[2] يا لثارات الحسين.. من الواقع إلى الفلكلور..! قراءة في التاريخ والأدب والمجتمع
معضلة المختار الثقفي
فقُلْ لِبَنِي أُمَيَّةَ حَيثُ حَلُّوا
وإن خِفتَ المُهَنَّدَ والقطِيعَا
أجَاعَ اللهُ مَن أشبَعتُمُوهُ
وأشبَعَ مَن بِجَورِكُمُ أُجِيعَا
وَيَلعَنُ فَذَّ أُمَّتِهِ جِهَارَاً
إِذَا سَاسَ البَرِيَّةَ والخَلِيعَا
بِمَرضِيِّ السِّيَاسَةِ هَاشِمِيٍّ
يَكُونُ حَيَاً لأُمَّتِهِ رَبِيعَا
وَليثاً فِي المَشَاهِدِ غَيرَ نِكسٍ
لِتَقوِيمِ البَرِيَّةِ مُستَطِيعَا
قفزت فكرة “ثأر الحسين” من واقع ما حدث في كربلاء إلى التفكير الشيعي، متغذيةً من الواقع الذي ضاق بالناس في العهد الأمويّ. وإلى حدٍّ عمليٍّ واضح نجحت في حركة/ ثورة المختار الثقفي الذي ثأَرَ عمليا، وانتقم لبني هاشم، من قاتلي الحسين وأنصاره.
لكنّ فكرة الثأر سرعان ما انزاحت، لتتداخل وفكرةً أخرى، هي فكرة “المنقذ” الآتي من السلالة الهاشمية. امتزجت الفكرتان في عهد مبكّر من تاريخ الشيعة، وسط قلاقل سياسية وأمنية خطيرة قبيل سقوط الدولة الأموية وبُعيد صعود الدولة العباسية.
تمسّك الشيعة بعقيدة “الإمامة” (مقابل الخلافة)، وتطلّعوا إلى ثائرٍ يُعيد الأمور إلى نصابها عبر “مرضيٍّ السياسة هاشميّ” على حدّ تعبير الكميت بن زيد. وقد وجد بعض الشيعة “مرضيّ السياسة” في شخص زيد بن علي بن الحسين (66 ـ 122هـ)، فيما وجد آخرون ذلك في شخص محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن المعروف بـ “النفس الزكية” (100 ـ 145).
وكلا الرجلين تحرّك وثار.. وقُتل.
على ذلك؛ لم تخبُ الفكرتان المتّحدتان، حتى حين انشطر الحراك الهاشمي ضدّ الأمويين إلى علويٍّ وعبّاسي. بل وجد الطرف العبّاسي فرصته للاستفادة من ضحايا الطرف العلَوي، فصعد متسلّقاً جُثث أبناء عمّه وأنصارهم رافعاً راية “يا لثارات الحسين” في وجه الأمويين.
ومثلما كان المختار الثقفيّ ثائراً ممّن قتلوا الحسين بأيديهم؛ جاء العبّاسيون ليثأروا من “الدولة” ذاتها، الدولة الأموية، على الرغم من العقود الطويلة الفاصلة بين واقعة كربلاء سنة 61 هـ، وبين تأسيس الدولة العباسية سنة 125هـ.