ميرزا الخنيزي.. “الأستاذ” رحل ولم يُدوّن أحد تاريخه عاش 84 سنة.. انخرط في الشأن العام شاباً.. قضى ربع حياته الأخير في الظل

القطيف: صُبرة

عاش فورة شبابه وعنفوانه “ملء السمع”، كما يقول ابن عائلته كامل الخطي. و “المرحوم يُعدُّ أحد رجالات العمل الوطني منذ خمسينيات القرن الماضي”، كما كتب زكي أبو السعود. ومارس “النضال النقابي والوطني والقومي، وقدم في سبيل ذلك التضحيات الجسام”، وهذا الوصف لابن عمه؛ نجيب الخنيزي.

ميرزا صالح حسن علي الخنيزي؛ انتقل إلى رحمة الله، ظهر أمس الجمعة بصمت، تاركاً 84 عاماً؛ ربعها الأخير في الظلّ؛ متأثراً بتبعات جلطة دماغية.

الخنيزي المولود من أسرة دينية في قلعة القطيف؛ تعامل مع الشأن العام؛ منذ شبابه الأول، وكان ضمن المشاركين فيما عُرف بـ “الحركة العمالية” التي واجهات مشكلات أرامكو مع عمّالها السعوديين، سنة 1956م، واستمرّ في التعاطي مع الشأن العام؛ حتى عام 1969م، لتتجه بوصلة تركيزه إلى أسرته، فعمل في بعض الوظائف الحكومية، قبل أن ينتقل إلى القطاع الخاص في العمل المصرفي، وبقي حتى تقاعده في شركة الراجحي التي كان يشغل منصب مدير فرع القطيف فيها.

ذاكرة مهملة

ورثاه كامل الخطي في صفحته بـ “فيس بوك”، وقال عنه إنه “شغل ورفاقه حيزًا من تاريخ التحول الاجتماعي الحديث”، معرباً عن أسفه بأنه “مضى وخلّف وراءه ذاكرة قوضها الإهمال”.

وأضاف “سوف يُؤبن ميرزا وسيرثى شأنه شأن الذين رحلوا قبله والذين سيرحلون بعده؛ حيث إننا نجيد فن التأبين والرثاء، ولا نجيد التدوين الموضوعي لتاريخنا الاجتماعي؛ لذلك فالأرجح أن تاريخ الرجل الذي بدأ مع انطلاق الحركة العمالية في خمسينيات القرن العشرين، واستمر حتى منتصف عقد السبعينيات من ذات القرن، سيذهب طي النسيان، فالروايات الشفوية ليست وعاءً حافظًا للتاريخ، ومن يريد إبقاء الذاكرة حية، عليه بتدوينها”.

مباديء وقناعات

أما رفيق دربه الآخر، زكي أبو السعود؛ فقد كتب منشوراً مطولاً في “فيس بوك”، وقال عنه “قضى جزءا كبيرا منها في ممارسة العمل الوطني الصعب والمكلف”. وقال عنه “أحد رجالات العمل الوطني.. ولم تثنه الأثمان الباهظة التي دفعها من سنين عمره وهو في مقتبل العمر على التخلي عن مبادئه ومثله وقناعاته وإخلاصه للوطن وسعيه لتقدمه ورفاه شعبه وأمته”.

أبو السعود نوّه بـ “تواضعه وبساطته والتصاقه بالناس البسطاء وتبنيه الشخصي لقضاياهم”. ومعلوماتياً؛ كتب أبو السعود إن الراحل الخنيزي “لم يحصل على تعليم جامعي، ولكنه بتعليمه المدرسي مارس التعليم في خمسينيات القرن الماضي حينما كانت مهنة التدريس لا تتطلب شهادات عليا، وظل لفترة من الزمن يلقب بـ “الأستاذ” من قبل من درسهم في تلك السنين المبكرة للتعليم في السعودية”.

ورأياً؛ عاد أبو السعود ليصف الراحل ليكتب “دفعه حسه الوطني وأمانيه في تقدم الوطن ونهضته [إلى] ألا يبقى أسيرًا لنهج واحد في بحثه عن أي طريق يسلك لبلوغ تلك الاماني العظام”. وأضاف “كان دؤوباً وحريصاً على تثقيف نفسه والارتقاء بمستواه الفكري وتطوير ذاته، وهذا ما قاده لأن يكون بين اوائل من سلك مسار الانفكاك من دائرة الفكر القومي التقليدي والجمود العقائدي، وتبني التوجهات الفكرية الحديثة في الفكر القومي العربي أملا [في] أن يجد في مضامينها جواباً للسؤال الذي بقي متوقدا في اعماقه: ما هو السبيل للخروج من قيود التخلف وكيف نحقق النهضة والتقدم في بلادنا العزيزة..؟

وأشار أبو السعود إلى “العثرات التي واجهته، والصعوبات التي حاصرته وحاصرت اسرته وارغمته على تكييف نفسه مع ظروف الحياة العسيرة”، وأكمل “لم يتخلَّ أبو نضال عن أحلامه الكبيرة، ولم يغلق الأبواب على عقله وضميره وينظر للماضي كتجربة عفوية ومراهقة سياسية لا قيمة لها، وظل متمسكاً بما آمن به، حريصاً على ألا تبعده صعوبات الحياة وإغراؤها عن التخلي بما كان يراه واجباً مستحقاً”.

كما أشار أبو السعود إلى سنوات مرض الراحل؛ فهو “لم يعش حياته راثياً حظه المنكود لما أصابه. وظل يقاوم آثار المرض، ويكرر المحاولة تلو الاخرى بعزيمة المكافح الصلب القابض على الأمل بأن عودته لوضعه طبيعي أمر ليس بالمستحيل، مستنداً على دعم وتشجيع رفيقة عمره وابنة عمه السيدة بدرية باقر الخنيزي (ام نضال) التي لم تتوانَ عن رعايته والسهر عليه طوال هذه السنين دون ان تكل أو تمل. وفي نفس الوقت بقي حريصا على متابعة ما يجري من حوله من أحداث داخلية وعالمية، يقيمها من قناعاته ورؤاه النبيلة المعادية للظلم والعدوان ولكل ما يثير البغضاء والفرقة بين الشعوب”.

وقال “لا يمكن لمن عرف أبا نضال عن قرب وعرف مقدار صدقه وطيبته وحبه للناس وحسن معشره أن ينساه أو أن يختفي من وجدانه ومن ذاكرته أسم ابي نضال، فقد كان انساناً لا ينسى. وحينما يتحدث هؤلاء عن ميرزا الخنيزي سيذكرونه كعلم من أعلام الكفاح الوطني لخير وسمو هذا الوطن العزيز ورقي شعبنا الكريم، ولكن وللأسف الشديد لن تكون سيرته العطرة الثرية بتجاربها موثقة ومحفوظة في صفحات الجانب الآخر من السجل التاريخي للوطن ليعرفها الكل ويتعلمون منها دروسا في حب الوطن”.

وطني بارز

أما ابن عمه نجيب الخنيزي؛ فقد كتب رثاءً مقتضباً أشار فيه إلى وفاته “في المستشفى العسكري في المنطقة  الشرقية”، واصفاً إياه بـ “الشخصية الوطنية البارزة”، ومشيراً إلى “انخراطه مبكراً، منذ الخمسينيات من القرن المنصرم في  النضال النقابي والوطني والقومي، وقدم في سبيل ذلك التضحيات  الجسام”.

وأضاف “نحن على ثقة بأن نضاله وتضحياته ستظل راسخة  في وجدان وذاكرة الوطن والشعب على مر السنين”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×