[4] يا لثارات الحسين.. من الواقع إلى الفلكور قراءة في التاريخ والأدب والمجتمع
اتهام الأمويين.. وتجنُّب العباسيين
حبيب محمود
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً
يفرّجُ عنا الغمَّ والكُرباتِ
خروج إمامٍ لا محالةَ واقعٌ
يقومُ على اسمِ اللّه والبركاتِ
(دعبل الخزاعي).
من المفارقاتِ الغريبة في تائية دعبُل الخزاعي المعروفة؛ تركيزه على ثنائية “آل زياد” مقابل “آل رسول الله” في تلك القصيدة المتفجّعة. الرواية التاريخية تقول إن القصيدة أُلقيت بحضرة علي بن موسى الرضا، وهو الإمام الثامن عند الشيعة الاثني عشرية، والقصيدة في رثاء أهل البيت الذين قضوا ظلماً.
المفارقة تبرز في وضع مظلومية أهل البيت ضمن مسؤولية بني أمية فحسب:
ديارُ رسول اللّه أصبحنَ بلقعاً
و دارُ زيادٍ أصبحتْ عَمِراتِ
وآلُ رسولِ اللّه غُلَّتْ رقابهمْ
وآل زيادٍ غُلّظِ القصراتِ
وآل رسول اللّه تُدْمى نحورهم
و آل زياد زيّنوا الحجلات
ربما مارس دُعبُل تقيةً سياسية مدروسةً وهو يتفجّع على أهل البيت، سارداً أسماءهم واحداً واحداً، مُحاذراً المساس ببني العبّاس على النحو المباشر ذاته الذي مسّ به “آل زياد”. صحيح إن قصيدته ذكرت الصادق الذي يتهم العلويون أبا جعفر المنصور بدمه، كما ذكرت الكاظم الذي قضى في سجن هارون الرشد. إلا أنها ـ أي القصيدة ـ ذكرتهما ضمن القبور. لم تُشر القصيدة؛ لا إلى مضايقات المنصور للصادق، ولا سَجْن هارون الرشيد للكاظم، ووفاته مسموماً، طبقاً للرواية الشيعية على الأقل.
تتأكّد المفارقة، أكثر، حين ننتبه إلى وضع الإمام الرضا “العلَويّ” في زمن خلافة المأمون “العبّاسي”. كان وضعاً ملتبساً. فالمأمون أظهر موقفاً مغايراً لمواقف أسلافه العباسيين الذين نكّلوا بأبناء عمهم العلويين. عرض المأمونُ الخلافة على الرضا، فلمّا أباها أقنعه بولاية العهد.
وهكذا؛ بلغ الرضا ذروة الرضا في محيط الخلافة العبّاسية، وتهافت الشعراء على مديحه، مثله مثل سائر كبار المسؤولين في دولة المأمون. وعلى العكس من دولة هارون الرشيد وأبي جعفر المنصور؛ صرّح الناس بما في قلوبهم حيال أهل البيت بلا مواربة ولا تقيّة ولا خوف..
ورُويَ لأبي نواس في مديح الرضا:
قيل لي أنتَ واحدُ النّاس في
كلّ كلام من المقال بديهِ
فعلى مَ تركتَ مدح ابن موسى
والخصالِ التي تجمّعن فيهِ
قلت: لا اهتدي لمدح امام
كان جبريلُ خادماً لأبيهِ
ولا يمكن لعلويّ أن يُحمَل على هذه المدائح إلا بمباركةٍ سياسية. وعليه؛ فإن أدبيات كربلاء التي وُلدت في هذا العصر كانت محاذرةً، ومسكونة ـ فقط ـ بظلم بني أمية لآل البيت. أما ظلم بني العبّاس؛ فهو لم يُذكر إلا من خصوم العبّاسيين، وهو سوف تتناوله الحلقة المقبلة.