مدينة بنت خزام.. “كسرت خاطرها” معلّمة بسبب “كوسة”.. فخسِرت مستقبلها عوّضت خسارتها في أبنائها وبناتها.. تعلّموا وعملوا ونجحوا
القطيف: شذى المرزوق
كانت من أوائل الطالبات اللائي التحقن بمدرسة بنات القطيف، في مقرّها الثاني “حسينية الزرَيْب” في قلعة القطيف، سنة 1378هـ. واستمرّت حتى سنة 1383هـ. وفي يوم خوضها الامتحان في الدمام، برفقة زميلاتها الأخريات؛ صُدمت بموقف جارحٍ، وكُسِر خاطرها، وهي اليتيمة، أمام زميلاتها.. فقرّرت ألّا تعود إلى الدارسة بعد ذلك اليوم.. وهكذا قضى تهوُّر معلّمة على مستقبلها الدراسي.
مدينة مهدي علي آل خزام، شقيقة الشاعر السعودي المعروف عباس خزام (1933 ـ 2007). وفي القطيف؛تُدلّل من اسمها “مدينة” باسم “مدّان” أو “مدُّون”. علمت “صُبرة” بقصتها أولاً من شهادة زميلتها بتول بنت السيد حسن العوامي، في سياق سردها لأسماء الطالبات الأوائل التي التحقن بالمدرسة.
الشاعر عباس خزام
وحين التقتها الصحيفة بمنزلها في حي الحسين، هذا الأسبوع، وقفت على تفاصيل دراسة “الفتاة” التي توفّي والدها وهي في عمر عام واحد، ثم تُوفّيت والدتها وهي في سن العاشرة. ولأنّها يتيمة؛ احتواها شقيقها الأكبر “حسن”. وحين سمع باتفاق بعض شخصيات “القلعة” على تدريس بناتهم؛ دفع بأخته الطفلة لتذهب يومياً إلى حسينية “الزرَيب”.
لم يكن وضعه المادّي ميسوراً، كما هو حال الآباء الآخرين، ومع ذلك؛ أصرّ على تعليم شقيقته اليتيمة، على الرغم من وجود موجة اعتراض اجتماعي على فكرة تعليم البنات في مدارس. كما أن والدته لم تكن راضية في البداية، وبعد محاولات إقناع شاركه فيها شقيقه الشاعر عباس؛ تراجعت الوالدة عن اعتراضها، وسلّمت لابنها الأمر؛ وهكذا كانت “مدّان” من أوائل فتيات القطيف اللائي شممن رائحة الطباشير، وكتبن في الكرّاسات.
حسينية الزريب.. حالياً 2022
قبل الزريب
وتروي “مدان” بدايتها في التعليم، قبل المدرسة؛ تعلّمت القرآن عند “معلمة” لم تعد تتذكر اسمها. وهذا النوع من التعليم كان شائعاً، والفتيات لا يدرسنَ فيها أكثر من القرآن الكريم، ثم يتدرّبن ليكنّ “ُملّايات”. وفي الفترة نفسها؛ بدأت تشجّع آباء في قلعة القطيف، وأرسلوا بناتهم في حسينية العوامي. وقد أثارت الفكرة أخاها حسن الذي أصر على أن تتلقى تعليمها كما بقية البنات من عائلات العوامي والخنيزي والجشي، وغيرهن “ولكن والدتي رفضت إخراجي من المعلمة إلا بعد إتمام دراستي القران كاملاً”، كما تقول.
تضيف “بعد الحاح واصرار من أخي حسن التحقت بالطالبات وكنّ وقتها في حسينية الزريب، حيث بدأت الدراسة أهلية وبرسوم.. ثم انتقلنا إلى بيت القفاص خارج القلعة، ثم عمارة القطري في باب الشمال.
الأقساط الشهرية
ولا تتذكّر “مدان” شيئاً عن قيمة القسط الشهري للدراسة.. كل ما تتذكره هو أن “حسن” تكفل بكل مستلزمات تعليمها وأقساط دراستها. لكنها تقول “أتذكر أول مريول لبسته باللون الأبيض ثم لبست مريول آخر باللون الأزرق بعد أن تحولت الدراسة إلى الحكومية”.
معلمات وزميلات
وتتذكر من المعلمات “معلمة اسمها ميسر، وأخرى اسمها حكمت، والمعلمة صفية”. ومن الزميلات تتذكر “بتول السيد حسن العوامي، وبهجة السيد علي العوامي، وفوزية وفرودس محمد سعيد الخنيزي، وسعاد المصطفى، وسعاد الجشي، ووداد أبو السعود، وأختها مليحة أبو السعود، ووجيهه البيات، وسعاد الجشي، وهناي الجشي، وأنيسة الشماسي، وفوزية علي البيش”.
كنّ معاً من أوائل الطالبات لكن مع اختلاف مستويات التعليم والصفوف الدراسية، “وصلتُ إلى الصف الرابع بعد تحول الدراسة إلى حكومية، وهي الدفعة التي ضمت بتول السيد حسن العوامي وفردوس محمد سعيد الخنيزي، وقد أكلما إلى الصف السادس الابتدائي”. وهنا وقعت المشكلة التي بسببها خسرت “مدّان” مستقبلها في التعليم.
وتقول زميلتها بتول السيد حسن العوامي عن يوم الامتحان الذي تمّ سنة 1383هـ “أتذكر حالنا، ونحن نركض إلى الباص عصر ذلك اليوم لأداء الاختبار، حيث استقبلتنا معلمتان، وأدينا الاختبار، وكان هناك اختبار في مادة التدبير، ومن دفعتنا كانت مدينة بنت خزام، وكان الاختبار عملياً، ويدور حول سؤال كيف تقومين بحشو الكوسة؟”.
وتتابع العوامي “ما زلت أتذكر موقف المعلمة التي نهرت مدان بشدة، لأنها ارتكبت خطأً بسيطاً.. هو تقشير الكوسة قبل تقويره، فالمفترض أن تقوم بحفر حفرة الحشوة في وسط الكوسة فقط، دون تقشيرها، هذا الخطأ أوقع مدان في موقف حرج جداً، فنهرتها المعلمة بطريقة مبالغ فيها، تعقدت الطالبة، وخرجت من الاختبار، ولم تعد إلى صفوف الدراسة أبداً بعدها”.
تعلّق العوامي “خسرت التعليم في حياتها والسبب كوسة”.
المعلّمة چعَمَتْني..!
“مدّان” أكّدت القصة كما روتها بتول.. وعلّقت “كنت طفلة مدللة لوالدتي التي توفيت وأنا في عمر 10 سنوات، وقبلها توفي والدي وأنا في عمر سنة فقط”.. وبسبب قسوة اليتم “تكفل أخي حسن بي وبأخوتي، لكني كنت الأكثر نصيباً من دلاله، وخوفه علي، وتكبد العناء لتعليمي، كان يعمل مُراسلاً في احدى المدارس الحكومية للبنين، ويقتطع من راتبه مبلغاً لسداد رسوم تعليمي”.
تضيف “معلمة التدبير المنزلي چعمَتْني وضربتني، وخرجت من الاختبار باكية، وكان أخي ينتظرني في الخارج، فتقدم بشكوى على المعلمة في الرئاسة لمعاملتها السيئة، وجرى فيها إجراء تأديبي لا أتذكره لكنني أتوقع أنه كان تعهداً، ومع ذلك لم ينفع ذلك بتهدئتني فقرّرتُ ألّا أعود إلى المدرسة.. وهذا ما حدث.
حسن خزام.. شقيق “مدينة” الذي تكفّل بتعليمها
حياة جديدة
تغيّرت حياة “مدّان” وحين بلغت الـ 16 من العمر، تزوجت وسافرت مع زوجها إلى الكويت، وهناك أنجبت أبناءها كلهم..، وقد حاولت إكمال دراستها في الكويت، ولكن زوجها رفض نظراً لصغر سن الأطفال وعدم وجود من يساعدها هناك.
بيت القفاص خارج القلعة.. حيث درست بنات القطيف
العودة للبداية
بعد 25 سنة “مدّان” إلى القطيف؛ وعادت إلى المدرسة، ولكن طالبة “محو أمية” في المدرسة الواقعة في الشويكة، ولأن كل أوراقها وشهاداتها كانت قد ضاعت اضطررت إلى تتعلم من البداية، وتخرجت من الابتدائية بتفوق، واكتفت بهذا القدر من التعليم. لكنّ تعليمها شجّعها على أن تكون حازمة في مسألة تعليم أبنائها وبناتها.
تزوجت “مدّان” المرحوم علي جعفر نور الدين، الذي أخذها معه للعمل في المنطقة المحايدة، وقد توفي بعد عودته، عام 1426، وقد أنجبت منه:
- آسيا: درست في الكويت ثم أكلمت الدراسة في المملكة: ممرضة.
- وسام: موظف إداري، إدارة تعليم المنطقة الشرقية.
- نديم: قيادي إداري في شركة مروج، الرياض.
- زهير: رقيب متقاعد، حرس الحدود.
- حسين: معلم رياضة، الدمام.
- سامر: معلم اجتماعيات، الدمام.
- جعفر: رقيب، الدفاع المدني.
- أحمد: القطاع الخاص.
- شذى: القطاع الخاص.
- سمية: القطاع الخاص.
- سميرة: ممرضة، الخبر.
چَعَمْ ـ كعَم
أصل الكلمة فصيح، ومعناها في القطيف خوّفه حتى خرس.. أو نهره، أو أسكته.. وجاء في المعاجم التالي:
-
كَعَمَ: (فعل)
-
كَعَمَ كَعْمًا فهو كَعِيمٌ، ومَكْعوم
-
كَعَمَ البعيرَ : شدَّ فاه في هِيَاجه لئلا يَعَضَّ أَو يأْكل
-
كَعَمَ الوعاءَ: سدَّ رأْسَه
-
كَعَمَ الخوفُ فلانًا: عَقَلَ لسانَهُ عن القَوْل
-
اقرأ أيضاً
[وثيقة] قبل 64 سنة.. أسماء 16 طالبة دفعن قسط ذي القعدة لمدرسة القطيف الأهلية