مِـلاكُ الجدارة
إبراهيم الزين |
قد يتقلد الإنسان منصباً، وقد يمتهن وظيفة رسمية، وقد يمارس هواية، أو يملك موهبة بالفطرة، وخلاف ذلك مما تسوقه الحياة في طريقه عرضاً أو قدرا.
السؤال هو: أين تقع الجدارة بين مختلف هذه التوجهات أوغيرها والتي ربما يجد الإنسان نفسه مقحماً فيها، أو تكون محض اختياره تخصصاً، أو أنه يجد نفسه يخوضها طوعاً أو مكرها.
إننا ومن خلال التجربة نعلم أن غالبية من شقوا طرقهم في الحياة انتهجوا أسلوب الإختيار في توجهاتهم الدراسية ثم المهنية، وربما توافقاً مع رغبة دفينة في النفس، أو أنهم وجدوا ذلك هو المتاح أو هو ما يتطلبه سوق العمل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجد البعض أنفسهم وقد اكتسبوا حرفة معينة أو أن أحداً وجد نفسه موهوباً لوجود ملكة ذاتية تشكلت تدرجاً واكتسابا، أو تقليداً، أو لرغبة داخلية، فتطورت حتى غدت احترافاً مهنياً رائدا.
الذي نريد قوله من خلال هذا الطرح هو أنه حين يكون الفرد بارزاً في هذه المهنة أو تلك الوظيفة أو الموهبة الشخصية والتي أصبح متمكناً فيها إبداعاً وتألقا، أو ليس من المنصف ترقِّـيه في سلم الأولويات بحيث تشفع له إمكانياته ومؤهلاته من أن يكافىء بالترقي الذي يواكب إبداعاته واحترافيته؟، وليستطيع من خلال ذلك أن يستمر في العطاء، وأن يبدع بشكل أفضل، مما سيصب في مصلحته ومصلحة البيئة العملية أو العامة التي يعيش فيها وبينها.
إن توظيف القدرات في مكانها الطبيعي هو ما يجب أن يتبع في كل بيئة مؤسساتية فاعلة، وهذا ما يشكل نموذجاً مثالياً يجب أن يحتذى، لأن الفيصل هنا هي ملكة الجدارة التي يجب أن تكون هي المعيار الحقيق للتفاضل والتمايز.
لذا علينا تطبيق هذا المبدأ في كل الجوانب الحياتية المهنية، سواء الوظيفية الرسمية أو الخدمية المجتمعية، وحين نقول الخدمية فإننا نهدف من ذلك إلى التركيز على ضرورة اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، توافقاً مع القدرات والملكات الشخصية اللافتة، والتي يحق للشخص أن يكون فيها من خلال ما شكله لنفسه، وأهله بأن يكون ناجحاً عن جدارة واستحقاق.
إنه وحتى يكون لدينا النموذج الأمثل المنشود لمسيرة عملية واضحة المعالم والرؤى، ومتوقعة النتائج الموجبة، لابد من توظيف الأجدر في المكان الأنسب، مما سيساعد على خلق نمطية نموذجية حقيقية متوافقة مع النظم والأساليب المعمول بها في مختلف التوجهات المهنية أو الخدمية الإدارية الحقيقية، سواء على مستوى القيادة العليا أو الإدارات التنفيذية المختلفة، وفي شتى التخصصات وبمختلف الطاقات.
ما يربك سلاسة وجودة العمل حقيقةً، ويسقط التطلعات والإستراتيجيات هو عدم العمل على إيجاد هذه البيئة العملية المثالية، والمتسقة مع ما أنتجته الإنسانية من أنظمة خضعت في الأساس للخبرات والتجارب العلمية والمهنية المتقادمة، لتتخذ الإرتجال والعفوية أو سد الفراغات بالممكن المتاح وسيلة خاسرة، أو أن تكون الإدارة الأم فاشلة من الأصل في توظيف الإمكانيات بصورة صحيحة، مما يفسد المنظومة من أساسها، فتفقد الغرض من إنشاءها، لتغلق أبوابها لاحقاً على خسارة حتمية أكيدة .