كنت أكره الرواية
نسيمة السادة
إنه عصر إنتاج الرواية العربية بامتياز، هذا ما نلاحظه من الوهلة الأولى عند دخولنا معرض الكتاب الدولي بالرياض. فالإقبال عليها وتنوع أفكارها وتوجه الزوار إلى اقتنائها لهو دليل على ازدهارها وقربها من القارئ السعودي.
تذكرت طفولتي ورحلة البحث عن الهوية والكتاب وروايات أجاثا كريستي وافتقاري الدائم لروايات لها علاقه بواقعنا وتلامس بيئتنا، وافتقار المكتبة العربية للرواية الجيدة والمنافسة للروايات الأجنبية المترجمة آنذاك، أما الآن فمن كثرتها اختلط الغث بالسمين وأصبح الباعة في معرض الكتاب يحرجون عليها بل ويسوقون لها بكلام جاذب وتشويق فج بل قد يذهب البعض إلى إفسادها وتحويلها من أدب جميل وفن إلى حكايات سردية بالعامية تفقد القارئ متعة التمتع بالصور الجمالية والإبحار في عالم الخيال والمجاز إلى حكاية تقال و تنسى، برأيي أن الرواية فن الإبداع والصورة والتركيب، فن ينقل الحقيقة بشكل من الخيال، ينعش الفكر ويغذي الجمال في التصور، ولكن اختيارها والتسويق لها لا يتناسب وقوتها الفكرية.
هي صورة فنية جاذبة بالذات للأجيال الجديدة تحول المشهد إلى شكل ثلاثي الأبعاد له لون وطعم ورائحة وزمن، يسرح فيها القارئ مع شخوص الرواية ويعيش معهم أينما كانوا يتألم بألمهم ويضحك معهم ويسعد لسعادتهم.
إن معرض الكتاب الدولي بالرياض محطة سنوية نشتاق لها كل عام. أوجه الشكر لمنظميه لأنهم حولوه لساحة رائعة للتعرف عن قرب مع كُتّاب بهرونا بروعة نسيج رواياتهم بل ويدخلنا لقائهم في فهم ما وراء الرواية وكيف ولدت، كان هذا شعوري وأنا استمع للروائية الأوكرانية الحاصلة على جائزة نوبل للرواية (ستيفلانا أليكسييفيتش) والتي نظمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة التابعة لوزارة الثقافة وعلى رأسها الأستاذ الروائي محمد حسن علوان، حاورها أدبيا وفكريا الدكتور خالد اليحيا والذي صبغ بلغته الجميلة جفاف ترجمة اللغة الروسية للمؤلفة.
رواية خلف روايات كتبتها (ستيفلانا) فكل كلمة كانت إفادة من شهود وكل تعبير هو نقل لمعاناة عايشتها في حقب الحروب بدأتها بانفجار (صلاة تشرنوبل) وأنهتها ب(آخر الشهود). كمية من الألم تحولت إلى كلمات تفيض به وتنقله أميالا لقراء من ثقافة أخرى ولغة أخرى متلبس بمستوى من الحرية التي تزيدها ألقا. ذلك برأيي أسمى أنواع الفنون والذي يُملّك القارئ ممالك الخيال ويقيم صلة مع العالم بواسطة التخيل وتسهم في فهم العالم المرسوم ولكنها ليست مرآته.
الرواية حياة لأشخاص تمتزج أحيانا بالأفكار، لكنها نظرة تركيبية للشخوص وتحولاتها على مدى الأحداث، إننا نجحف الرواية حقها إن نحن سردناها حكاية، وسوقناها كبضاعة. بل يجب علينا الاحتفاء بها ودراستها والنقاش حولها، فإذا تحملت الرواية هذا العبء حينها تستحق مسمى رواية. فلا تستغربوا حينما أقول لكم أني كنت أكره الرواية وأستخف بها.