضمّ طالبات "الابتدائية الأولى" وأسّس طموحات أوائل الطبيبات والمعلمات

صفوى: أمل سعيد

مجلس آل إبراهيم المجلس العائلي الذي يزدحم في أيام المناسبات بأعداد المهنئين والمباركين تارة وبعيون المواسين والمعزين تارة أخرى، لم يكن كما هو اليوم قبل 65 عاماً، فقد كان منزلاً ضخماً لأسرة حسين بن صالح آل إبراهيم، لكنهم ما لبثوا أن تحولوا عنه وانتقلوا إلى منزل آخر، تاركين البيت ليؤدي مهمة عظيمة في ذلك الوقت، وأهَّله لذلك كبر مساحتة وبنائه المميز واحتوائه على غرف كثيرة.

وبعد أن كان منزل أسرة أصبح مقصداً لفتيات البلدة الناشئة، ومزدحماً بالصغيرات اللاتي يركضن فاتحين أيديهن للحياة لينهلوا فيه من بحور العلم والمعرفة، فكان المنزل أول مدرسة تطؤها أقدام الطالبات في صفوى، ومنه تخرجت أولى المعلمات والطبيبات والإداريات.

فاطمة آل عبدالباقي

ولدت فاطمة حسين آل عبدالباقي عام 1377هـ، وفي سنة 1382هـ التحقت بالمدرسة، ولصغر سنها كانت أمها متخوفة من عدم قبولها في المدرسة، لذا كان عليها أن تجتاز شروط القبول الأخرى، حيث كان الشرطان الرئيسان هما أن تذكر الطالبة اسمها رباعياً وأن تطال يدها اليمنى أذنها اليسرى بعد أن تلفها على رأسها من الأعلى.

ولأن آل عبد الباقي وحيدة أمها من البنات بعد 4 ذكور أصرّت الأم على تعليم ابنتها، ولشدة فرحها بها كانت تراها قادرة على الدراسة حتى قبل أن تكمل عامها الخامس، تقول آل عبد الباقي “في الطريق لتسجيلي في المدرسة كانت ابنة عمتي تكرر عليّ اسمي الرباعي وتطلب مني أن أعيده، وبقيت طوال الطريق أردد فاطمة حسين محمد آل عبدالباقي، فاطمة حسين محمد آل عبدالباقي، وصلنا المدرسة ونجحت في ذكر اسمي الرباعي لكن يدي لم تصل بسهولة إلى أذني، سمحت لي مديرة المدرسة أن أعيد المحاولة وبعد محاولات نجحت، وقُبلت “.

البناء العربي

تصف آل عبدالباقي مدرستها الأولى كما حفظتها ذاكرة الصغيرة “كانت المدرسة كبيرة جداً، تتألف من دورين، وأظن أنها من البيوت العربية، وبها غرف كثيرة تحيط بمساحة مفتوحة على السماء، وتغلق أبواب الغرف بأصياخ حديد، بالإضافة إلى وجود (الروازن) في كل غرفة”.

سويتها على روحي

في يوم دراسي طويل احتاجت آل عبدالباقي إلى دورة المياه لكنها كانت تخشى أن تطلب ذلك من معلمتها، إلى أن وصل معها الأمر نهايته تقول “كلما ألحت الرغبة في دخول الحمام زاد خوفي من المعلمة، وربما لصغر سني لم أمتلك الشجاعة كي أطلب منها ذلك، فتحملت وبقيت ساكنة وساكتة، لكن الحاجة كانت أكبر من تجاهلها، ولما أصبحت غير قادرة على التحمل سويتها على روحي”، تضحك بصوت عال وكأنها تشاهد نفسها في الموقف التي ذكرته، وتكمل “بعدها طُردت من المدرسة، ولما أبلغت أمي بما قالوه لي، ذهبت معي فقالت لها مديرة المدرسة، ابنتك ما زالت صغير والأفضل أن تبقى في البيت، لكن أمي ألحت عليها حتى أرجع، وفعلا وافقت المديرة وقبلت كلام أمي رحمها الله ووعودها، وعدت إلى المدرسة”

لم أعرف الفصل

درست آل عبدالباقي سنتين في المدرسة الأولى ثم نقلت الطالبات إلى مدرسة أم كلثوم الإبتدائية، وكانت المدرسة كبيرة جداً، تقول آل عبدالباقي “كنت في الصف الثالث حين نقلنا إلى المدرسة الجديدة، واحتجت ذات يوم للدخول إلى الحمام فاستأذنت من معلمتي وذهبت وبعد أن أنهيت حاجتي حاولت تذكر مكان فصلي ولم أستطع، وبقيت أتسكع بين الفصول إلى أن عثروا عليّ، وقد ظنوا أني فعلت ذلك متعمدة للتملص من الحصص، وعوقبت يومها بشدة، وأخذت نصيباً لم أستحقه من النهر والضرب”.

المتوسطة والثانوية

تخرجت آل عبدالباقي من المدرسة الابتدائية سنة 1387هـ، وأكملت المتوسطة في نفس المدرسة الابتدائية (أم كلثوم)، حيث خصصت بعض الغرف لتكون للمرحلة المتوسطة، وتخرجت منها.

وبعدها كان عليها أن تذهب إلى القطيف للدراسة الثانوية تقول آل عبدالباقي “لم يوافق والدي أن أدرس في القطيف، رغم محاولاتنا لإقناعه، لذا بقيت عاما كاملاً بلا دراسة، وخلال هذا العام تزوجت ولم أكمل بعد 15 سنة، وبعد الزواج ذهبت إلى القطيف للدراسة، ولم يمض إلا قليلا من الوقت حتى شعرت أني مللت من الدراسة وأنه ليس بمقدوري التوفيق بين الدراسة ومسؤولياتي كزوجة فمزقت الكتب وقررت التوقف عن الدراسة”، وتكمل “لم يرق هذا الأمر لزوجي، الذي كان مدرساً، فقال لي لابد أن تكملي دراستك هذا ما اشترطه عليّ والدك قبل الزواج، فعدت بعد تحفيز وإصرار من زوجي على ذلك”.

أكملت آل عبدالباقي المرحلة الثانوية وتخرجت 1972م، وفي ذلك الوقت لم تفتتح كلية  بعد، لذا بقيت سنة أخرى بدون دراسة، وأثناء ذلك عملت إدارية في مدرسة الأوجام، وفي السنة التالية افتتحت كلية الدمام والتحقت بها، تقول آل عبدالباقي “سجلت في كلية الدمام ودرست سنة منتظمة ثم حولت دراستي إلى انتساب، وفي آخر سنة من دراستي في الكلية رزقت بطفلتي الأولى ولشدة تعلقي أجلت دراستي عاماً آخر، وأكملت بعدها سنتي الأخيرة، وتخرجت من قسم اللغة العربية”.

الوظيفة والتقاعد

تقول آل عبدالباقي “نقلت من مدرسة الأوجام إلى المدرسة الابتدائية الثانية وعملت 5 سنوات كإدارية، وبعد تخرجي بفترة جاء خطاب الوظيفة وأنا في المدرسة، وبمجرد أن قرأته وعرفت مكان عملي ذهبت إلى الابتدائية الأولى دون أن أُعلم أحداً في المدرسة بذلك”.

بقيت آل عبدالباقي معلمة للغة العربية لمدة 21 سنة ونصف، ثم تقاعدت مبكراً بسبب ظروف عائلية عام 1427هـ.

نضال الفلسطينية

لم تنس طالبات المدرسة الأولى بصفوى مديرة المدرسة التي كانت أماً لهن رغم أنها لا تكبرهن بكثير، تلك الشابة الفلسطينية، التي قدمت إلى السعودية وهي مازالت عروساً في أيامها الأولى، ومازلن يحتفظن لها بالجميل الكثير، تقول آل عبدالباقي “قبل 10 سنوات دعوناها للقدوم إلى صفوى للإحتفال بتقاعد الصغيرات التي شهدت خطواتهن الأولى في المدرسة، وذلك بعد عقود طويلة من مغادرتها السعودية، وفعلاً لم تخيّب الظن وحضرت واحتفلن بها، وألقيت وقتها أبياتاً شعرية كنت قد كتبتها لأجلها، وكم فرحتْ وفرحنا، كانت سعيدة بمقدار الحب والتقدير من طالباتها حيث ذكرنها بعد كل هذه السنين، وكنا سعيدات جداً بها لأن وجودها أعادنا إلى البدايات، إلى الطفولة، كنا نراها أماً لنا جميعاً”.

الدكتورة رملة آل سيف

درست رملة آل سيف سنتين في المدرسة الابتدائية الأولى، وتتفق مع آل عبدالباقي في بعض التفاصيل وتختلفان في بعضها “كانت المدرسة دورين، والغرف تحيط برواق مفتوح على الدور الثاني في الوسط، ويغلق بسقف الطابق الثاني، وكانت شبابيك الفصول جميعها تطل عليه، وكنا نصطف للطابور الصباحي في هذا الرواق”، وتكمل “كانت كل الفصول متشابهة إلى حد ما، وأتذكر أننا كنا نرى ما يحدث خارج الفصل ونحن جلوس، عبر النوافذ المفتوحة غالباً والتي تكشف الساحة الداخلية للمدرسة”.

انتقلت آل سيف لمدرسة أرامكو (أم كلثوم) في بداية السنة الدراسية الثالثة، وتخرجت منها، ولم تكن في البلدة مدرسة للمرحلة المتوسطة بعد، لذا درست آل سيف المرحلة المتوسطة في القطيف بمدرسة البحر، وتخرجت منها، ثم أكملت دراسة المرحلة الثانوية في القطيف أيضاً في مدرستها الأولى.

وعن الصعوبات التي واجهتهن آنذاك تقول آل سيف “رُغم أننا ننتمي للجيل الأول إلا أننا لم نواجه صعوبات حقيقية، سواء أثناء الدراسة في صفوى، أو حتى في القطيف، باستثناء حاجتنا إلى المواصلات ونحن في الصف الأول المتوسط، وسرعان ما حُلّت هذه المشكلة، حيث أُدخلت خدمة توصيل الطالبات من وإلى المدارس، فكانت الباصات تأتينا بشكل يومي لإيصالنا إلى المدرسة صباحاً، ومن ثم تعيدنا ظهراً، بعد نهاية اليوم الدراسي”.

كلية الطب

بعد أن تخرجت آل سيف من المرحلة الثانوية التحقت بكلية الطب جامعة الملك فيصل للعلوم الطبية بالدمام “أكملت دراستي الجامعية وحصلت على درجة البكالريوس سنة 1983/1984م، وعينت مباشرة بعد تخرجي معيدة في المستشفى التعليمي”،  تكمل آل سيف “لم يرق لي الوضع وانتقلت للعمل في مستشفى الولادة والأطفال بالدمام، ومن هناك ابتعثت للرياض وأخذت دبلوم صحة الأطفال لمدة سنة، ثم عدت لمستشفى الولادة وعملت سنتين، ومرة أخرى ابتعثت للرياض وهذه المرة كانت إلى مستشفى خالد الجامعي، وحصلت على البورد العربي للأطفال”، تضيف “عدت إلى مستشفى الولادة واشتغلت سنتين وبعدها ذهبت في بعثة داخلية أخرى إلى الرياض في مستشفى الملك فيصل التخصصي لدراسة تخصص دقيق وهو أمراض الغدد الصماء والسكري للأطفال، ومن هناك ابتعثت إلى أمريكا للتدريب لمدة 4 شهور، ثم عدت أخيرا إلى مستشفى الولادة والأطفال”.

ما زلت أمارس الطب

قضت آل سيف في وزارة الصحة سنوات طويلة جداً تقارب الـ37 سنة، أغلبها كان في مستشفى الولادة والأطفال، وتقاعدت عام 2021م، تقول “تقاعدت قبل سنتين من وزارة الصحة لكني لم أترك العمل، فما زلت أسكنه ويسكنني، وها أنا اليوم أعمل بدوام جزئي في مستشفى سلمان الحبيب في الخبر، بالإضافة إلى عملي في مجمع الدر الطبي في سيهات”.

نضال عفانة

تتحدث آل سيف عن نضال كما هي في ذاكرتها “لم تكن مديرة بالمدلول الذي يتبادر للذهن حال سماع الكلمة فقد كانت رائعة، كانت أماً ومربية أكثر من كونها مديرة”، وتصف العلاقات التي تربط بين المعلمات والطالبات أو بين المعلمات وإدارة المدرسة وبين الأهالي فتقول “كان الاحترام والتقدير هو السائد، ومقام المعلمة كبير جداً يقارب منزلة الأم، ومهما عملت يظل احترامها واجباً، كما أن المعلمات أيضاً كنّ يعاملن الفتيات بمنتهى الحب، وبكثير من الحزم والصرامة، لأنهن يعتقدنَ أنهن مسؤولات عن تقويم وتربية الطالبات كالأهل تماماً”.

معلماتنا

تتذكر آل عبدالباقي  وآل سيف معلمات الجيل الأول، وبحسب ذاكرتهما فقد كانت منى سلمان آل إبراهيم الصفواني، من العراق وذات أصول سعودية، هي أول مديرة للمدرسة الأولى، ونضال عفانة الفلسطينية التي خلفتها في إدارة المدرسة، إنشراح غنايم فلسطينة الجنسية، فاطمة بالخير فلسطينة أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×