[المبصرون 3] أحلام العوامي.. الكفيفة التي تعلّم الأصحاء كفيفية منذ الولادة تخصصت في التربية الخاصة وترأست لجنة نسائية

القطيف: صُبرة

بين فقد البصر، والرغبة في بناء الذات، سارت حياة أحلام العوامي، في رحلتها لقهر الإعاقة، منتقلةً من القطيف التي نشأت فيها، مارّة بالأحساء التي شهدت انطلاقتها العملية، ومن ثمّ عائدة مجدداً إلى القطيف، حتى أصبحت اليوم مثالاً يُحتذى به.

ونجحت العوامي، وهي معلمة في الإبتدائية الرابعة في القطيف (مدارس الدمج)، ورئيسة اللجنة النسائية في مركز رعاية المكفوفين في القطيف، فيما سعت إليه، وأصبحت تمتلك شخصية قوية ومؤثرة، تدعم جميع من حولها، في موجة عطاء متدفق لا تنتهي.

ورغم أنها فقدت بصرها منذ الولادة، إلا أن العوامي أدركت ببصيرتها أهمية أن تكون امرأة جادة وطموحة، تؤثر في محيطها، كما أدركت أن عليها دوراً مهماً ينبغي القيام به تجاه من هم في مثل حالتها الصحية، وتظل جهودها في تفعيل برامج الدمج في مدارس الشرقية، أكثر ما تعتز به في مسيرتها العملية.  

منذ الولادة

ولدت أحلام العوامي كفيفة، وتربت بين أحضان أفراد أسرتها، ولقيت منهم الدعم والمؤازرة والتشجيع على الاختلاط بالمجتمع، التحقت بالدراسة في عمر متأخر، لعدم توفر برامج للكفيفات في المنطقة الشرقية.

ومن مسيرة كفاح طويلة، تختزن جعبة العوامي الكثير من ذكريات الطفولة والشباب، كشفت عنها لقراء “صُبرة”. وتقول “لأنني ولدت كفيفة، بدأ والدي بالبحث عن برامج لتعليم المكفوفين، وسافر إلى الكويت بحثاً عن تلك البرامج، وأخبروه هناك بوجود معهد النور للمكفوفين في محافظة الأحساء، وبالفعل التحقت به في عمر 9 سنوات”

وواصلت العوامي حديثها “رغم الغربة وقساوتها، وجميع مواقفها التي من الممكن أن تجعل الشخص ينسحب من المشهد، لكن تلك الغربة علمتني أن أكون مميزة وأعتمد على نفسي، وأن أكون جادة وقوية في تعاملي مع الزميلات الموجودات في السكن، الذي أظل به لمدة أسبوع أو أسبوعين، قبل العودة إلى أهلي”.

بقيت العوامي على هذه الحال، حتى تخرجت في الثانوية. وخلال  مسيرتها الدراسية، حققت العوامي الكثير من الجوائز، مثل جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي 3 مرات، بداية من المرحلة الإبتدائية، مروراً بالمرحلتين المتوسطة والثانوية، كما حصلت على العديد من الشهادات.

لقب سيبويه

بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية، التحقت العوامي بجامعة الملك سعود بالرياض لدراسة اللغة العربية، التي عشقتها، ومن شدة شغفها باللغة، أطلق عليها لقب “سيبويه”. وتقول عن تلك المرحلة “ذهبت الى الرياض، والتحقت بالجامعة، في تخصص اللغة العربية، وبعد فترة، قررت الاعتذار عن إكمال دراسة هذا التخصص، وقررت الانتقال إلى تخصص التربية الخاصة، للاستفادة والافادة.

البحث عن وظيفة

وبعد جهد وتعب، تحقق حلم العوامي، وتخرجت في تخصص التربية الخاصة، وكان الداعم الأكبر لها، والدها محمد العوامي، الذي أصر على أن تحصل ابنته على وظيفة مثلها مثل أخواتها. وكافح الأب وجاهد حتى توظفت أحلام العوامي في معهد النور في الأحساء، وهو المركز الذي خطت فيه بداياتها الأولى، ومكثت فيه 3 سنوات ونصف السنة.

وتقول العوامي “كنت أذهب من القطيف الى الأحساء مقر عملي يومين، وكانت تجربة العمل هناك ممتعة، ومنذ اليوم الأول لي في المعهد، حرصت على وضع لمساتي فيه، عبر التفاعل الجيد مع الطالبات، وإيجاد علاقات قوية ودائمة، مازال التواصل بيننا قائماً إلى الآن”.

الابتدائية الأولى

وتستشعر  العوامي إحساس الفخر والتباهي أثناء الحديث عن برنامج الدمج، وفتح المدارس الحكومية أمام ذوي الإعاقة. وتقول “كان لمدينة سيهات نصيب من هذا البرنامج، حيث تم نقل 3 معلمات إلى مدارس الدمج، وكنت إحداهن”.

وتضيف “أعتبر نفسي من مؤسسات هذا الدمج، الذي بدأ من الإبتدائية السادسة في سيهات، ومن ثم الانتقال إلى الإبتدائية الأولى، حتى حط الرحال في الإبتدائية الرابعة في القطيف”.

وتتابع “بيئة العمل في مدارس الدمج كانت جميلة ورائعة، وكانت المعلمات أكبر داعم للأطفال من ذوي الإعاقة، من خلال الخوف عليهم ورعايتهم، في أجواء مثالية”.

مركز القطيف

وبعد فترة، تلتحق العوامي بمركز القطيف، ولهذا الالتحاق قصة، تقول فيها “جاءني اتصال من  علي الغزوي مقرر مركز رعاية المكفوفين في القطيف، الذي افتتح حديثاً، وعبر عن رغبته الاستفادة من خبراتي، طلب مني العمل في المركز مشرفة على البرنامج الصيفي، واعتذرت عن قبول العرض، بسبب سفري ضمن البرنامج الصيفي”.

وتتابع “رغم اعتذاري عن قبول العرض، كنت سعيدة جداً بوجود مركز للمكفوفين في القطيف، واعتبره خطوة جيدة وحلماً تحقق على أرض الواقع، خاصة عندما علمت أنه مركز تطوعي، يخدم فئة ذوي الاحتياحات، من الجنسين”.

وتُكمل العوامي “بعد فترة، اتصل علي الغزوي مرة أخرى، وأخبرني عن إقامة ملتقى لافتتاح المركز رسمياً في صالة الملك عبدالله سنة 1428هـ، وتحديداً في شهر ذي الحجة، وطلب مني أن أكون معهم في الملتقى، واستشرت والدي، الذي شجعني على أن يكون لي حضور تطوعي في مركز القطيف، وألا أكون أقل عن غيري في هذا الجانب، فوافقت وحضرت الملتقى، الذي  كان كبيراً، وحضرته شخصيات عامة، وبعد الملتقى بيوم، عرض الغزوي علي مرة أخرى أن أكون رئيسة اللجنة النسائية في المركز، ورغم أنها كانت مسؤولية كبيرة وتحتاج الى خبرة، ولكنني قبلت”.

شخصية قوية

ولأن للعوامي شخصية قوية ومتزنة، انطلقت في مركز القطيف من الصفر، وكانت بدايتها بفعالية اجتماعية خارج المركز، ولاقت اعجاباً من جميع الحاضرات، خاصة الكفيفات اللائي كن يحتجن إلى الدعم والثقة في أنفسهن.

وتقول العوامي “بدأنا نتوجه للكفيفات بعمل فعالية كل أسبوع، سواء دورة أو مسرحية، أو ترفيه، بحضور متطوعات من خارج المركز، كما قدم المركز العديد من الخدمات لفئة المكفوفين منذ افتتاحه وإلى اليوم، حيث نقاوم ونكافح الظروف، حتى نستمر، رغم قلة المتطوعات والمتطوعين داخل المركز”.

درس نموذجي

وتمتلك العوامي اليوم مزايا عدة، أهلتها أن تكون معلمة صف أول، مُحبة لعملها، فضلاً عن قدرتها على التعامل مع طلاب الصفوف الأولى. وفي هذه الأثناء، قدمت العوامي درساً نموذجياً لطالبات الدمج في الصف الأول على مستوى المنطقة الشرقية، وذلك عبر منصة “مدرستي”، في المدرسة الإبتدائية الرابعة، التابعة لمكتب التعليم في القطيف، وكان التركيز على “حرف القاف”، تحت إشراف مشرفة التربية الخاصة منى المصطفى، وحضور مجموعة من المشرفات التربويات وقائدات المدارس والمعلمات، وقد نال الدرس استحسان الجميع.

كما قدمت العوامي العديد من الدورات على مستوى مركز القطيف وخارجه، ومنها دورة “برايل”، وتم ترشيحها من قبل إدارة التعليم، ممثلة لقسم التربية الخاصة، معلمةً مشرفةً على البرامج الخاصة بالكفيفات في القطيف.

وحصلت العوامي على الكثير من الجوائز والشهادات، حيث فازت بجائزة عبدالله المطرود في  مبادرة “نغم البصيرة”، وكُرمت باعتبارها معلمة متميزة على مستوى القطيف من قبل وزارة التعليم.

شاهد الفيديو

ولأحلام أمنية واحدة، ترددها على مسامع مع يسألها عن تطلعاتها بأن يكون لها ذكر طيب، وأن تكون شخصية قادرة على العطاء الوفير، وألا تُحرم من هذا العطاء، وألا ينضب لديها”. وتردد “العطاء سعادة بالنسبة لي وللمكان الذي أكون فيه”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×