[كانت مدرسة 3] أم الحمام.. من منزل مستعار إلى 14 مؤسسة تعليم اصطفّ الطلاب مرتدين "الوِزْرةْ" ليقنعوا مدير التعليم برغبتهم في الدراسة

من غرف ضيّقة بدأت حياتهم مع الطباشير والكراريس.. وفي الدروب الترابية ساروا على أقدامهم إلى مدارس بعيدة، تحت حرّ الشمس، ووابل المطر. بعضهم حفاة، بلا تذمّر ولا تأفّف. درسوا وحصّلوا ونجحوا، وأصبحوا على ما أصبحوا عليه، مشاركين في بناء وطنهم وخدمة مجتمعهم.

هذه هي القصة التي تسردها صُبرة بالتفصيل من ذاكرة ناجحين بدأوا حياة المدرسة في ظروف لم تكن متوفرة كما الآن. طلاب درس بعضهم في السطوح، وتلقّوا دروس الحصص مبللين، وعادوا إلى منازلهم جائعين منهكين.. ومع ذلك؛ ثابروا وثابروا.

كانت مدرسة“.. تلك هي القصة التي تعود إليها “صُبرة” مع الطلاب والمعلمين، في مدن القطيف وقراها، عبر سلسلة من التقارير الصحافية النابشة للذاكرة، والمُشيرة إلى الحاضر.. والمستقبل..

قصصنا تبدأ مع احتفال العالم باليوم العالمي للتعليم، الموافق 24 يناير من كل عام، وتتسلسل حلقات القصة، يومياً مع مبنى ـ أو مكان ـ كان مدرسة يوماً ما..

كلّ يوم مدرسة..

البداية منزل مستعار.. تبرعاً

أم الحمام: ليلى الخميري

المكان الآن؛ لا يُشير إلى أكثر من منزل جميل تسكنه عائلة طيبة.. لكنّه قبل 64 سنة؛ كان أول مدرسة عرفتها قرية أم الحمام. تبرّع به مالكه، ليدرس فيه طلّاب صفّين فقط، الأول والثاني الابتدائي، فكان ذلك فاتحة التعليم النظامي الذي دخل القرية، وبداية حياة أجيال منها.. إنه منزل المرحوم أحمد الطلالوة، حيث بدأت الحكاية..!

أم الحمام.. القرية الريفية التي كانت غارقة وسط بحر من النخيل غرب القطيف، القرية التي يصفها سكانها بـ “بلدة السور والأبراج الثمانية”، ويعرفونها أيضاً بـ “الرُّفَيعة”.. مثلها مثل غيرها من قرى القطيف. لم تكن تعرف غير التعليم التقليدي “المعلم”. وقبيل مجيء المدرسة الحكومية؛ عرف سكانها قائمة طويلة من “المعلمين”.

ويذكر محمد مهدي عبدالنبي أن من المعلمين الذين درّسوا الصبية والفتيات: سيد حبيب المعلم، الشيخ عبدالحميد المرهون، المعلمة رباب، المعلمة فهيمة، الملا عبد العظيم منصور المرهون، الملا محمد صالح عباس المدن، الملا أبو منصور الطويل.

مطالب الأهالي

لكنّ الأهالي كانت لهم مطالبة بمدرسة.. ويذكر المعلم نصّار أحمد الطلالوة أن المطالبة بدأت عام 1377هـ، وكانت المطالبة بينهم وبين جيرانهم قرية الجش، ولذلك تأسست أول مدرسة حكومية في الجش عام 1378هـ في موقع قريب لأم الحمام. حينها حتى المعلمون ـ التقليديون ـ حثوا الأولاد على الالتحاق بها، وكانت رؤيتهم هي أنها مدرسة نظامية، ما يعني حصولهم على تعليم جيد وشهادات تنفعهم. وبالفعل؛ سجل فيها أبناء أم الحمام، وبسبب تحصيل بعضهم تعليماً أولياً في “الكتاتيب”؛ التحق بعضهم بالصف الثالث مباشرة وبعضهم في الصف الرابع.

فلاحون في الطريق

حلّت مدرسة الجش جزءاً من المشكلة، لا المشكلة كلها، وواصل الناس مطالبهم شيئا.. يقول نصّار الطلالوة “كان هناك مجموعة من الشباب وبعض شخصيات القرية وبدافع شغفهم لتعليم أبناء بلدتهم في مدارس حكومية مثل القرى المجاورة؛ كونوا لجنة من: أحمد مسبح ومحمد الشيخ منصور المرهون وأحمد الطلالوة وعبدالله أحمد طفيف وجعفر محمد رضوان وحسن عبدالعال وعبدالله علي الزاير وصالح عبد الهادي الطويل وملا راضي المرهون، رحم الله الماضين منهم. ورفعوا مطالبتهم للتعليم بتأسيس مدرسة حكومية لتعليم أبنائهم.

وبسبب إصرارهم على المطالبة؛ جمعوا حشداً من أبناء الفلاحين، في الشارع الذي كان يُعرف بـ “شارع الخط” آنذاك، كان الوحيد المسفلت، وحين مرّ به مسؤول التعليم رآهم، وتعجّب من فلاحين يرتدي كل منهم إزاراً، لكنّ الناس أوضحوا لهم رغبتهم، وهنا استجاب المسؤول بتوفير المعلمين والمناهج، إلا أن المشكلة في توفير ميزانية لاستئجار بيت ليكون مدرسة.

أول مدرسة

وأمام هذه المشكلة؛ عرض المرحوم أحمد الطلالوة منزله تبرّعاً، وهكذا كان. ويذكر ابنه المعلم سعيد الطلالوة قائلاً “كان والدي والدي بالتعليم وإدخال العلم على أبناء البلدة، وتبرع ببيتنا الذي كان قد انتهى للتو من بنائه لنقل أسرته من القطيف فيه، وقد اضطرّ إلى استئجار غرفه وحمام في بيت جارهم هلال، وبذلك تم تأسيس أول مدرسة في أم الحمام بحي القوع عام 1380هـ، وحملت اسم مدرسة أم الحمام الابتدائية، وكان البيت يضم خمس غرف، ومع ذلك افتُتحت بصفين فقط أول ابتدائي وثاني ابتدائي، ودرسوا فيه عاماً دراسياً واحداً فقط.

ثاني مدرسة

وفي السنة التي تلتها ازداد سعي أهالي أم الحمام إلى تأسيس مبنى حكومي للمدرسة بعد تزايد عدد الطلاب، وتم نقل طلاب مدرسة الابتدائية بأم الحمام إلى مدرسة تبرّع بها الحاج عبدالله أحمد طفيف في حي الجبلة عام 1381هـ.

ويقول طفيف “بعد رفض العمدة السابق لدخول البلدية والمدارس للبلدة؛ طالبنا بتغييره ونصّبنا عمدة جديد وهو أحمد مسبح، ومع المطالبة بتأسيس مدرسة تبرعتُ ببيتي في الجبلة لصالح التعليم وليكون مدرسة لعام دراسي واحد كامل، ضمت عشرة فصول، وكان مديرها فلسطينياً، وكان من ضمن طاقم التدريس محمود السوداني وأغلبهم كانوا أجانب حينها”.

ويقول طفيف إن أول من حصل على شهادة الابتدائية في أم الحمام حيث كان يدرس في مدارس رحيمه برفقة والده الذي يعمل هناك آنذاك، وأول من حصل على الشهادة الجامعية عبدالله علي الزاير. وأضاف أنه حينها من يحصل على الشهادة الابتدائية يلتحق بالتعليم ويمارس مهنه التدريس في المدارس الحكومية إلا أنه فضَّل العمل في البلدية حيث اجتاز اختبار القبول وتم توظيفه.

ثالث مدرسة.. مستأجرة

المعلم منصور عبدالله المنصور يتذكر أنه التحق بمدرسة بيت الطلالوة في القوع، وهو بعمر 8 سنوات.. ويقول “درسنا فيها سنة كاملة، وكنا نلعب حصة الرياضة في براحه خلف المدرسة، وفي السنة التي تليها نقلونا إلى بيت طفيف في الجبلة، ولعبنا حصة الرياضة في “شرق العوينة”، وبعدها تم نقلنا إلى بيت طاهر أسود وهو مدرسة مستأجرة، وكان يدرسنا الرياضيات معلم فلسطيني اسمه عبداللطيف، وكان شديداً في التدريس، حتى هرب بعض الطلبة من المدرسة بسبب شدته”.

يضيف “أكملت الدراسة الابتدائية الابتدائية، أما المرحلة المتوسطة فكاتن تكميلية، بعدها التحقت بدبلوم معهد المعلمين وتعينت في مدرسة ابن بطوطة التي افتتحت، ولكن مازالت مدرسة أم الحمام الابتدائية مفتوحة في بيت الأسود واعتبرت فرعاً من مدرسة بن بطوطة”.

ويقول “درست فيها رائد صف ثاني ابتدائي مكون من 32 طالباً في فصل واحد، أذكر منهم مهدي علي الحايك ونعيم علي سلمان مريط ومهدي حرقان وعبدالنبي هلال و إبراهيم صليل ووجيه جعفر المرهون والمرحوم عيسى الكعيبي، بعد ذلك أشرفت على فرع مدرسة أم الحمام الابتدائية مع حصة رياضة، ومن ثم درست رياضيات صف رابع وخامس وبعدها درست دين وآخرها مسكت صفوف دنيا ومنها تقاعدت، بعد خدمة 33 سنة.

14 مدرسة حكومية

واستمرّت الدراسة في المبنى المستأجر؛ حتى إنشاء أول مبنى حكومي، هو مدرسة ابن بطوطة الابتدائية  التي ما زالت قائمة حتى الآن، وتمّ تجديدها 3 مرات على مدى عقود. كما تم تأسيس مركز ابن بطوطة لتعليم الكبار ومحو الأمية.

وعام 1426هـ تمت إضافة برنامج التربية الفكرية إليها، وبعد ذلك افتُحت مدرسة جعفر الطيار عام 1395هـ. وفي  عام 1388؛ تأسست أول مدرسة متوسطة وكان عدد طلابها 393 طالباً، كما تم افتتاح مدرسة متوسطة أخرى عام 1412هـ، وفي عام 1400هـ تم افتتاح مدرسة ثانوية، في مبني حكومي، وافتتحت مدرسة أخرى عام 1412هـ في مبني مستأجر.

ثم جاء دور تعليم البنات لتتأسس أول مدرسة عام 1388هـ، وكان عدد الملتحقات بها 503 طالبات، وبعدها افتتحت مدرسة أم الحمام الثانية عام 1399هـ، وفي عام 1415هـ افتتحت المدرسة الابتدائية الثالثة، وفي عام 1399هـ افتتحت المدرسة المتوسطة، وتوالى افتتاح مدارس البنات، حتى وصل العدد في جميع المراحل الدراسية إلى 7 مدارس، ومثلها للبنين.

من تلاميذ أول مدرسة

وقد خرجت مدارس أم الحمام الكثير من شخصيات البلدة الذين نجحوا في حياتهم، وأثروا في مجتمعهم، ويذكر محمد مهدي عبد النبي منهم:

  • 1- منصور عبد الله المنصور (أشرف على فرع مدرسة أم الحمام الابتدائية)
  • 2- محمد مهدي عبد النبي (رئيس مجلس إدارة جمعية أم الحمام ورئيس مجلس إدارة لنادي الابتسام)
  • 3- حسن جاسم الخميري ( درّس بمدرسة بن بطوطة وتقاعد منها)
  • 4- إبراهيم الشيخ ( مدير إدارة التطوير والابتعاث بإمارة المنطقة الشرقية سابقاً)
  • 5- عبد الله عيسى عبد رب النبي (مدير المدرسة الثانوية بأم الحمام)
  • 6- المرحوم جعفر أحمد رضوان (مديراً لمدرسة ابن بطوطه بأم الحمام )
  • 7- ماجد عبد العال (رئيس مجلس إدارة جمعية أم الحمام الخيرية )
  • 8- بدر أحمد الشبيب (رئيس إدارة لجنة اصلاح ذات البين بالجمعية)
  • 9- حسن مكي الشبيب (رئيس إدارة لجنة المتابعة والتطوير بالجمعية)
  • 10- فيصل صالح حميدي (رئيس نادي الابتسام بأم الحمام)
  • 11- مصطفى أحمد هلال (رئيس نادي الابتسام بأم الحمام ولايزال)
  • 12- عبدالله سلمان العوامي ( وهو يسكن حاليا في الولايات المتحدة لكنه يأتي لمجتمعه على فترات )
  • 13- عبد الله علي الزاير ( نال الشهادة التعيليمة من أمريكا )
  • ومنهم فيصل عبد الله عبد العال، المرحوم المهندس جاسم قواحمد، علي أحمد المرهون، عبد الرؤوف المرهون، عبد المنعم الكعيبي، شوقي عبد الكريم الهنيدي، والمنهم الكثير.

من مدارس أم الحمام

جميع الصور من أرشيف: موسى رضوان، علي الشبيب، حسين عوامي

إبراهيم الشيخ حين كان طالباً وفي الوقت الحالي

اقرأ ايضاً

[كانت مدرسة 2] “الصغيرة” مدرسة المـُ…. هندسين في صفوى

[كانت مدرسة 1] في حيّ الطابوق.. درس عضو شُورى ورئيس نيوم وجيل كامل من سيهات

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×