[حصري بالصور] رضا العوّى.. خدم الحجاج 37 سنة.. وحريق منى أنهى حَمْلَته حديث لم يُنشر أجرته "صُبرة" مع المرحوم قبل وفاته
شرب ماء زمزم بـ "السَّطَل" وأطعم الحجاج "الربيان المجفَّف"
القطيف: ليلى العوامي
قبل مدة قصيرة؛ كان الحاج رضا العُوَّى أحد ضيوف “صُبرة” في توثيق رحلات الحج. جلسنا إليه هو وشقيقه الحاج سلمان، ووثّقنا شهادتين لهما في رحلات الحج القديمة، ضمن مشروع “صُبرة” الوثائقي. لكن أمر الله نفذ اليوم برحيل الحاج رضا العوى إلى الدار الآخرة، قبل نشر شهادته.
في الوسط، والده الحاج أحمد العوى
37 سنة
خدم حجاج بيت الله الحرام 37 سنة من عمره. ولولا حريق منى الذي وقع عام 1417؛ لاستمرّ في مهنة “الحملدار” التي ورثها عن أبيه الحاج أحمد، عن جده الحاج عبدالله. منذ ذلك الحريق الذي انتهى بخسارة فادحة عليه؛ قلّص نشاطه في تنظيم رحلات المدينة المنورة. واستمرّ في خدمة زوار النبي إلى منعه المرض وأثقل عليه. وفي هذا اليوم (الاثنين)؛ وضع المرض حداً لحياة الحاج رضا العوّى، حيث توفي بعد معاناته الطويلة مع مرضه.
الحاج رضا في أواخر حياته
مهنة عائلة
“الحملدارية” مهنة متوارثة في عائلة العوى. بدأت بجدهم الحاج عبدالله العوى ثم والدهم الحاج أحمد العوى الذي بدأ فلاحاً عام 1350هـ ثم صياداً عام 1363هـ، فبائع للفاكهة عام 1381. لكنها بدأ “الحملدارية” عام 1373هـ ومن اتخذ من ابنه الحاج رضا مساعداً له ورفيقاً، منذ أن بلغ الـ 15، وتحديداً منذ عام 1377هـ.
كنت صغيراً
وفي الحديث الذي أجرته معه “صُبرة” قبل وفاته بمدة قصيرة؛ سرد الحاج رضا قصته مع الحملات بكل تفاصيلها. وقال إنه حين بدأ العمل في مساعدة والده؛ لم يكن قد أنهى إلا دراسة الصف الرابع الابتدائي. وقال “لكن مهنة الحملدارية علمتني الكثير. كانت رحلتنا إلى الحج متعبة جدًا. يبدأ الخروج بالحجاج من القطيف إلى محطة القطار بالدمام، وحين يصلون إلى الرياض؛ ينتظرون فيها ثلاثة أيام. ومن الرياض ينطلقون سالكين واحداً من طريق؛ طريق المدنية المنورة لزيارة النبي يستغرقون فيه ستة أيام.
أما الطريق الآخر فكان يتجه إلى مكة المكرمة، ويستغرق ثمانية أو تسعة أيام ولياليها. كان متعباً للغاية وكنا نستعين بالآبار لشرب الماء.
زمن الشاحنات
المرحوم أبو صلاح لم يُدرك السفر عبر الجِمال، بل كانت على عهد جده، وفي زمن الجمال؛ كانت الرحلة تبدأ من نهاية شهر شوال على الأكثر، ونقطة انطلاق القوافل هي منطقة البدراني حيث يتجمع كل الحجاج. ويعودون من الحج في شهر ربيع الأول. وقد استمرّت الحالة على ذلك حتى بداية عهد والده الحاج أحمد.
في زمن والده ظهرت سيارات اللوري (الشاحنات مفتوحة) واستخدمها الحجاج للركوب وحمل الأمتعة. في البداية لم تكن الشاحنات تُستخدم من القطيف، بل تبدأ رحلاتهم بالقطار، ومن الرياض يأتي دور الشاحنات.
صلاة الفجر
تنطلق الشاحنة بعد صلاة الفجر من الرياض متجهة نحو مكة المكرمة، وتمرّ من مناطق معروفة، مثل: ديراب، مرات، ثم شقراء، ثم الدوادمي، ثم عفيف، ويتجهون نحو الطائف، وحين يصلون إلى منطقة الحوية ينزلون الطائف للإحرام. وكان ماء الاستحمام في ذلك الوقت يباع (بالتانكي) ليس كما الآن.
رحلة الطريق
سرد أبو صلاح العوى ـ رحمه الله ـ معاناة الحجاج في ذلك الزمن. “كانت السيارة تتعطل فنتركها عند الشارع ونقوم بنقل الحجاج إلى سيارة أخرى فيها حجاج آخرون مضطرون، فيزداد الزحام زحاماً. لا حل آخر لدينا. وكنا إذا عطشنا نزلنا في مناطق تكثر فيها الآبار وشربنا منها نحن والحجاج.
بعض القرى كانت محطَّاً للقوافل. وبعض سكان القرى كانوا يقفون على قارعة الطريق لبيع الطعام للحجاج أو تزويدهم الحجاج بها دون مقابل. هكذا تسير الأمور حتى نصل إلى مكة المكرمة.
في تلك الحقبة؛ لم يكن عدد الحجاج يتجاوز 80 حاجاً بين نساء ورجال. جميعهم يجلسون في الشاحنة مع الأمتعة ومؤونة الطعام والمواعين والصناديق المتنوعة. السيارة تعج نساءً ورجالاً، كلٌّ مع عائلته.
ميقاتنا
يصل الحجاج إلى ميقات “قرن المنازل” عند الصباح. يحرم الحجاج، وبعد وجبة الغداء يتوجهون الى مكة متخذين من طريق الهدا مساراً لهم. ويسمى هذا لطريق “سبع الملفات”.. كان خطيراً للغاية لكثرة انحداره والتوائه، على الجبال. ومع الغروب يصل الحجاج إلى مكة المكرمة.
أين نسكن؟
في مكة المكرمة؛ كان حجاج الحملة يسكنون منازل “دحلة الجن”، وهي إحدى قرى مكة القديمة.. كان لها مسمى آخر هو “شعب أبي ذئب” تقع المنطقة على سفح جبل، وكان حجاج بيت الله يتوجهون الى بيت الله الحرام مشياً على الأقدام ويصلون لبيت الله في دقائق معدودة.
كما كانوا ينزلون في منطقة “براحة الرشيد” المقابلة لمقبرة المعلي. وفي السنوات الأخيرة؛ كانوا يسكنون في “الفلق” أو “الشامية” أو “المعابدة”.
المؤونة
طعام الحجاج في ذلك الوقت كان لحم الإبل الصغير والخضار. الطبخ على الحطب. ولم نكن نحصل على الماء إلا شراء. وفي الحملة طباخون خاصون يرافقونها، كما هو حال “الكوادر” الآن. وجبة الغداء الرئيسة لم تكن منوعة: الرز الأبيض مع الصالونة، أو الكبسة باللحم، أوالرز بالربيان المجفف. أما وجبة العشاء فكانت الهريس غالباً.
ماء زمزم
وقال الحاج رضا “في زمن والدي الحاج أحمد وجدي الحاج عبدالله وبداية عهدي بالحج كان الحجاج يحصلون على ماء زمزم وهم في بيت الله. يستخدمون الدلاء لأخذ الماء من البئر. حين بدأت بمشاركة والدي رحلاته إلى الحج تغير وضع الحصول على الماء من بئر زمزم حيث تم وضع (دينمه – دينمو) مضخة لرفع الماء. وكان هناك (بلابل -حنفيات) للحصول على الماء مساعدة للحجاج. ولكن الدلاء لم تُلغَ، فمن أراد أخذ الماء بالدلو فليأخذ، ومن أراد أخذ الماء من الصنابير فليأخذ.
رفقاء الحج
رفقاء كثيرون مروا من ذاكرة الحاج رضا في سنوات الحج الـ 37 التي قضاها في رحلته السنوية.. بينهم ميرزا العسيف منذ عهد والده، وسيد حيدر الشعلة، ورجل مشهور بـ “أبو باقي”. ومن الطباخين رجل مشهور يدعى “البدحة”، وعبدالرسول الكردي. وكان الحاج رضا نفسه يشرف على الطباخين لأنه كان يقوم بالطبخ أيضاً.
اليد اليُمنى
وقال الحاج رضا “في سن العشرين؛ أصبحت اليد اليمنى والمرشد لوالدي حيث كان والدي يذهب لمكة في يوم 20 من ذي القعدة، ويترك لي مهمة الإشراف في القطيف لتسيير باقي الرحلات حتى التحق أنا بآخر رحلة إلى مكة.
يبدأ قبل الرحلة بيوم أو قبل آخر رحلة بيوم. لم تكن هناك حجوزات مسبقة بل كانت “حزة الحزة” وكان مبلغها 200 ريال للحاج الواحد و80 ريال للهدي.
وبحسب كلام الحاج سلمان العوى أخي الحاج رضي فإن حملة والده ومن بعدها حملة أخيه؛ رافق الحملات كثيرٌ من مشايخ القطيف، يتذكرن منهم: الشيخ فرج العمران، الشيخ عبد الحميد الخطي، الشيخ علي المرهون، الشيخ عبد الرسول البيابي، الشيخ منصور الموسى الجشي، السيد علوي المعلم من التوبي، السيد محمد الشميمي من القديح، ملا صالح الحمدان من صفوى، ملا حسن الجامد من القطيف، ملا راضي الطلالوَهْ من أم الحمام.
نهاية مهنة
استمر الحاج رضي في مهنته لـ 37 سنة؛ ثم توقف فجأة بعد حريق الـ 9 من ذيالحجة 1417هـ الذي أتى على آلاف الخيام في منى. ومن ضمنها خيام حملة العوى وعددها 20، وقد خسرها جميعها، ليتوقف عن تنظيم رحلات الحج، ويقصر عمله في رحلات المدينة المنورة فقط.
هكذا سرد لنا الحاج رضا بن أحمد بن عبدالله العوى قصة كفاحه. رغم مرضه وما يعانيه من صعوبة في الحديث؛ حصلنا على معلومات كافيه منه بمساعدة أخيه سلمان العوى وابنته السيدة فوزية العوى.