[كتاب] “منسك” الشيخ جعفر يظهر إلى النور بعد قرن من وفاته تحقيق المخطوطة ونشرها في 300 صفحة
القطيف: أمل سعيد
بعد وفاته بـ 100 عام، صدر مؤلَفه “نبذة من أحكام الحج“، المعروف سابقاً بـ “المنسك” في 300 صفحة. إنه الفقيه الشيخ جعفر بن أبي المكارم الشيخ محمد الستري البحراني العوامي القطيفي، المتوفى سنة 1342هـ ترك رسالة مخطوطة بيد حسن علي بن محمد بن حبيل الستري، إلى أن قيض له من قاما بتحقيقه والتعليق عليه وهما الشيخ سمير بن علي آل ربح وحفيد الشيخ نائب رئيس مجلة القافلة السابق محمد أمين بن الشيخ سعيد أبو المكارم، فكانت طبعته الأولى عام 1443هـ / 2022م.
واشتمل الكتاب على الإهداء والتقديم وسيرة حياة المصنِّف، التي جاءت في 61 صفحة، ثم سيرة مختصرة للسائل في 10 صفحات، يليها قراءة في المصنَّف وما احتوى عليه من مواضيع، وجاء القسم الأخير من الكتاب لتراجم العلماء.
عن المؤلف
فقيه إمامي جامع وعَلم بارز من أعلام القطيف والبحرين، انحدر من أسرة علمية عريقة توارثت العلم والفضيلة لقرون من الزمن، وما زال لها حضور وامتدادات في بلدان الخليج العربي لاسيما القطيف والبحرين والأحساء.
نهل المعرفة والأدب منذ نعومة أظفاره، على يد والده وأعلام أسرته، وفي سنة ١٢٩٥هـ هاجر إلى النجف وهو في مقتبل شبابه، فعكف على الدراسة والعلم 18 سنة، وفي سنة ١٣١٣ هـ عاد إلى بلاده ليؤدي دور العالم الملتزم، والفقيه المسؤول.
أقام الجمعة في بلاده في زمن كان الأكثر لا يرى إقامتها، وواجه المتاعب وتعرض للاغتيال غير مرة، حتى وافاه الأجل مسموما في مستشفى الإرسالية بالبحرين.
الشيخ سمير الربح
ولادته
ولد الشيخ جعفر بن أبي المكارم في 27 من شهر شعبان عام 1281هـ، وقد أرّخ ميلاده بعض أرحامه بقوله:
عمنا الله بخير دائم
وأزال الضيم عنا والضرر
بغلام طیب مولده
أرخوه (حَكَمٌ حقٌ ظهر)
نسبته
جاء في سلسلة نسبه:
التغلبي، نسبة إلى القبيلة العربية المشهورة.
والجدعلاني نسبة إلى (جد علي)، حيث أصول أسرته التي ما زالت باقية آثارها فيها إلى اليوم، وهي إحدى قرى البحرين المعروفة.
والستري نسبة إلى إحدى جزر البحرين المعروفة.
والعوامي نسبة إلى العوامية، حيث هاجر إليها جده عز الدين الشيخ عبدالله، وفيها مولده ونشأته وحياته.
والسيهاتي نسبة إلى مدينة سيهات، وهي موطنه الثاني في القطيف.
والمَهَزِّي نسبة إلى مَهَزّة إحدى قرى سترة المعروفة.
والقطيفي نسبة إلى القطيف المنطقة المعروفة.
والخَطَّي نسبة إلى الخط، بفتح الخاء المعجمة على الأشهر، والخط يمتد من جنوب البصرة إلى خليج عمان كاسم عام، وعلى منطقة القطيف كأحد أقاليم البحرين الثلاثة قديمًا وهي: هجر وأوال والخط.
والغروي نسبة إلى الغري وهي النجف الأشرف، ولعلها من باب التحصيل العلمي، أو من باب الإقامة فيها ثماني عشرة سنة.
محمد أمين أبو المكارم
أسرته
من الأسر العلمية في الخليج، التي كان لها دور مميز وبارز، ساهمت في تطوير الحركة العلمية والثقافية في منطقة الخليج،
وكذلك كان لهم دور واضح في النهوض بالفكر الإسلامي نتاجا وعطاءً على جميع الأصعدة العلمية.
برز منها فقهاء كبار منهم:
فقيه البحرين الشهير الشيخ عبدالله (۱۱۸۷ – ۱۲۷۰هـ بن الشيخ عباس المعروف بالمُقَلَّد ).
الشيخ عبدالله بن نور الله صاحب عوالم العلوم.
والشيخ علي بن الشيخ عبدالله صاحب منار الهدى.
والشيخ علي سعد الدين (الربيعي).
ومنهم جد المترجم عز الدين الشيخ عبدالله بن تاج الدين الشيخ أحمد، وهو أول من هاجر من أوال إلى القطيف وأقام فيها في الستينيات من القرن الثالث عشر الهجري، إلا أن ذريته توزعت بشكل رئيس بين القطيف والبحرين.
وقد انحدر منها العديد من العلماء الأعلام الذين أسهموا بدور بارز في الحياة الدينية والثقافية والأدبية والاجتماعية في المنطقتين:
ابنه الشيخ محمد الملقب بأبي المكارم
والشيخ جعفر بن الشيخ محمد (المترجم).
وإخوته الشيخ علي بن الشيخ محمد.
والشيخ أحمد بن الشيخ محمد.
والشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد.
ومنهم ابن المترجم الفقيه الشيخ علي بن الشيخ جعفر.
والفقيه الشيخ محمد بن الشيخ سلمان الستري
أوصافه
كان رحمه الله طويل القامة، وسيم الطلعة، وقد نقل الخاقاني في شعراء الغري وصف صاحب الحصون المنيعة له بقوله: “كان رجلا طوالا، وقد رأيناه أديبا منطيقا لبيبًا حسن المحاورة “، بينما وصفه المبارك بقوله: “رأيته وسيمًا جميلا لم أرَ أجمل منه ولا أحسن هيئة”.
أساتذته ومجيزوه
إشارة المبارك إلى إجازته من الشيخ محمد علي الستري توحي بتلمذته عليه، أما في القطيف فمن المؤكد أن أبرز أساتذته والمؤثرين في كينونته العلمية وتكوينه الثقافي قبل رحيله النجف هما والده أبو المكارم الشيخ محمد، والشيخ أحمد آل طعان.
ثم رحل بعدها إلى النجف وأقام فيها 18 سنة، وكان أبرز أساتذته فيها:
السيد محمد بن السيد محمود العاملي.
والشيخ محمد حسين الأصفهاني.
والشيخ علي بن الشيخ حسين آل شبير الجزائري.
أما مجيزوه فهم:
والده الشيخ محمد أبو المكارم، والشيخ أحمد آل طعان والأصفهاني، والشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم آل عصفور، إضافة إلى الشيخ عيسى المحمري، والشيخ محمد علي الستري.
مكانته
أسهب الكتاب في ذكر مكانة الشيخ رحمه الله على ألسنة العلماء والأدباء والمؤرخين، منها ما قاله الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني: “مجتهد فاضل، عالم كامل متتبع مؤلف كثير البحث والتصنيف، ورع … بلغ مرتبة عالية من الاجتهاد والمعرفة، واستقل بالتدريس والبحث، وبعد سنين انتقل إلى مسقط رأسه، وتصدّى للقضايا الدينية والمسؤوليات الشرعية، والإمامة والإرشاد والخطابة والهداية… له ما يربو على أربعين مؤلفا في مختلف المواضيع والبحوث الدينية”.
التبليغ والوعظ والإرشاد
من اللافت في سيرة الشيخ، ممارسته الخطابة المنبرية الحسينية في المآتم، وذلك غير متداول بين الفقهاء في المجتمعات الشيعية العربية، وإن كان يحدث من قبل بعض الفقهاء في إيران.
أما في الحوزة العلمية النجفية وامتداداتها، فكان هناك فرز بين الخطباء المنبريين والعلماء الفقهاء، وكان ينظر إلى الخطابة على أنها ممارسة لا تليق بمقام العالم، ولا ينبغي أن ينشغل بها.
وإدراكا من الشيخ لأهمية هذا الدور تصدى بنفسه للقيام به، فكان يرتقي المنبر في مناسبات وذكريات أهل البيت، وقد استغل بعضهم ذلك للانتقاص من مقامه ومكانته العلمية، لكن إخلاصه وشجاعته سمت به عن التأثر بتلك الضغوط والإساءات.
التدريس
ذكر الأميني أنه مارس التدريس، ضمن مستوى البحث الخارج، لعدة سنين في النجف الأشرف، قبل أن يعود إلى وطنه، وبعد عودته واصل التدريس بالرغم من انشغاله بالمهام الدينية والاجتماعية، وقد تتلمذ على يديه أعلام فضلاء.
التأليف
قدَّم الشيخ جعفر لعالم المعرفة والأدب مجموعة قيمة من المصنفات والمؤلفات تجاوزت الـ50 مؤلفًا في شتى أبواب المعرفة منها العديد من الرسائل العملية ومنسك مختصر، وكتب فقه استدلالي وأخرى في الأصول والفلسفة والمنطق والبيان والفلك وسلسلة في تاريخ أهل البيت وديوان شعر ضخم قلما أنتج فقيه مثله، وغيرها.
وفاته
توفي الشيخ جعفر في ١٣ من محرم الحرام سنة ١٣٤٢ هـ، في البحرين، في مستشفى الإرسالية الأمريكية، ووردت أقوال من معاصريه أنه مضى فيها شهيدًا مسموما.
ودفن الشيخ جعفر في الماحوز المعروفة الآن بأم الحصم، وله فيها مزار معروف.
ممن أبّنه
أبنه عدد من العلماء والشعراء وعدَّدوا مناقبه، ولحق بركبهم عدد كبير من الأدباء والشعراء والمفكرين كان من بينهم:
حفيده أديب عبدالقادر أبو المكارم
حيث قال
وتصوغ مِنْ بيت القصيدِ كواكبًا
تزهو وعُنوان القصيدة (جعفر)
وبِكُلِ قافيةٍ تراكَ قصيدةً
عصماء أبدعها الأديب الأجدر
يا أيها القديس قلبكَ مسجد
فيهِ الجَوارح سجدًا تستغفر
وبكل عضو مِنكَ صوتُ تِلاوة
والفكر فيها خَاشِع يتدبر
وبعينك الدَّعواتُ تمتشقُ السما
وتعودُ دمعاتٍ بخدِكَ تُهمر
وبجانحيكَ الطُّهر سال تدفقا
وكأَنَّه لذوي الطَّهارة أنهر
سبب تأليف الرسالة
كما ذكر مؤلفها: “كتبت هذه الرسالة استجابة لطلب الأمجد حسين بن المكرم الشيخ نصر بن المحترم الشيخ علي بن الشيخ عبد الرحيم”؛ هكذا ورد في هامش الرسالة بخط المصنِّف.
وقد أفرد المحققان للسائل 10 صفحات من الكتاب تبدأ من 75 حتى صفحة 84.
وكتبت الرسالة في 27 من شهر شعبان 1320هـ، وعدد صفحاتها 15 صفحة كما كتبها المؤلف رحمه الله.
وجاءت الرسالة لتلم بالمواضيع المتعلقة بالحج؛ فجاء فيها:
شروط وجوب الحج وأنواعه، وأحكام الحج وشعائره، والأدعية الخاصة والزيارات، وآداب طواف الحج والسعي.
إعادة بعث الكتاب
بدأ العمل على تحقيق هذا الكتاب عام ١٤١٥هـ، على يد سمير بن علي آل ربح ومحمد أمين أبو المكارم.
وقد أُنجز العمل حتى شارف على الانتهاء، ولم يتبق سوى مراجعته ووضع اللمسات الأخيرة عليه وإخراجه إلى النور، غير أن ظروفًا حالت دون ذلك.
وبعد كل تلك السنوات، شاء الله أن يبعث المشروع من جديد، بتشجيع من الحاج علي أفضل بن الحاج عبدالكريم بن الشيخ علي، وهو أحد أحفاد المصنف، فكان لزامًا العودة إلى نقطة البدء والتحقق من كل خطوات العمل السابقة، لاسيما بعد مرور أكثر من عقدين من السنين، انتقل فيها إلى الرفيق الأعلى بعض الفقهاء الذين استلهم المحققان آراءهم .
لذلك أعيدت الكَرَّة في دورة العمل، وقاما بخطوات عدة حتى خرج المصنف بهذه الصورة التي هو عليها الآن.