[2 من 2] هيوقو ويليامز بين إغواء وحنين قصيدتان من الشعر الإنجليزي
الدكتور أحمد فتح الله
ذكرنا في الجزء السابق (الأول) أن الشاعر (هيوقو ويليامز) أجرى عملية زرع كلى ناجحة في عام 2014م بعد عدة سنوات من جلسات غسيل الدم. وعن هذه المعاناة، كتب عدة قصائد يسودها الحزن والكئابة، في تباينٍ صارخ لإسلوبه المعتاد.
من هذه القصائدة قصيدة “Homesick” (الحنين للأوطان)، موضوع هذا الجزء (الثاني)، وهي من ضمن مجموعته (Lines Off) المنشورة عام 2019م. في هذه القصيدة يصور هيوقو قسوة الحياة على الممرضين والممرضات الذين قاموا بالعناية به وموجبات غربتهم، معبرًا عن تعاطفه معهم وعن الحنين للوطن الذي يجمعه بهم.
القصيدة الثانية: الحنين للأوطان (Homesick)
النَّدَبَاتُ الصغيرةُ على وجوههم
هي أسماءُ قُراهُم
“نُقِشَتْ” حين كانوا أطفالًا
تحسبًا لضياعهمْ.
…. …. ….
وجوههم خرائط
يحملونها معهمْ
وهم ينتشرون في البلدان
من أجل حياةٍ جديدة.
…. …. ….
تبدو النَّدَبَات كآثارِ دموع
انسابت من أجل طفولتهم
وهم “يكدحون” في عملهم
في مشافينا الشماليَّةْ.
…. …. ….
عندما يوقظوني من نومي
لآخذ جرعة دوائي الليليَّة
يصيحون باسمي
ويُضيئون نورًا في عيني.
…. …. ….
أستيقظ … دون أن أعي أين أنا.
يجمع بيننا الحنين للوطن
بنشيجٍ يحمُلنا إلى أوطاننا
إلى قُرانا الضائعة.
تعليق على القصيدة
يبدأ الحنين إلى الوطن بالنظر إلى وجوه من حول الشاعر (المريض) في أحد “المستشفيات الشمالية” (في بريطانيا)، نظرات بطريقة توحي بوعي مشوه ومشوش لكنه متصاعد. “الندوب الصغيرة” التي تحملها وجوهم هي في ذات الوقت أسماء قراهم الأصلية، “نُقشت” (بفعل فاعل لم يسمى) “أثناء الطفولة” “[تحسبًا] فيما لو تاهوا عن القرى”. هذا تصور يشبه الحلم، تظهر فيه تَشيؤات مختلفة بشكل واضح: ندوب، حروف، وجوه، طفولة، بلوغ.
صوت الراوي، الذي يفضل الفعل المضارع، وفي جملٍ قصيرة منفردة لكل مقطع تحاكي لغة الأطفال، كأنه “صوت الطفل”.
الرموز (العلامات)، “الندوب” و”الخرائط” و “مسارات الدموع”، تشهد على بدايات غير مؤكدة ورحلات جسدية محفوفة بالمخاطر.
تجربة الممرضات والممرضين الفعلية للهجرة والحنين للوطن، والتي تم استحضارها أولًا بشكل رمزي وبطريقة “هلوسة”، يتم فهمها بشكل أكثر واقعية مع تقدم القصيدة، كما لو كانت تتبع عملية يقظة متزايدة. تكتسب رؤية المتحدث الوضوح والتعاطف من منتصف المقطع الثالث، حيث يتحول السطران الأخيران إلى الواقعية المسطحة، مع بقاء التعبير طفوليّ: “تبدو الندوب مثل آثار الدموع / بكت لطفولة /تكدح/في مستشفياتنا الشمالية “.
على الرغم من أن المنظور في المقطع الرابع شخصي أكثر بشكل مباشر، إلا أنه يقدم ارتباطًا واضحًا بين تجربة المريض والظروف الأكثر قسوة التي قد تفلت من رعايته. “الصراخ بالاسم” و”الضوء الساطع في العيون” يستحضران تكتيكات الدولة البوليسية: الاعتقال الليلي، والسجن، والتعذيب. رغم أن الشاعر، حسب سيرته، لم يمر في مثل هذه التجارب، أو أن يكون إيقاظه بشكل غير اعتيادي لتلقي العلاج كان فعلا ًمؤذيًّا جدًا، الصدى هنا هو نوع من الرعب، تم تسجيله خطفًا (لفترة وجيزة)، مهيئًّا إلى المقطع الأخير: “أستيقظ، لا أعرف أين أنا / الحنين للوطن يعتري الممرضين والمريض/ وبكاء يأخذهم إلى أوطانهم / إلى القرى المفقودة أو الضائعة”.
في هذا المقطع يتم كسر الأسلوب النحوي في المقاطع السابقة، مع الانتقال السهل من الفردانية في الجملة الاحتياطية المكونة من سطر واحد في بداية المقطع (لا أعرف أين أنا) إلى “الجماعة” في السطور الأخيرة؛ إلى (الممرضات وأنا …”)، وإلى “أمر جامع” (الحنين للوطن).
الحنين للوطن هو لذةٌ بألم؛ أو مرح بصراع، بدأ مجازيًا بصور الوطن والهوية. بالحنين إلى الوطن يصبح المغتربون (البعيدون عن أوطانهم) “أطفالًا”، يألمون للأمان المفقود (في القرى الضائعة). قد يكون في هذا الإشتراك (أي التجربة المشتركة أو الجماعية) الراحة الوحيدة في تجارب المعاناة، كالغربة والصراع مع المرض، الذي قد يسبب غربة عن الذات، إضافة للغربة عن “الوطن”. وربما هنا إشارة إلى أن “الذات” قد تكون وطنًا من الأوطان.
ملحق (2): النص الإنجليزي للقصيدة
Homesick
By Hugo Williams
The little scars on their faces
are the names of their villages,
put there when they were young
in case they got lost.
* *
Their faces are maps
which they carry with them
when they set out across the world
for their new lives.
* *
The scars look like the tracks of tears
cried for their childhood
as they move about their work
in our northern hospitals.
* *
When they wake me in the night
to give me my medication
they shout my name
and shine a light in my eyes.
* *
I wake, not knowing where I am.
The nurses and I are homesick,
crying to be taken home
to our lost villages.
اقرأ أيضاً
الدكتور فتح الله يختار “صُبرة” منصّة لأول تجربة نشر في ترجمة الشعر الإنجليزي