العجيان يُسائل اللبنانية منى الصايغ: هل معلمو الثانوية أقلّ قلقاً من طلاب الحوزة..؟! فرويد أخفى جانبه الديني.. والقصيمي انتقل إلى النقيض.. والمتعلّمون أميَل إلى الوسواس القهري

سيهات: شذى المرزوق

على الرغم من قلة الحضور كمياً؛ كان نوعياً.. بوجود اختصاصيين ومهتمين ومثقفين. الموضوع شائك، والاختصاصي النفسي فيصل العجيان؛ هو الضيف، وملتقى الفنار هو المُضيف، والزمن مساء البارحة في مدينة سيهات.

الأمسية فتحت جانباً مهماً من جوانب علاقة علم النفس والدين، لبيان الرابط بين مستوى الالتزام الديني والتأثيرات النفسية؛ وفيها قدم العجيان قراءة نقدية لبحث أعدته اللبنانية منى الصايغ كرسالة دكتوراه لها في كتاب أسمته “الالتزام الديني وعلاقته بتخفيض القلق العصابي”، وتناول العجيان أزمة الهوية وما يترتب عليها. وفي الأمسية حضر كايد ليفكل وفرويد وعبدالله القصيمي.

أمسية نفسية

أدار الأمسية حسين الجنبي، الذي لفت إلى أن الكثير من الأمسيات الثقافية التي تقدم هي بعيدة عن حقل علم النفس والعلوم الاجتماعية؛ فيما يود أن يلقى هذا العلم مكانه في الطرح، وتعطى مثل هذه الأمسيات حقها ضمن الندوات والأنشطة الثقافية المتنوعة.

وقرأ الجنبي، بعض الآراء في الحقل النفسي حول الدين وماهيته ودوره وتطوره، مبيناً أن الكثير مما يصب في هذا الإطار آراء لا تقف عند رأي محدد، بل تختلف من رأي لآخر ومن شخصية لأخرى، ومن ذلك “ما ذكرته كايد ليفكل وهي سيكولوجية متخصصة في السلوك الديني، في كتابها “نفس الدين” بأن هنالك علاقة بين علم النفس والدين بسبب النظرة الحصرية في كل مجال، فإن كنت عالم نفس فلا يمكن أن تأخذ الدين بجدية، وإن كنت متديناً فلن تأخذ علم النفس على محمل الجد، لذلك نُظر إلى علم النفس من قبل المؤمنين نظرة توجس ورهبة، لأنهم يرون أن علم النفس الديني يهدف إلى تقويض وإضعاف وتفكيك المشاعر الدينية”.

وتابع الجنبي مشيراً إلى فرويد في كتابه “مستقبل وهم”.. إذ يقرر فرويد أن “الأديان ظهرت نتيجة رغبات وأمنيات قوية أرادها البشر منذ القدم، وأن عجز الإنسان في مسيرته الحضارية الطويلة وصراعه مع الطبيعة ثم مواجهة الموت، كل ذلك يحتم عليه حاجته إلى الله كحاجة الطفل إلى أبيه”.

واستطرد “أما يونغ تلميذ فرويد ومعارضه لاحقاً في كتابه “الدين وعلم النفس” يعد الدين إيجابياً ونحى في تفسير الدين منحىً فلسفياً اتخذ فيه أيضاً بعداً شاعرياً وصوفياً عبر سبر أغوار النفس الإنسانية، لينتهي بأن الدين حاجة إنسانية من ناحية التوازن النفسي للإنسان”.

مقاييس بحثية

وحي جاء دور العجيان في الحديث تبنى فكرة تأثير الدين في الجانب النفسي الإنساني، وقدَّم كتاب الصايغ نموذجاً يحاكي فيه هذا التأثير، وبدأه بالتعريف بالكتاب بأنه بحث أكاديمي يضم 350 صفحة، وهو ما يراه خارجاً عن العادة لمثل هذا النوع من البحوث التي لا تتجاوز 100 صفحة، مشيراً إلى أنها اعتمدت جزءاً كبيراً من بحثها في الإطار النظري، وهو عبارة عن مقياسين للالتزام الديني ومقياس القلق لعالم النفس تايلور الذي أعده مقياساً شائعاً سهل التطبيق.

لغة غير أكاديمية

وبقراءة نقدية لمحتوى الكتاب، أوضح أن اللغة التي استخدمتها الكاتبة لغة غير أكاديمية كونها راهنت على أن ترجح كفة تأثير الدين في النفس البشرية إيجاباً، وذلك في الكلمة التي تضمنها الغلاف الخلفي للكتاب، حيث لفتت إلى أن لغة الأرقام هي الحكم، في رهان منها على أن صراع الأنا بين التأثير الديني النفسي إيجاباً وسلباً، وما يسببه من قلق عصابي نفسي لدى الجانب الآخر سيفضي إلى النتيجة الإيجابية التي وضعتها في قلب الكتاب بعد عدة بحوث واستبانات أجرتها في نطاق جغرافي محدد وهو النبطية، لافتاً إلى أن هذه البلدة تضم 95% من أبناء الطائفة الشيعية، فيما تصل نسبة المسيحين فيها إلى 4%، فضلاً عن استخدامها لعينيتين في البحث بين مدرسين للمرحلة الثانوية، و طلاب حوزات دينية، وهو ما حصر البحث في فئة محددة ومكان واحد لا يشمل التعددية والتنوع.

المتدينون أكثر قلقاً

ولفت “من المفارقات اللافتة أن نتيجة البحث انتهت إلى أن 4 من أصل 158 شخصاً تم إجراء البحث عليهم مصابون بالقلق الحاد، ولكنهم جميعاً من طلاب الحوزة العلمية الدينية، فيما كانت النتيجة الأعلى بلا قلق إلى 120 من تصنيف العينة من معلمي ثانوية وطلاب دين بحسب مقياس تايلر الذي اعتمدته في التصنيف، ولكنه عاد واستدرك من إيجابيات البحث أمانة النقل للنتائج، وذكرها للمعوقات التي واجهتها، وهو ما يتيح المجال لإمكانية الخطأ بحسب الظروف التي واجهتها الكاتبة، وأثرت على النتيجة بشكل ما، وفي هذا جانب من نزاهة الطرح.”

من معه الحق

وقال “من المفترض أن لا يكون هذا البحث حول من معه الحق، فهناك من يرى أن الدين مسبب للمشكلات النفسية، وآخر من يراه علاجاً، عليه كان على الكاتبة للبحث أن تكون أكثر هدوءاً وعرضاً بموضوعية لهذا الجانب”.

ونوَّه العجيان “مثل هذا الأسلوب الكتابي لبحث يفترض به أن يكون موضوعياً أكثر، ينم عن أزمة مدركة للعلاقة الدينية في جوانب الحياة، وهو ما جعل الكاتبة تقف لجانب تأثير الالتزام الديني بالأبحاث والعلم بشكل واضح في مواقع مختلفة في بحثها، وبسبب ذلك فإن النتيجة التي خلصت لها لا تعتبر نتيجة ذات قيمة قوية وعالية، كونها استبقت النتيجة بالتوقع والرأي، فضلاً أن مثل هذا البحث البسيط لا يفضي لنتيجة قطعية، فسيل من مثل هذه الأبحاث لا يكفي لتعميم التجربة، مشيراً إلى أن غالبية الأبحاث للعلاقات الارتباطية لا تؤدي بالضرورة لعلاقات سببية”.

أزمة الهوية

من جانب آخر تحدث العجيان عن أزمة الهوية الدينية، مستنداً فيها إلى نظريات عالم النفس والمحلل النفسي إريك إريكسون، وهو أول من تكلم عن مفهوم الهوية بالمنظور المنهجي، بدءًا برأيه في سيغموند فرويد مؤسس التحليل النفسي وموقفه للدين، حيث علَّق العجيان أن إريكسون يرى أن فرويد (وهو يهودي) لديه جانب ديني يخفيه.

وأوعز سبب خوف فرويد من إظهار هذه الهوية قائلاً “لو وسمت نظرية التحليل النفسي باليهودية فهي لن تلقى انتشارها، فمن مصلحة التحليلية، والعلم الذي يؤمن به أن يطرح طرح لا ديني ليكون أكثر انتشاراً”.

وأكمل “بنفس القياس مناكفة فرويد لطالبه آرثر، وهو متميز ونجيب بين طلاب فرويد، فيما كان الأخير غير متقبل له، كونه يهودياً ومن باب التنوع فقد قرب فرويد يونغ وهو مسيحي لديه إيمانياته، ليخرج التحليلية من إطار الهوية اليهودية”.

لافتاً إلى أن اريكسون ممن عانى من الأزمة الهوية، هذه المعاناة في أزمة الهوية جعلته أكثر قدرة على فهم الهويات الضيقة، وكيف تفكر ومعاناتها، فكتب عن ذلك كثيراً.

الدين والبحث العلمي

وعوداً للبحث الذي يقحم المستوى الديني في الأبحاث العلمية قال العجيان “قد يكون لديه ظاهر وباطن فجزء كبير ممن نافحوا عن الدين بشكل كبير نجده بعد فترة يظهر النقيض مما كان عليه”، مستشهداً بما آل إليه حال الكاتب عبدالله القصيمي (من السلفية) الذي كتب رداً على الأزهر وحتى على المذهب الشيعي، وبقي كتابه مفخرة للسلفيين وبعد فترة أعلن الحاده.

الملتزم متأزم

وأوضح أن الاستكشاف في الأزمة هو تعرض كل فرد لها، باعتبار أن مفهوم الذات والأنا ينمو، وتمر بصور مختلفة بين تشتت الهوية، ومغلق الهوية، محقق الهوية، ومؤجل الهوية، منوهاً بأن الملتزم هو من مر بأزمة هوية جرته إلى بحث واكتشاف، وانتهى إلى إجابات التزم بها بين النتائج التي بحث عنها والتزمها، أما مُغلَق الهوية ومشتَّت الهوية فلا يشعران بأزمة، فالمُنغلق غالباً يتبع الموجِّه له كوالديه، أما المشتت في هويته كالعميل المزدوج لا التزام لديه، فلا يشعر بقلق ولا تتأثر نفسيته بمستوى الالتزام الديني”.

وأضاف “كثير من التضخم في الهوية يخفي إعاقة هوية، ومنها أنه يقمع أسئلة الهوية، وليست الهوية قاصرة على الدين، فهنالك الهوية الاجتماعية وهنالك الهوية الأيدولوجية”.

الدين والعلاج

وفي تساؤل عن إمكانية الاستفادة من الدين في العلاج أجاب “جزء من الناس الجانب الديني محرك كبير في علاجه، وجزء آخر لا، من ذلك وعلى سبيل المثال أن المعالج النفسي لمدمن حين يتوجه لتغيير قناعة أو عقيدة المريض، قد يكون المدمن ملاحقاً جنائياً وعليه ديون ولديه الكثير من الظروف المؤثرة فلا يجادلك في كل ذلك، لكنه سيجادلك فيما لو تحدثت عن عقيدته و التزامه الديني”.

وفي صورة واقعية أخرى “حين يشكو شخص ما من الظروف، فالرد المعتاد هو قل الحمد لله ما يشكل معه عبء وضغط نفسي”.

الانتحار الصامت

ولفت العجيان إلى أنه في بعض الأحيان يكون العبء النفسي على المتدين أكبر، من ذلك ظاهرة الانتحار الصامت، فهو كمتدين يعرف حرمة الانتحار ولكنه يعاني ضغطاً نفسياً كبيراً يود فيه إنهاء حياته فيلجأ في هذه الحالة إلى إهمال العلاج أو التسبب في رفع مستوى الأعراض المرضية لديه لينهي حياته دون اللجوء للانتحار الفعلي.

وقال “استثمار شيء من الدين في العلاج النفسي قد يؤثر في الشخص بحسب ظروفه، وقابليته فغالباً هنالك جانباً من الانتماء ديني، والأراء المتصارعة حول أثر الدين على العلاج النفسي كل رأي منهم فيه جانب من الحق” .

الوسواس القهري

وعن العلم والدين ذكر العجيان أن كثيراً من مراجعيه للعلاج النفسي ممن لديهم وسواس قهري هم من المتعلمين، ونبّه إلى أنه لا يعني علماء الدين. وقال “تجده قارئاً نهماً للرسالات العملية، والكتب والمراجع، فيعارض ويشرح ويجادل علماء الدين في فتوى معينة ومسألة أخرى، وهو ما يتسبب له بهذا النوع من الوسواس”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×