تَرَفَّعَ لكي ترتفع
علي عبدالحكيم القطان
المتحرك في الساحات ينبغي عليه أن يمتلك موهبة التَرَفّع عن صغائر الأمور وأن لا يجعلها عثرة في تقدمه، وأن يركز على الأهداف الكبيرة بعيد عن انشغاله بالصغائر، وهذا الأمر يحتاج إلى نضج و تعقل، ولا شك أن هذا ليس سهل المنال.
هنالك من يشكك في النوايا وهنالك من يغار ويحسد وهناك من يتهمك بصفات غير حميدة لكونه يغار منك ومن انجازاتك و و و وستجد الكثير الكثير. الشجرة المثمرة تُضرب بالحجر، اسعى ولا تتوقف فالطريق طويل والحواجز كثيرة، وباب الله عز وجل ورسوله (ص) وأهل بيته (ع) مفتوح دائما فتزود منهم الطاقة الإيمانية ووظفها من أجل أهدافهم السامية، وثق تماماً أن مسيرة العظماء لم تخل من العثرات ومواجهة النفوس المريضة.
كن واثقا من نفسك ولا تجعل للكلمات السلبية عليك سبيلا، يقول د. علي رضا أزمنديان(١): إن الثقة بالنفس خطوة أولى رئيسية على درب الحياة الناجحة. فهي تشير إلى مدى شجاعتك وقوتك الداخلية، وتوضح أيضا قدرتك على مواجهة المشاكل في ميدان الحياة. فالثقة بالنفس ترسخ اليقين داخلك، وتمنحك العظمة، وتجعلك متفوقا على الآخرين، والثقة بالنفس شرط أساسي لتكوين علاقات جميلة وبناءة. فأولئك الذين يمتلكون ثقة عظيمة بالنفس ويمزجونها بالتواضع والانبساطية يخلقون صورة مرحة وجذابة يعشقها الآخرون.
إن الثقة بالنفس سبب أساسي لنمو وتميز البشر؛ فهي الأساس لنظام معتقدات المرء- إذ أن كل معتقد يبدأ من الإيمان بنفسك.
ويقول أيضا: آمن بنفسك، لأن سعادتك في الحياة وفي العالم الآخر تعتمد على ذلك، آمن بنفسك حتى تؤمن جميع المخلوقات الأخرى بك، آمن بنفسك حتى يتسنى للعالم، وكل ما هو جميل فيه، أن يبتسم لك، ويسير كل شيء بالطريقة التي تريدها. آمن بنفسك حتى يؤمن الآخرون بك.
إذا أردت أن ترى كيف يراك ويفكر فيك الآخرون، فقط ألق نظرة على نوعية الشعور الذي تشعر به تجاه جدارتك وقيمتك الذاتية فالآخرون يشعرون تجاهك بنفس الشكل الذي تشعر به تجاه نفسك.
ويقول أيضا: إليك آية ممتعة من القرآن الكريم يخاطب فيها الله عباده عظیمی الشأن الذين نجحوا في كل الاختبارات الربانية وهم في طريقهم إلى الحياة الأخرى، ليقابلوا خالقهم في النهاية: (یَـٰۤأَیَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ٱرۡجِعِیۤ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِیَةࣰ مَّرۡضِیَّةࣰ * فَٱدۡخُلِی فِی عِبَـٰدِی* وَٱدۡخُلِی جَنَّتِی)(٢)
إن كلمة “النفس المطمئنة” من الكلمات التي تستحق الوقوف عندها والتفكر فيها في هذه الآية. فواحدة من العلامات الأساسية للاطمئنان هي الثقة بالنفس، وبالتالي، يصف الله عباده السعداء الناجحين بمصطلح “نفس مطمئنة”، الأمر الذي يشير إلى حقيقة أن السعادة في هذا العالم وفي العالم الآخر تتوقف على امتلاك هذه السمة.
ثم يقول: إن أولئك الأشخاص الواعين بأنفسهم يدفعون عقولهم اللاواعية إلى تنمية قدر كبير من الثقة بالنفس. فمن خلال الاعتراف بقيمة نفسك وتقديرها يتم إرسال إشارة قوية إلى عقلك اللاواعي، مما يرسي الأساس للإيمان حقا بنفسك وقدراتك(٣).
ومن المقولات الجميلة المحفزة والإيجابية في هذا المجال:
– الكثير من الناس ينظفون بيوتهم و مكاتبهم، ولكن القليل منهم من ينظفون عقولهم من الأفكار السلبية (مايكل أنجلو)(٤).
– السعادة لا تتحقق في غياب المشاكل في حياتنا، ولكنها تتحقق في التغلب على هذه المشاكل (براين تريسي)(٥).
– لا تبحث عن سعادتك في الآخرين و إلا ستجد نفسك وحيداً وحزيناً، بل ابحث عنها داخل نفسك وستشعر بالسعادة حتى لو بقيت وحيداً(٦).
– لا تدع أحداً يقرر لك ما الذي تقدر على فعله أو تعجز. أنت من سيقرر هذا الأمر، فلا توكله إلى غيرك ما حييت!(٧).
ـــــــــــــ
(١) د. “على رضا أزمنديان” هو مؤسس المعهد الثقافي العلمي Padideh Fekr ( تكنولوجيا التفكير). ولد في إيران وسافر إلى أمريكا في عام 1985 ليحصل على درجة الماجستير في الإدارة الهندسية، ودرجة الدكتوراه في الهندسة والنظم الصناعية من جامعة جنوب كاليفورنيا. وبعد ذلك، عاد إلى إيران وعمل مدرسا بجامعة طهران، واليوم، يقوم “أزمنديان” بنشر رسالته في أكثر من ثلاثين دولة.
(٢) سورة الفجر، الآيات من ۲۷: ۳۰.
(٣) كتاب فكر في نفسك على أنك ناجح ، تأليف: د. علي رضا أزمنديان ، الطبعة الأولى – حقوق الترجمة و النشر و التوزيع لمكتبة جرير ،
ص ٨٨ – ٩٠.
(٤) كتاب شاحن الأمل ، تأليف: رؤوف شبايك، الطبعة الأولى ، دار قرطبة ، ص١٥٤.
(٥) نفس المصدر السابق ، ص١٦٠.
(٦) نفس المصدر السابق ، ص١٥٥.
(٧) نفس المصدر السابق ، ص٣٤.