تسويق ذاكرة السلاطين
أثير السادة
على تل النسيان تقف وأنت تلمح المساجد والأضرحة التي تلوح لك بمنائرها بين حين وآخر، أنت تركض هنا على سطور التاريخ، فالمدينة التي تحتضن حجاج الصيف هي مزيج من ماض لا يرحل وحاضر يتمسح بالحداثة، هذا مايجعل من المزارات والمساجد والكنائس التاريخية فسحة للسياحة والاسترخاء والدهشة معا، الدرس مضاعف هنا، درس يذهب بنا إلى استحضار قوة الدولة العثمانية وسلطانها، ودرس صناعة السياحة كلحظة احتفاء بهوية المكان.
لم يبق من ذاكرة العثمانيين التي درسناها إلا صورة الرجل المريض الذي خرج من ساحة الحياة والتاريخ معا، وصورة الندية التي جلبتها المواجهات العربية للوجود العثماني بالمنطقة، وما اوقظته الدراما السورية والمصرية من حكايا البشوات والسلاطين والمدفوعة بهاجس الضدية.
السواح هنا يأتون للفرح، للبحث عن نسمة هواء لا يخالطها جفاف الصحراء، وخضرة لا تعرف الذبول في كل الفصول، لذلك سيجمعون كل الصور في عيونهم دون مجادلة، ستأخذ أرواحهم تلك العمارة التاريخية الباذخة، ومثلها المجمعات التجارية العصرية، وسيركبون الحاضر والماضي باعتبارهما قصة نجاح سياسية.
كل الصخب السياسي الذي يلبد سماء العلاقات العربية التركية لم يحل دون الذهاب أكثر وأكثر في ارتياد هذا المكان، والتعلق به، دلالة على نجاح السياحة كرافعة سياسية لهذا البلد، فحتى الشعب السعودي المنغمس في سياسات دولته الخارجية صرف النظر هذه المرة وراح يختار له موقعا متقدما في مؤشر السواح القادمين.
لقد تسامح الناس مع تركيا السياحية بعد أن ضاقت بهم كل الأماكن التقليدية، وبعد أن ضاقت جيوبهم المنهكة بالضرائب وغلاء المعيشة، الإصرار على الحياة جعلهم يبحثون عن هذه الوجهة المغرية بتفاصيلها، فهي تحدثك في كل اتجاه عن تمثلها لروح السياحة الحديثة في انتظامها وتنوع برامجها.
سيعود السواح قريبا ومعهم الكثير من الصور الذهنية، سيتحدثون حتما عن جفاف الكائن التركي، غير أنهم سيكثرون الكلام عن جمال البحر، وبهجة الحدائق، وصخب الليل في وسط المدينة، وعن البضائع عالية الجودة والرخيصة، وعن طرق و وسائل نقل متنوعة، وعن مجتمع متعدد الأمزجة، ودولة علمانية متأسلمة تغازل البراجماتية على الدوام كي لا تختل معادلة الحياة.