لو كنت وزيراً للتعليم

حسين أحمد بزبوز

القضية التعليمية وهموم التعليم وخططنا التعليمية ونواتج التعليم، كلها عناوين لقضية وطنية من الدرجة الأولى، وبين أهواء الناس ونزواتهم وهمومهم ورغباتهم وتطلعاتهم وحاجاتنا الوطنية الكبرى والصغرى يتم تقاذف الكرة. وهذا العام تحديداً كان حفلة من التجاذبات بين مؤيد ومعارض للفصول الدراسية الثلاثة وطول العام الدراسي – وهي الخطة والتجربة الحالية في التعليم التي نشهدها في المملكة هذا العام ، أو لعل هذا الجدل كان مستمراً بين كثرة من الرافضين وتجربة يخوضها الجميع على أي حال وإن كانوا متبرمين. وفي ظل هذا الصخب والضجيج، ينصب جهد العقلانية الواقعية، على كشف واستكشاف وفرز النقاشات والنداءات العقلانية، التي تصب في صالح ومصلحة الوطن، عن غيرها من الأهواء والنزوات والتذمرات الفردية غير الواعية وغير النافعة.

وفي الفترة الأخيرة صعَّد مجلس الشورى نقاش الفصول الدراسية الثلاثة، لمرحلة أخرى ومستوى أعلى من النقاش، أظهر على السطح في الإعلام لعموم الناس تداول ونقاش تلك القضية في الأروقة الرسمية العليا، ما يؤشر لـ / ويؤكد على أن القضية تمر في مسارات التقييم والمراجعة. ولا شك أنها كقضية وطنية هامة، كانت ولازالت منظورة في الأروقة الرسمية باستمرار. وينتظر من جميع أبناء هذا الوطن مع هذا الإظهار والتصعيد الأخير للقضية في النقاش، الصعود بالتزامن بنقاشاتنا في القضية التعليمية الهامة، بعيداً عن رغباتنا ونزواتنا الفردية الخاطئة وأهوائنا وتطلعاتنا الأنانية والآنية غير النافعة، لنصل عبر تهميش النزوات والأنانيات والفردانية المصلحية المقيتة، لقيادة نقاشات جادة حقيقية أو أقلاً نقاشات أكثر جدية وأكثر عقلانية، تضع مصالحنا الوطنية في النهاية في قلب اهتماماتنا وفي قلب الحدث.

وشخصياً، وعن نفسي أتكلم هنا، فلست مدافعاً شخصياً عن طول العام الدراسي، ولا عن تقسيم العام الدراسي لثلاثة فصول دراسية، ولا عن تمديد مدة الدراسة لتلامس قيظنا الحارق، لكنني لست أيضاً سلبياً تجاه التجربة والفكرة، فما لم يثبت لنا خطؤه بالدليل والبرهان، فلا يمكن لنا إثبات فشله بالأهواء والنزوات والأماني والتطلعات الفردية والأنانية والميل نحو الكسل والراحة المقيتة. ولذا فإذا ثبت واقعاً عن تجربة أو من خلال الأدلة والشواهد العلمية والمنطقية المعتبرة، أن ذلك المسار والنهج والتخطيط والمشروع والبرنامج، هو ما يحقق مصلحة الوطن العليا ومصالح التعليم الهامة، فسأكون حينها بلا شك ودون تردد، أول المنادين بتحمل كافة المعلمين وكل كوادر وزارة التعليم، الجهد المضاف، من أجل تحقيق مصالحنا الوطنية العليا، ومصالح مجتمعاتنا وأبنائنا الطلبة، فنحن جند في هذه المعركة، وهي معركة نبيلة، تستحق منا بلا شك تحمل الجهد والتعب، وبذل المزيد من الجهود، وتحمل المزيد من التعب، لنحقق ما نصبو إليه، وما هو أفضل لنا، وللبشرية جمعاء.

لكنني حقيقة، قلق ومتوجس، من أن نمس تعليمنا في مقتل، فدينمو التعليم في إيماني منذ كنت طالباً على مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة، كامنٌ في خلق وتكوين الشغف، ولا يمكن في ظني إطلاق تعليم حقيقي ناجح فعلاً دون إطلاق وتكوين بذرة الشغف في نفوس وقلوب المتعلمين والطلبة، بل أرى أن هذا الشغف وآليات تكوينه ونشره، هي الخلطة السرية التي يجب أن نبحث عنها، وعلينا أن نجدها، كما يجب أن لا نحتكرها بشكل أناني وأن لا نزهد في البوح بها، لتتحقق مصلحة الإنسانية ومصالح هذا الوطن.

ولقد سمعت كما سمع غيري من أبناء الوطن، من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – في لقاء تلفزيوني على قناة روتانا الفضائية مع الإعلامي البارز الأخ عبدالله المديفر، تأكيد سمو ولي العهد على أهمية عامل الشغف في اختياره لفريق العمل، ولا زال هذا التأكيد الهام على الشغف يطن في أذني، لشدة وعمق إيماني، ولإيماني القديم والحديث بالشغف، وبما يمكن أن يحققه وينتجه توافر وتحقق الشغف في نفوس الناس عامة، من تطوير في حياتنا بشكل عام، وفي رقي العملية التعليمية – محل حديثنا هنا – بشكل خاص.

في الجهة المقابلة من المشهد، وفي زاوية أخرى من الحدث، أصبت هذا العام بالقلق، لما لمسته من تململ وخفوت في جذوة حماس أبنائنا الطلاب أو بعضهم، خاصة المتفوقون منهم – أصحاب الهمم والشغف -، خصوصاً مع قرب نهاية هذا العام. وهذا أشعرني بدق ناقوس الخطر، وبقرع خفي لجرس الإنذار من انطفاء جذوة الشغف الضرورية لدى شريحة واسعة من أبنائنا الطلاب المتحلية أصلاً بهذا الشغف الضروري والمطلوب. ولعل هذا هاجس مرحلي، وقلق عابر لحظي، لا يتكىء على دليل واضح، ولا على حقيقة علمية مثبتة، ولا يرتكز على مرتكزات منطقية متكاملة. لكنني رأيت أنه أقلاً، مؤشر مستثير للتدبر، يستوجب التفكير والحذر والتأمل.

وأتمنى، والأمنية هنا مرتبطة ومتصلة، وليست منفصلة، أن يسهم دمج الفنون في التعليم في السنة الدراسية القادمة، في رفع هذه الهواجس والتصورات القاتمة، بدفع الشغف للأمام، ورفع الدافعية للتعليم والتعلم. وأرجو، أن يكون القادم أروع وأجمل، وأدعو الله من أعماق قلبي، أن ننجح، عبر خطط مسيرة التطوير، في إطلاق دينمو التعليم، المتمثل في جوهر الشغف.

وأقول في ختام هذا المقال أخيراً، لو كنت وزيراً للتعليم، لأطلقت مسابقة سنوية، تستهدف دفع كفاءات الوطن وأبنائه لطرح مشاريع وخطط وأفكار جديدة ومبتكرة تعالج موضوع اطلاق وتعزيز (جذوة الشغف) في نفوس أبنائنا الطلاب، لتتحقق في النهاية طموحات ولي العهد، وتنجز مستهدفات ورؤية الوطن 2030.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×