“صالون أدب” في القطيف.. دكتاتورية السفياني “تسقط” أمام نبرة الشعر 16 صوتاً أدبياً للذكر مثل حظّ الأنثى
القطيف: صُبرة
تصوير: حسن الخلف
لم تُجدِ دكتاتورية الدكتور عبدالله السفياني نفعاً، فالأمسية التي كان عليها أن تُقفل مع موعد العشاء، في التاسعة والنصف، تمطّطت إلى قرابة العاشرة، ولولا ضغط رحلات الطيران المجدولة للضيوف؛ وحديث 16 صوتاً، نصفها من الطرف النسائي، لاستمرّ السفياني في تمرير سمّاعة الإلقاء إلى أكثر مما تقرّر، وتحوّل “صالون أدب” إلى “سهرة أدب”.
المكان منزل الإعلامي محمد رضا نصر الله، والزمان مساء البارحة، والحدث تجمّع ثقافي رتّب له “صالون أدب”، والضيوف من أقاليم بعيدة.. من نجد والحجاز والشمال والجنوب والغرب.. وزير الثقافة والإعلام الأسبق الدكتور عبدالعزيز خوجة، والأكاديميتان الدكتورة زكية العتيبي والدكتورة شيمة الشمري، والشعراء محمد أبو شرارة وعيد الحجيلي والدكتور حسن الصميلي.. أخذوا مجالسهم على أرائك بيت نصر الله، وسط حشدٍ حاشد من ذوي الشعر والأدب، دُعوا إلى أمسية “صالون أدب”.
القصة أطول من أمسية البارحة، فقد بدأت التفصيلات في استطلاع لما تبقى من بيوت الأقواس والرواشن والصابات في تاروت، ثم مرّت القصة من دارين، وشاهدت “بُجْرَ حقائبَ” من غناء البحر، ومقتنيات متحف البنعلي. ثم انطفأ النهار في الجولة المفتوحة على الأرض والإنسان، واستمر الهزَج، في دارين، إلى ما بعد العشاء بقليل..!
وبعد كلّ هذا الركض؛ استراح الضيوف قليلاً، في منزل نصر الله، وأكلوا مزيجاً من الشعر والنثر، وخليطاً آخر من الموالح والمكسرات والحلويات والشاي والقهوة، ثم ختموا المساء بقِرىً توزّع على موائد مجلس نصر الله الكثيرة، داخل البيت.. وفي باحته المفتوحة على سماء فيها بعض من برد شباط الناعم..!
لنقل إنها ساعتان؛ كرّر فيها الدكتور السفياني تهديداته للمشاركين.. لكنّه لم يُنفذ تهديداً واحداً.. بدأ في تقديم الأمسية، مرحّباً وشاكراً. وقبل أن يسلّم السماعة لصاحب المجلس ـ نصر الله ـ شدّد على الوقت. والأخير أسهب في الحديث، ووصف الليلة بـ “الاستثنائية”، وكرّم الضيوف بالثناء والترحاب، واستحضر القطيف في موقعها وإنسانها وإبداعها.. وحين انتهى؛ مُنح الدكتور أحمد الشويخات السماعة.. مع تذكير بالوقت..!
الدكتور الشويخات داعب السفياني باحتجاج.. فهو لم يُقاطع صاحب المجلس.. مرّت موجة ضحك خفيفة، قبل أن يسجّل الشويخات التفاتة نابهة إلى مزيج الحضور.. وقال ” أقول القطيف و الأحساء معاً، و لا يمكن إلّا الجمع، و أنا أرى هذه الكوكبة من الشعراء و الأدباء من القطيف و الأحساء معاً يرحبًون بالأديبات و الأدباء من مناطق الوطن الناهض”.
وأضف “من يستطيع أن يضع حاجزاً في الشعر مثلاً بين إبداع ابن المُقَرَّب العيوني وجعفر الخَطِّي؟ لنكن واثقين قليلاً: جعفر الخَطِّي وابن المُقرّب العيوني ومحمد العلي وغازي القصيبي وحسن السبع وشعراء آخرون حاضرون معنا هذا المساء، يستمعون ويتأملون و يدوّنون، ومعهم طَرَفةُ بن العبد عائداً من مكان ما. وللتاريخ الذي لا يَنسى ولا يُنسي، حضر هنا قبل الجميع مُنشدُ ملحمة جلجامش الذي لا يزال يطوف في بلاد دلمون الكبرى بالشوق نفسه واللوعة ذاتها و هو يقارب أسئلة الجمال و المعنى و الحياة و الفناء، هذا المنشد الذي لا يغادر. ذاك بعضُ ما يفعلُه الحُب، بعضُ ما يفعله الفن. لا يمكن أن يكون الأمر سوى على هذا النحو”.
عدنان العوامي
كانت كلمة نصر الله والشويخات ديباجتين حميمتين في الأمسية.. وسرعان ما سلّم السفياني السماعة للشاعر والباحث السيد عدنان العوامي الذي اختار موضوعاً كبيراً للتعريف بالقطيف. اختار العوامي ميناءها التاريخي، في عرض مُسهب، هو خلاصة بحث طويل سبق أن نشره في “صُبرة” في أكثر من 50 حلقة.
وحين انتهى؛ علّق السفياني؛ مشيداً بغزارة البحث الذي يحتاج إلى نقاش في أكثر من أمسية مسامرة. ثم فتح الباب للأدب والشعر؛ وهكذا انسردت الأمسية نصاً على نصّ، ومشاركة على إثر مشاركة، مع مقطوعات غناء معبرة عن القطيف أدّاها الفنان السعودي شكرى عاشور، من كلمات الشاعرين مالك فتيل وعلي رسول الخنيزي، تمازجت مع جوّ أمسية الأدب.
وإليكم ما حدث بأصوات المشاركين مباشرة:
مَقَادِير
محمد الماجد
إلى عبد الله الصيخان
وأحمد الملا…
إلى رفقة الدروب الضيقة..
منذ (قفا نبكِ..)
وحتى (الجميلاتُ هنَّ الجميلات..)
مَن كتبته البناتُ منهم
ومَن غنّا منهم على أبواب تيماء
لهم جميعاً
دون فاصلة، أو علامات تنقيط، أو أيّ إملاءٍ بليدٍ، يمكن أن يبطءَ من وتيرة السّرد
إلى كل أولئك الذين عمَّدتهم المشيئة، وبيدَين مرتعشتَين، في قدورٍ محمولةٍ على أثافٍ من الحبر، أغلظ سواداً من رُكَب سيبويه، لم تمنحهم المشيئةُ مهداً، ولم تعرضهم على قابلة، وما إنْ نفخَت في أوداجهم مطرَ الكتابة، حتى عَصَرَت قمصانهم بعاصفة من المخالب، فتطايروا في سماء القصيدة، ممَّلَحينَ ومبهّرينَ، مثل قَديدٍ من اللحم الطائش!
لله درُ سماءهم
إذ كيف لها
كيف لسجَّادة محبوكة بقرون الأيائل، وحلمات الصبايا، وشهقات الأضرحة، أن تنحلَّ عُقَدُها عن قبيلٍ من الجنِّ، راحوا يفلون ألوانها بأمشاط صدأة من اللّعاب، ويتحسسون جسدها، غيمةً غيمةً، بحثاً عن حانة برق تطفئ أجسادَهم، وعن قصيدةٍ سكرانة، ومبتلَّةٍ، كأجاصةٍ مبتلةٍ، حتى إذا عثروا عليهما، رفعوا أنخاب البرق عالياً، ثم دفعوا القصيدة إلى ردهة الوحش، واقتصّوا منها لفحولتهم!
لله درُّ قصائدهم
إذا كيف لها
كيف لعظام مخروزة في خَيطٍ من الشِّعر المبرود، أن تتوسّل برويٍّ، أو تتمدد مرتاحةً على وزن: ذئبٌ، كان ذلك هو الشاهدَ الأول في مسبحتهم، ذئبٌ آخر، كان ذلك هو الشاهدَ الثاني
ثم ماذا يا سادة؟
فثمّت تسعٌ وتسعون نعجةً قاموا بسلخها، ثم رهنها عندَ دلَّالينَ جشعين، مازالت معلقةً من عُرقوبَيها إلى شاقول أعمى…!
شعراءُ جزّارون
ومصاطبُ تنزف دماً على الدوام
وأكثرُ من ذلك:
مغفرةٌ تُوصِدُ الأبوابَ من وراءهم، وهم يتقلبون فَرِحين في فردوسهم الأحمر… لا خزايا، ولا نادِمين
في صِحّة النعاجِ المشْقولةِ يا سَادة
في صِحّة القصائد المذعورة:
أبرقَ الكأس..
أبرقَ الكأسُ
وغيمٌ في الرؤوسْ
صبَّها كالقارِ
(يا قلبَ العنا)
فال (مقادير)
على شَفْرة موسْ
يتفصّدنَ
من (العُودِ) ضَنا
ويمازحنَ من الليل عَبوسْ:
مَن هنا؟
ياااااااا حظَّ مَن كانوا هنا!
كلَّما
طاشَت من (البحر) (عروسْ)
عصَّبَ (المجرورُ)
رأسَ (الميجنا)
ومَشى
كالنار ما بين مجوسْ
يسألُ الجمرَ:
علينا؟
أ
م
لنا؟
والمزاميرُ
ثعابينٌ تجوسْ
وعزيفُ الجنِّ
نَبْلٌ
وقَنَا
ياااااا لحربي
كم تمنّيتُ بَسُوسْ!
شَجَنٌ
يَقتلُ فيها الشَّجَنا
وأغانينا:
جِمالٌ
وتيوسْ
وعرارٌ … يستبِحنَ المدُنا
قرّبي لي طَي
يا (سجّةْ هَجوسْ)
واعقري النُوقَ
على نَحْر الرَّنا
ثم شدّينا
إلى أضلاع قَوْسْ
نُوسِعُ النَّسْناسَ طَعْناً
علَّنا
إنْ نثرنا الهيلَ
في بَرْدٍ
ينوسْ
عسَّ في نجدٍ
فأورى جمرَنا:
يا (لياليْ نجد)
شرواكِ الشُّموسْ
يلحلو
نِرْجاكْ
دَخْلَكْ..
مِلْ بنا
ما جرى (الرِّمةُ)
إلا لِنَسوسْ
والمهَا
إلا لتأتمَّ بنا
ننسِلُ الرِّيشةَ
من نابٍ ضَروسْ
ونعرّي الوسْمَ
من
حُلوِ
الجَنَى
مطرٌ
في كلِّ ساعٍ بلبوسْ
و
غ
ز
ا
لٌ تعِبتْ
فيه
الكُنى..
كُحْلُه ثَبْتٌ
وحِنّاه
غَ
مُ
و
سْ
قالت الرّيحُ
وثنَّى دَلْوُنا:
ذابَ
شَحمُ البيدِ
(يا مَال) الطعوسْ
فسَقَتنا
من فمِ الوادي غِنا:
(لياليْ نجد
ما مثلك ليالي
غلاك أوّل وزاد الحب غالي
…
حبيبي ولا ذكرتَنه حبيبي
دريت إني حظيظ وزان بالي)
ما لنا يا نجد
دَخْلَكْ..
ما لنا؟
ونسيمٍ
شقَّنا شقَّ الطُروسْ
نشَرَ الطِّينَ
وأجرى دمَنا
وسعى ما بينَ
سَعدَينِ
و
بوسْ
قَيسُه خَيْفٌ
وليلاه مِنى
أخضرٌ
كبّر من مَروى يئوسْ
بجناحِ الماء
فجراً مسَّنا
فازدلَفْنا
والغرانيقُ كؤوسْ:
طِرْ بنا يا ريشُ
وافضح ليلَنا
ونَفَرْنا
والغرانيقُ جلوسْ
ما هوى نجمٌ
وما انشقَّ سَنا
وسُلافُ العشقِ
مازالت
ع
ر
و
سْ
نامَ عُزَّاها
ولم تحضر مَنَا..
فاتّئد يا (سعدُ)
يا عرَّافَ أَوْسْ
قلِّبْ الخزرَجَ
وانطح نجمنا
فإذا أسفَرتَ
عن سنٍّ عبوسْ
(آخرُ الهمِّ..)
وزِدْ
من همِّنا!
ما غَفَتْ يا (سعدُ)
في ليلٍ
نُحوسْ
أو جَرَتْ يا (سعدُ):
صبِّحها بنا
فلدى طَيبةَ
ما يشفي النفوسْ
وعَنَا مكةَ
منّا ما عَنَا
قُل
أزهار بريه
قل للقصيدة في عينيك أن تنتظر،
أن تحرس الليل،
أن تكتم شوقها،
أن تعبرَ من هنا غريبة،
ألّا تمدّ حديثًا عذبًا،
ألّا ترفع شعارات الوجود،
ألّا تفلسفَ غاية المحن،
ألّا تلتّف عن قصدها،
ألّا تبرر الألطاف بعدها..
قل للإنسانية المحدقة بين عينيك
أن الجرحَ نائم، أن العمر ظلٌ خائف،
أن ما تبقيه الحكمة حرقة المتعبين،
فامشِ على أطراف أصابعكَ،
العزاء ألّا تنهمر،
يا سيدي الصمت..،
كم تخترق!
حرفنا المسدل ما بيننا خاطر،
، فالمسافات لاشيء يذكر.
دخانٌ و رماد ..
كم تحترق -أنّي أحبهما [عينيك]-قبل أن تصل،
/
أخبرْ ..
القطيعة أنّي كبرتُ،
أنّي من عثرةِ الدرب قفزت..
أنّ الضحك المخبأ قدر تائه،
أن عينيّ يتيمان، وهذا الجدار يريد أن ينقض
قل لذراعيك ألا تتكثّف حولي،
ألّا تفسد الكحل في عينيّ،
ألا يتفتح فرحك الطفوليّ عن ياقة منسيّة، ألّا تحطّ دهشة العصافير على كتفي، ألّا أعود إليّ مبللة بالدمع أو المطر،
قل للأغنية الهادرة، للأمكنة الصامتة، لأناي خارج لهاث الزمن،
أنّي أُرممُ المعنى، أُمسّدُ اللغة الرقراقة،
لا أكتبُ شيئًا عن الفقد…
[فهذا الحزن ثقيل]
ثلاثية
زكية العتيبي
(١)
سائق الحزن
هل زارك الحزن عند الفقد/ أبكاكَ؟
أم هل تجرّعت مرّ الشوقِ/ أضناكَ؟
ياسائق الحزن أسجح في معاقبتي
واذكر سنينا مضت إذ كنت ليلاكَ
(٢)
أشح بوجهك
أوصد باب ذاكرتك
دعني أعالج وحدي
خيبتي فيكَ
اعتدتُ منكَ الجفاء المرّ أزمنة
“ماضرني السلخ”
في تأبين ماضيكَ
(٣)..
شاعرة
قالوا :تَأنّي
لاتظني
لاتئِني
أنت من تثلج صدره
بين عشق وتمني
شاعرة!
لاتلوميه إذا
ماخان عهدك
فالغواني يقتنصن الأسد قنصًا
سامحيه
واغفري
وافتحي باب الإياب
وأظليه بظلك
سيتوب
شاعرة..
هل توضأ عن غرامك؟
هل تجافى عن مرامك؟
أشعلي في قلبه
من شموع الحب شمعة
أحرقي أسمال قلبه
أثثيه ببقايا الود مرة
ثم سيري
واتركيه
شاعرة أنّي بقلبه
شاعرة أنّي بأمره
استبيح الغيم سُكنى
وأُحيلُ الروض سحرا
وأهيم
شاعرة أنّي وإياهُ نكمل بعضنا
فإلامَ ؟
وعلامَ ؟
يُبنى بيت
من ظنون سافرة؟
ثم منحت جزءاً من وقتها لنوال الجارودي
زكية تبرعت لنوال الجارودي بالوقت
ترحيب
نوال الجارودي
هذي القطيف أتتك اليومَ راقصةً
تمشي حياءً بطعم الحب ممزوجة
مشاعرُ البحرِ والنخلاتِ ممزوجة
هذي القطيفُ التقتْ محبوبَها خوجة
أتى الربيعُ إلينا قبلَ موعدِهِ
وأرضهُ بالشذى والحبِ منسوجه
وأعلنَ الوردُ في الأرجاء موسمَهُ
وحزمةُ الطلعِ للفلاحِ مسروجة
نوارسُ البحرِ غنت وصلكم فرحا
نهّامها ردد الموال أهزوجةْ
حتى العيونَ التي غارت حكايَتَها
فارت منابِعُها للتوُّ مبهوجة
من أنت
شفيق العبادي
من أنت؟
فاغتابَ الصدى من أنتَ
يا أثرَ الفراشةِ حين تُعْوزُنا الدروبُ فلا أثرْ
لن تَقْطفَ الكلماتُ حُلْمكَ بعد هذا النومِ
لن تستأذنَ الأزهارُ حقلكَ
لن يُسامرَها القمرْ
ما أنت أوَّلُ حاطبٍ في الليلِ تُغريه المسافةُ
مُوغِلاً في السُكْر يشربُ نخبَها (يا ليل)
يا حقلَ الأغاني المثمرات بألفِ ليلى
كلَّما رقَّصْتَ أوتارَ الربابةِ ألف قيسٍ راح يحلمُ بالثمرْ
ستكونُ في بَرِّيَّة الكلمات وحدكَ يستعيدُ بك الصدى
بيتاً من الشعرِ القديمِ نَسجْتَه بالحُزنِ
حين نويتَ تَجْسيرَ المسافةِ
من ( وما حبُّ الديارِ) إلى ( قِفا )
ستكون
يا حلُمَ السحابةِ حين يخْذلُها المطرْ
يا ظلنا المنسي فوق رخام هذا الوقت
لا شمس لتوقظه ولا شجر ليغري
ما تساقط من يديك
يا أيها المنحوت من ظل السحابة
كم نقشت حروفه مطرا لكي يملي
إذا امتثلت قوافلهم خطاه
وأسرجت نايا قوافيهم فتائل ضفتيك
وسألتَ
قالو من هنا عبروا
إلى أي الجهات ؟
لحيث يروي البرق سيرتهم
وغايتهم ؟
إليك
يا صوتنا المبحوح فوق زحاف هذا العمر
يا معنى يراوغنا كذئب كلما أسنت تضاريس القصيدة
راح يعزف غربتيك
من نورس الكلمات صدنا لحنه الشرقي
حتى أورقت رقصاتنا عتبا عليك
لا بأس
لن تدلي بموجك بعد هذا البحر
لن تتلعثم الشطآن خائفة لديك
لم ينتظرك الدرب حين شرعت إسراج المسافة للرحيل
لم تبتكر شوطا لخيلك كي يعيد لها الصهيل
لم تقترف موتا خرافيا
تفيض به الحياة متى عبرت المستحيل
لم تنتبه للوحي في ماء المرايا
وهو يرسم ظلك الطافي
ليرشدنا لمفترق السبيل
لم تعطهم ظهر القصيدة حينما طعنوا مجازك
دون أن تدري
فما هذي الحروف وسيلة الغرقى
ولكن ألف شمس في سمائك يستضيء بها الدليل
لا نار فيها اليوم غير دخان أسئلة
لكي ما نستعيد بها رماد الأمس
يا أيقونة الزمن الجميل
الصميلي
في الانتظار
في حَضْرةِ المتَنبِّي
محمد أبو شرارة
عنـدَ طـورِ المجــازِ آنســــتُ نـارا
قالَ : ألـقِ العصــا تعُـــــدْ مِزمَـارا
مفــرداً أقطـعُ المجـازاتِ وحــدي
ليسَ عندي سِوَى الحروفِ مِهَـارا
مفــرداً للريـاحِ وجهـي .. وقَـلبِي
للأَغَاريـــــد والكؤوسِ السـكـارى
أتـوكَّـا على عَصَــــا مـعــجِــزَاتي
أَفـلـقُ البحـــرَ دهشــــةً وانبِهَــارا
فاتـنــاتُ المجــازِ يرسُمـنَ حولِي
صــــوراً للأَنَا اسـتحـــالَـت إِطَـارا
لستُ من تُبصِرونَ ضِقتُ بوجهي
ولبســـتُ المـجـــازَ وجـهـاً مُعـارا
المـجـازاتُ صــورةُ النفــسِ فيها
نصــفُ وهمٍ نَلـوذُ فيه اضطِــرَارا
سـاهــراً أجـمــعُ البـــروقَ وأَبـنِـي
مـن شـظَـــايَـايَ كـوكــبـاً سـيَّــارا
سـاهـراً أكـسِـر الزُّجـاجَ السَّمَاويَّ
وفي اللَّامـكـــــان أبـنـي مَــــدَارا
طـافَ حَـولِيْ ملائـــكٌ وأَبَاليـسُ
ولاحــت لي الشُّكــــــوكُ مَـنَــــارا
كـأسُ سقــراطَ كانَ كـأسَ حيـاةٍ
وخلـــــودٍ وإنْ رأَوهُ احتِـضَـــــارا
فاسقـنـي السّــمَّ عبقـرياً ودَعني
أَنفـض الجهـلَ عن فمي والغـبـارا
جمرةُ الشّكِّ لم تزل تُلهبُ الشِّعـرَ
وتـُعـطـي مِـن وهْـجِـــهـا أَفكـــارا
خاضَ بي الشِّعر لجَّةَ الوهْمِ والشّـ
ـكِّ فـلا شاطـــئاً أرى .. لا فَنَـــارا
إن أرادَ الهــــــوى يميــنـاً يميـــناً
أو أرادَ اليســـــارَ مِلْـــنَـا يـسَـــارا
لا دليـلٌ مصــدقٌ غيــــر حَدسِـي
ودروبــي أَشُـقّـــــهـنَّ اخـتِـيَــــارا
و اجتراحُ الجديــدِ أهوَنُ عـنـدي
من قديــمٍ أدورُ من حيــــثُ دارا
إنَّ وهـمَ الجديــدِ أشـرفُ من أَنْ
تُزعــجَ السَّمــعَ بالكـــلامِ اجْتِـرارا
أيُّ فَـضــلٍ لـسَـابِــقٍ لَـم يَـفُـتـنِـي
أَنْ أنــالَ الــذي يَنـــال ابـتِــــكارا
لي سـمــاءٌ موسُومَـــــةٌ بِسِمَـاتي
وفَضَـــــاءٌ دوّرتُــه فاستَــــــــدَارا
الـكـنـايـــاتُ فـاتـنـــــاتٌ يـراوِدنَ
خـيـــالـي خـلـقـتُـهُــنَّ عَــــــذَارى
عـنــــدَنَـا ألــفُ شـاعـــرٍ ولديـهـم
ألــفُ نــصٍّ تـنـاسَـلُـــــوا تِـكــرارا
كـلّـمَـا راوَدُوا الـكِــــنَـايَـاتِ تَلـقَى
ظـــلَّ درويـــشَ أو تشـــــم نـزارا
صــــورٌ فـي قــوالـــبٍ صَــدِئــاتٍ
كـلُّ مـن حــازَهَــا أقــامَ مــــــزَارا
الـعـذَارَى من الـمَـعَـاني بَعِيـــداتُ
مـنــالٍ فـخُــضْ لـــهُـنَّ بِـــحَــــارا
شَـهـــرَزادُ المـجَــــازِ تُغـرِي ولكِـن
لَستُ في حضرَةِ الهَوَى شَـهـرَيَـارا
أيُّــهـا الـشـعـــــرُ مــن رآكَ فـإنِّـي
كـلَّـمَــا شِـمْـــتُ بـارقــاً تَـتَـــوارى
أيُّها الشِّعـرُ هل ترى كنــتَ روحـاً
قُدُســيّ الحضـــورِ أم كنـــتَ زَارَا
أيُّـهـا الـشِّـعــرُ هل أُسمّيكَ سعـداً
أَمْ أسـمّـيـــك خيبَــــةً و انتِحَــارا
كُـنْ بلا اســمٍ لكـنْ أرحني قليــلاً
إنَّ بــدرَ التَّمــامِ يذوي انحِسَـــارا
هل ترى في الخَرِيفِ يُزهِر غُصنٌ
في جــــذورٍ تـقـصَّـفـــت أَعـمـارا
أيُّـهـا الشِّعــرُ أنـتَ ربُّ الأَغــــانِي
حيـــنَ تُـمـلـي جَوَابَـــها و القَـرَارا
أيُّـهـا الشِّعـــرُ مـلـهِـمَـاتُـــك شـتَّـى
فاقسِـمِ البحــرَ بين سلمى و يَـارا
أنتَ روحٌ تَـدُبُّ في أَبجــدِ اللَّفـظِ
فتُـجـري من فـيـضِــــها أنـهَــــارا
أنـتَ للأغـنـيـــــاتِ روحٌ تَـجـــلَّى
ثـقَّـــبَ الـنَّـــــايَ دوزنَ الأَوتَــــارا
إنَّـمـا الـشـعـــرُ نـفـخــــةٌ مـن إِلــهٍ
وأَرَى الشــاعــرَ الأبَ الـمـسـتَـعَارا
نُـوتَــةٌ أَمْ قصــائدٌ سَجعــةُ الطَّيـرِ
فـمَـن عـلَّـمَ اللـحــــــونَ الـهَـــزَارا
قـل لـنَـا يـاقـصـيــــدُ في أيِّ نَــوْءٍ
كـوكـبُ الـسّـعــدِ ينفَـحُ الأَشـعَـارا
قِـيـلَ تَـأتِـي قـصـائِـــدٌ فـاتِـنَــــاتٌ
حـيـــنَ آذارُ يُـشـعِــــــلُ الـنُّــــوَّارا
بـيَــــــدِ اللهِ قـــالَ آذارُ شِــعـــــراً
للسُّـفـــوحِ التي امـتَــلـتْ أزهَــارا
بـيَــدِ اللهِ شَـقَّ في غُصُــنِ اللّــوزِ
زهُــــورَا وبَرعَــــــمَ الـجُــلَّـنَـــــارا
لـثـغَــةُ الزَّهــرِ وانْسِـكابُ الأَغَـانِي
واليَعَاسِيــــبُ تَجعــــلُ الأَريَ دَارا
ورُعُـودٌ تـهـزُّ صــــدرَ السَّــمَـاواتِ
فَـيَـنـصـــــــبُّ مـاؤُهَـــا مِـــــدرَارا
صـورٌ من قَصـائِـدِ اللهِ في الكَونِ
أفَـاضَــــتْ على الـوَرَى أَســـــرَارا
كـلُّ تَـهـويْـمَـــــــةٍ بقَلــبِ مُحِـــبٍّ
مسَّــهَا الشِّعـــــرُ أَصبَحتْ قيثــارا
وإِذا لمْ يكُـــنْ مــنَ الشِّعــــــرِ بُــدٌّ
فامــلأ الأَرضَ بَهجَـــةً واخْضِـرَارا
(كـلَّـمَـا أَنْبَتَ الـزَّمــــــانُ قَـنَـــاةً )
صـيّــرَتــهَـا أَنَـامِلـي مِـزمَـــــــــارا
على بابها الثاني:
بأبواب المدينة كلّها
علي سباع
ليلى
ليَ اللهُ
وكلّ الـ (كانَ) أتركه ُ لـ (كان ْ)
ما خرّ صوتيَ عن حصانِ البوح ِ, ما انقطع العنانْ
ما ظلّ يركض للسماء ِ يظلّ يركضُ وحدهُ
ما انشَدّ من ثوبِ الرحيل ِ يلمّ ما استبْقت ْ له ُ الدنيا و إن فات الأوان ْ
كصدىً يقول أنا انتظرتكَ ثمَ أحضر غائباً و يعودُ أدراج اللسان ْ
ما قلتِ لي .. صوتيْ تجاوزني و حقّكَ لو رأيتَ ذيولهُ اغرسْ صرخةً وأعدْ شفاهيَ للصلاة ْ
ما قلتِ للوادي :
إذا سقط السحابُ مضرّجاً بدم النهايةِ, إن تعانقتِ المسافة والمسافةُ فانتشى منفىً وأنجبَ موطنا ً للوردِ ثانْ
ورقُ المخامل يستلذُّ عناق أنثى الخيزران ْ
ليلى ليَ الإيمان ُ ..
اللهم ّ قلبي َ فتنتي , و الريح ُ دلتني عليك ْ
الكفّ نفس الكفّ
لكنّي رفعتهما إليك ْ
**
ليلى, مساؤك غربتانْ
وحقّك غربتانْ
ما استرجعَ الوادي وما وقف الحصانْ
منْ زُرقةٍ تغتالُ أجنحة َ الخيالِ تفضّ أوكار المحاجرِ عن مسافة دمعتينْ
أرى احتماليَ زهرة, و أرى احتمالكِ شوكتين ْ
مهما رفضتكِ كنت عيناً أو حبستكِ دمعتين ْ
لن تذكري فيها القصيدةَ أو أزقّتها, لن تطلي من نوافذها ولن تلقي التحيّة َبعدَ عَينْ
سقطَتْ ذراعي بعدما سقطَتْ ذراعي مرّة ً أخرى
وقيلَ بأنّها احترقتْ وظلّ وشاح ُ موعدنا يهشّ الموتَ كي ينجو ولكن, صدّقي :
صلّت قصائدهم عليهم في ثوان ْ
و يقالُ لم يجدوا الوشاح ولا الدخان ْ
و يقال ُ حتماً حرّرتها الجنّ من ورقِ المخاملِ
لم تعد جسدا ً لأنثى !!
لم تزل بالشكّ مفرطةً
أعادت شَعرَها و السحرَ للأبوابِ
أغلقتِ المسافة َ ثمّ ضاجعت المواسم كلّها الهزلَ منها و السمانْ
**
لا شأن لي أبداً ..
تأمّلت الطريقَ, عرفتُ أنّك كنتِ ماءً
فاختصرتكِ
أو عرفتُ الماءَ منكِ
كلاكما يختارني صدِأً, لقيطاً,صاحبته الشمسُ , موطنهُ الأخفُّ بداية ُ ” التمّوز “
منفاهُ النهايةُ
صارتِ الجدرانُ تحمله و يحملها كيان ْ
سككاً مغلّفة ً بأنوار الشوارع ِ لا تضيء كباقةٍ لكنّها تُهدى إذا اقترف الخطيئة عاشقان ْ
الماء و المحرابُ والزمنُ الذي خيّرتهِ بين الإقامةَ في عيونيَ و الأذان ْ
لا شأن لي ..
سيجيء عام ُ الفضّ ِ
عام ُ الرقص ِ
عام ُ المسرح ِ الفضيّ و النرد ِ المثلّث و السجائر ِ
عام ُ أهلِ الشرقِ يا بئرا ً معطّلة ًويا قصرا مشيدا ً
يا ملائكة الرياح إلى الرياح ْ
لا شأنَ لي ..
الله ُ أطلقني ربيعيّاً, جناحيْ صبوة ٍو فماً مباح ْ
أنْ أرقصَ الآن احتراما ً للعمى
أن أغمرَ الميناءَ بالأسماء ِ
أن أنسى المناديلَ التي مسحَتْ رسائلنا
و أرضى بالدمى ..!!
أن أربط الأفكار َ بالوقت المسجّل ِ في السماء و ينتهي زمن السكون هنا ..
هناك بصيصُ نافذةٍ يضيءُ
هناكَ أمتحنُ اشتياقيَ, لا أسيرُ بغير أقدام ٍ و لا أقوى على الطيران ْ
لو كنت أمسك حبليَ السريّ ما انقطَعَتْ أغاني النبض
ما انتظرَ المؤثّث رقدتي لشراءِ تذكرةٍ ليلبسني رياشَ الحلم ِ وهو يرى اتساع الامتحان ْ
أو يعفني من ظلمةٍ أشقى وقد آمنت بالوادي وقد سافرتُ دون جوازيَ الشرقيّ تسعاً لم تستّرني الحقيقة أو يعيبَ ولادة الأشعارِ ما عرّى البيان ْ
أنسانيَ الشيطان موضعَ إصبعي ويدايَ والجسدَ المكوّرَ واحتيال الموتِ والضحك اللطيف لنكتة الأنثى على رجل مُهان ْ
أنساني الشيطان ذاكرتي, وفاصلة الوجودِ تسوؤني
لا زلت معتاداً على المأوى على النبضاتِ ..
” اللهم قلبي .. بالمصابيح ِ المعلّق نورها بالعرش ِ
بالأسماء فاتحها و مغلقها ..
بأبواب المدينةِ كلّها
يا ربّ
ما كان َ كان ْ”
لوحة
د. شيمة الشمري
أنا أمامَه خَجْلى ..
فقط أريدُه أن يُسدل فستاني إلى ساقي على الأقل ..
هو لا يبالي، ويستمرُّ بتحريكِ فرشاته الباردةِ على جسدي ..
أنا متعبة.. متخشبة منذ أيام، ولا أستطيعُ الصراخ …
كم أتمنى أنْ أخبره أنَّ رائحته مقززة ..وأني أكرهه كثيراً ..
كل هذا لن يحدث، فهو لم يرسم لي شفتين بعد!!
شامة
وجدتني شامةٌ في منتصفِ خده كما تمنيت…
سعادتي كانتْ لحظات؛ لأنه بدا مستاءً ويُطيلُ النظر في المرآة..
ويبحثُ عن حلٍّ لهذه الشامة الطارئة!
في اليوم التالي كنتُ أحترقُ على يد طبيبته..
شطرتني إلى نصفين ليسْهُل انتزاعي …
بادرتُه بابتسامةٍ وضمَّادة .. ورمتني في السلة!
أنا الآن لستُ شامته.. ولستُ أنا ..
مصلوبة ومشطورة ومحترقة !!!
Compass
رباب إسماعيل
“والبلادُ التي في حافَّاتِ البَحرِ الروميِّ وفي عدوتهِ مكتوبةٌ كُلّها في صحيفةٍ على شكلِ ما هي عليهِ في الوجودِ، وفي وضعِها في سواحلِ البحرِ على ترتيبِها؛ ومهابُّ الرياحِ وممرَّاتُها على اختلافِها مرسومٌ معَهَا في تلكَ الصحيفةِ ويُسمونَهَا الكَنْباصَ، وعليها يعتمدونَ في أسفارِهم”
*مقدمةُ ابن خلدونَ
وإنني أُحبُّ الكنباصَ
وكلَّ وسومِ الجغرافيا
فِطرَةَ الترابِ
وهمَ الأقاليمِ
وأحلامَ المداراتِ
النهارَ الذي يتناوبُهُ “الجديُّ”
لي منهُ وفيهِ
لي اندلاعُ الماءُ في الصَّدعِ العظيمِ
كلُّ ذاكَ الأخضرِ
بعدَ البحرِ
أولَ اليباسِ
كُحلُ المحيطاتُ
الموسيقى ال ترصِفُ حزنَ الشعوبِ
كلُّ ذاكَ يسيرُ على “كُنباصِ” الأرضِ/ خرائطِها
تقولُ لي وتضحكُ:
تسكُنينَ في بضعةِ أمتارٍ منَ الأرضِ
مُزيَّنةً بثلاثِ كراتٍ أرضيَّةٍ.
أقولُ لكَ تلكَ الرَّحابةُ
أن تضيقَ بقدميكَ الأرضُ، وَيتّ…
عروج
عيد الحجيلي
أسري إلى المعنى
إذا ما ضاقَ عن ظلّي مدايْ
وإذا تَمَغْربَ مَشْرِقٌ
وأضعْتُ بينهما صُوايْ
أسري على ظهر المجازِ
أشِفُّ
يغشاني سَنايْ
أطوي سُمِيَّ الآفلينَ
وأجتلي ثَمِلاً أنايْ
أسري إليه …
أجُرُّ تَضْلالي
أفتِّشُ عن هُدايْ
وأُفردِسُ الأوهامَ
والحُلُمَ المُوارَبَ في مُنايْ
حُلُمي بديئةُ غُصّتي
صمتُ المآربِ في عَصايْ
عيني التي طُمستْ
بوادٍ غيرِ ذي ضوءٍ وغايْ
لكَأَنَّهُ حُلُمٌ بلا وطنٍ …
فعنواني خُطايْ
* * *
يا أيها الحُلُمُ / الضنى
خوفي ترعرعَ في رجايْ
فأنا ببابكَ راجفٌ
ويُطِلُّ من حلقي حشايْ
بيني وبينكَ مَهْمَهٌ
أُهْويَّهٌ تحسو نِدايْ
إني أسيرُ …
ولا أسيرُ
ينوبُ عن وجهي قَفايْ
أمضي إليكَ القهقرى
لَكَأنّ قربي منتآيْ
* * *
أسري إلى المعنى
وحاشيتي بنفسجةٌ ونايْ
وألوذُ بي …
أُصغي إلى الولَدِ المصفَّدِ في صِبايْ
وأعودُ مُخْتَشِعاً
كأنّي عدتُ من أحدٍ عدايْ
سبحان مَنْ أسرى …
ومَنْ نثّ التَّجِلَّةَ في سُرايْ
* * *
شدوي فُوارةُ لوعتي
مِقداحُ قافيتي أسايْ
إني أوسوسُ للحروفِ
بما تنرْجَسَ مِن بَهايْ
وأُقَوْزِحُ الصمتَ ..
الشّجى
بدمي وما ملَكَتْ رؤايْ
سأظلُّ ما بقيَ الهسيسُ ..
ورفَّ طيفٌ في سَمايْ
أهفو إلى ما لا يجيءُ …
وليس يدركهُ سِوايْ
إنّ الحروفَ معارجي
والشِّعرُ سِكْرَةُ مُنتهايْ
تلاواتٌ من وحيِ الأرض ..
د. حسن عبده صميلي
للماثلين بهذي الأَرْضِ
تحرسُهُمْ خُطًى
وتحرسُهُمْ في الرَّمْلِ ذاكرةُ
للممسكين ظِلَالَ الأَرْضِ
في يَدِهِمْ
حتى كَأَنَّ ظِلالَ الأَرْضِ هاربةُ
لـمُتْعَبٍ كلما نادتْهُ طينتُهُ
لم يرتبكْ ..
فشقوقُ الطين آمِنَةُ
لموطنٍ ظلَّ يغفو في ملامحنا
وَلْتَسْألِ الروحَ
إنَّ الروحَ شاهدةُ
يا أوَّلي
حين لا بدءٌ يلوح هنا
وآخِري حين ضلَّت فيَّ آخرةُ
أتيتُ يتبعني حدسي
وتتبعني نارٌ
ولكنها – يا حدسُ – باردةُ
ورحتُ في شفتي
ماءانِ من وطنٍ
الموطنُ الماءُ لم تعرفْهُ يابسةُ
يا أنتَ..
لم يهجرِ الإنسانُ خَيْمَتَهُ
ففي الخيام يدٌ للضيفِ عامرةُ
يا أنتَ
ظَلْتَ رداءَ العابرين على كلِّ الجهاتِ ،
جهاتي فيكَ عابرةُ
ويا أنا
حكمةُ الأجدادِ تحملني إليه
حيث نقوشُ الأمسِ فاتنةُ
وحيث وجهُ بلادي
ممسكٌ بيدي
خُطايَ بعدك – يا معنايَ – ضائعةُ
من موعدٍ يتلظَّى في ارتجافتنا
أتى بخفَّةِ من تتلوه “فاتحةُ”
وراح يصعدُ فينا
كلما نظرتْ عيناه شاهقةً
ترتاحُ شاهقةُ
وكلما نضج الديجورُ
وابتهلت خيوطُهُ
نضجت في الأفق بارقةُ
يا موطنَ السحنات البيض
مُذْ سكنت إليكَ خارطةٌ
لم تشكُ خارطةُ
يا موطنَ الحالمين السُّمْر
ماثلةٌ دروبهم
ودروبُ الطهر ماثلةُ
مذ كان
يقترح الإنسانُ فلسفةً
كي لا يشيخ
وقد شاخ الفلاسفةُ
أتيتَ كالأبدِ المنذورِ
تمنحنا خلودنا
وخطى الآبادِ ثابتةُ
*
تضيئنا
حكمةٌ لم تنطفئْ أبدًا
تضيئنا
لغةٌ كالضوءِ فارهةُ
وشاعرٌ
كلما الشيطانُ مَرَّ به
تُعيذُهُ في السَّمَاوَاتِ الملائكةُ
وشهقةٌ
كانت الآباد تنفثها
الشهقةُ البِكْرُ يا آبادُ باذخةُ
فمنذ أَوَّلَتِ الصحراءُ رقصتَها
بالبدو
نامتْ بهذا الدرب باديةُ
ومنذُ كان بعيدٌ
يصطفي يده بين التخوم
تماهت فيه عاشقةُ
ومنذ نامتْ ظِلالُ السَّفْحِ
ثَمَّ قُرًى تقولُ:
كلُّ ظِلالِ السَّفْحِ والهةُ
إنَّ الدروبَ
التي آوت أوائلنا
تذوب خاشعة والذاتُ خاشعةُ
لعل في نبأ الأمواتِ
خاتمةً تضجُّ ضوءًا
فلا تُفْزِعْكَ خاتمةُ
سؤال الحياة!
رجاء بو علي
على سبيلِ الانتماءِ
جئتُ أجتثُ اليباسَ من الغابةِ الضخمة
أحتطبُ الجمودَ من قاعِ الأرضِ الرتيبة
وأذيعُ سرًا في وجهِ الشمس:
لقد اندلعتُ، وصار قانون الطبيعة؛
أن أمشي وحيدةً.
فهل من الشِعرِ أن أمشي وحيدة؟
في الطريقِ المنحدرِ بالضجيج؛
يُعتمُ التحديقُ ويرمي فألَه المُرَ،
تخرجُ الأضواءُ عن حدِ النطاقِ
فتطيشُ بواباتُ المُنى ويرتطمُ العابرون بسدودِ الفراغِ
تذهبُ الأحلامُ سدى؛
تمتطي الفوضى وتجري
في طريقِ الانتحار
فهل من عدالةِ الشمسِ أن (تعدو) بنا الريحُ ولا تُهدينا القلائد؟
هرِم الحُلمُ على كتفي، واستطاب البوحُ على طولِ شِعري،
واستباحَ قلقي كل تضاريس أناي
وتلاشت ” أناي ” في المسارب؛
صار حُلمي:
أن أهزَّ النهرَ في المتاهةِ
دون فوزٍ في ختامِ المرحلة
*
ليس في الشوكِ مسارًا واضحًا
غيرَ أختامٍ نُلقيها على سبيلِ التهجئةِ
أو التنشئةِ الخضراء
أو تجميعِ شتاتِ الرحلةِ الطويلة؛
كثُرَ القولُ على مدِ الجُزر
قال عرّاب القطيع: كلنا صوتٌ واحدٌ والله سميع.
قال رُبان المجرة: كم من العمرِ للكون، قبل هول الانفجار؟
أن تقيسَ الزمنَ بين مجراتِ الحقيقةِ والعدم، فهي الغاية.
قال سيد الفوضى: العدمُ، العدمُ منه أتينا ولا شيء يريد.
قال حارس الجنة: يحكمُ الربُ بالعدلِ والعدالةِ في هذا.. وذلك..
وهذا.. ليس من العدل بشيء،
قلت: كفوا عن جنونِ العظمة،
رمشي الأصغرُ تعرفه السماءُ جيدًا
ولساني دافقٌ بالحبِ في فضاءِ المستحيل
وكذا زلاتُ حبري، فهي أمواجُ المتاهة
لستُ عرّافة ولا أحملُ مفاتيحَ الدروب
لست بنتَ العرشِ ولا بنتَ نبي
لا العذراء أمي، ولم يُصلب أبي
ليس لي مقعدًا بين الغيوم؛ أكتبُ منه صكوكَ العفو وأصيحُ بالعقاب
أو أنظرُ في شؤونِ المعنى
أو أفلسفُ قصةَ الإنسان
ولا أعطي جوابًا
لست إلا وجه إنسان، تؤنثه العروبة،
جسدٌ رمزيٌ للمعنى المُغيب
غير أن المفقودَ من قِدَمِ الأزلِ ظل شريدًا،
وهو طيُ الأسئلة.