مطلق العنزي يكتب: الأخلاقيات الصحفية.. الفريضة الغائبة

مطلق العنزي*

صحفيون كثيرون في العالم وأغلب الصحفيين في الوطن العربي، لا يحسنون أداء مهماتهم بصورة احترافية مهنية. وبعضهم، وإن عمّر سنيناً مما تعدون، في غرف الأخبار، ليس له من صحفيته إلا التعب و«الملاججات»، وأحياناً يكون مجرد عارض تعبيرات سيئة وركيكة ومعلومات مشوهة أو مسمومة.

الصحافة الاحترافية تتطلب عناصر أساسية. والصحفي المحترف «يجب» أن يتحلى بالمهارات التي تتطلبها هذه العناصر، وذلك فرضٌ مهني وليس ترفاً أو فضلا أو تجملاً.

الأخلاقيات المهنية، هي عنصر أساسي في المهنية الصحفية، لكنها، مع الأسف، تتواضع أو تختفي حينما يجهلها الصحفيون أو يتجاهلونها، أو يستخفون بها.

القوانين والأنظمة تسنها الدول لحماية الناس وحفظ كراماتهم، لكنها لا تشمل كل تفاصيل الحياة، لهذا تقدم الاخلاقيات الصحفية المهنية حماية إضافية للناس تمتد إلى ما تقصر القوانين عن تغطيته.

وفي رأيي لن يكون الصحفي مهنياً، إن لم يفقه الأخلاقيات المهنية. ويكون صحفياً كسيحاً إن لم يتقن مهاراتها، ولم يسع للتوسع في ثقافتها وفلسفتها. ويكون كائناً خائناً للمهنة إن لم يلتزم بالأخلاقيات أو إن استخف بها.

ومن الأخطاء الفادحة التي يرتكبها الصحفيون أنهم يخلطون بين «الصحافة» (رصد الحقائق) و«النشاط» (الرأي)، ربما لأن الصحافة (الخبر والتقرير والتحقيق مثلاً) تجاور النشاط (كتابة الرأي) في الصحف أو في منصة واحدة في المواقع الإلكترونية.

وحينما يحرر الصحفي خبراً أو تقريراً أو تحقيقاً بمهنية منزوعة الميول، فهو يؤدي عملاً صحفياً. وحينما يكتب مقال رأي فهو يمارس نشاطاً وليس صحافة.

أغلب الناس، والصحفيون المتواضعو المهنية، يعتقدون أن الصحفي المهني يقدم كل الحقائق التي يعرفها، إذا تمكن، وهذا خطأ. لهذا يرتكب الصحفيون، في الوطن العربي والعالم، انتهاكات أخلاقية بشعة، وبالذات حينما يتحيزون عاطفياً لقضايا بعينها. لأنهم يعجزون عن الفصل بين المهنة والعاطفة. وهذا في الواقع، يجعل الصحفي يتبرع بارتكاب الغش بحق متلقيه، ويزودهم، تعمداً، بمعلومات «مفلترة» أو معلومات منقوصة ومشوهة.

الصحفي المهني يقدم «الحقيقة الصحفية»، وهي حقيقة بـ«ضوابط» مهنية وقانونية وأخلاقية. بمعنى أن الصحفي المحترف، في أحيان كثيرة وفي معظم أدائه اليومي، يمتنع، لأسباب قانونية أو أخلاقية، عن نشر حقائق يعلمها ويضطر لحذف معلومات مهمة حقيقية مؤكدة. وهذا ليس تضليلاً للمجتمع أو حجباً مزاجياً للمعلومات بل هذا خدمة للمجتمع باحترام القانون أو تطبيقاً لقواعد الأخلاقيات المهنية والتزاماتها، حماية للأبرياء من الإيذاء، إذا كانت هذه المعلومات تضر بأبرياء أو تشهر بهم أو تطعن بذممهم أو أعراضهم.

ــــــــــــــــــــــ

*نائب سابق لرئيس تحرير «اليوم»

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com