مظفر النوّاب ورياض أحمد.. بوابة أخرى للغناء

يوسف آل ابريه

لقد استطاع المغنّون العراقيون من خلال قصائد مظفر النوّاب أن يرفعوا من ذائقة المستمعين؛ مما حدا ببعض الشعراء كذلك أن يسايروا هذا النمط النوّابي الفريد، فكتبوا على غراره ومنواله.

إنّ الفضل في المقام الأوّل يعود إلى الموسيقار الراحل طالب القرغولي الذي وضع اللبنة الأولى في تلحين القصائد النوّابية إلى الفنان ياس خضر، والتي أعطاها من صوته ما جعلها أنموذجًا يحتذى.

وأما الأمر الأهم في هذا الاستعراض وهذه البوابة فهو الوقوف عند تجربة الراحل رياض أحمد “سنديانة الفن” و”طائر الجنوب”، والذي غنّى عدّة قصائد للشاعر مظفر وكلها بطريقة الموّال على خلاف ما عمله الفنان ياس خضر.

رياض أحمد هو الاسم الفني للراحل عبد الرضا مزهر السباهي، وهو أحد أعمدة الغناء العراقي، بل هو الركن الكبير في حداثة الأغنية العراقية؛ بما تميّز به من شجن وإحساس عميق ممزوج بالحزن مع عذوبة الصوت ونقاوته.

رياض أحمد الذي غادر الحياة وهو في ريعان شبابه، في سنّ السادسة والأربعين، ها هي ذكراه الخامسة والعشرون تمرّ بنا وكأنّها الأمس القريب، ولا تزال أغنية (من تزعل) بصوته الجنوبي هي خلاصة الشجن وسيمفونية الوجع والآهات.

في رأيي إنّ ما أدّاه رياض أحمد من قصائد لمظفر النوّاب بطريقة الموّال كان بمثابة الوعي الحقيقي، ولذا نال حصة الأسد من الإعجاب؛ بما أضاف إلى تلك القصائد من عذوبة صوته وقدرته العالية في الأداء، ولا أظنّ فنانًا مهما أوتي من قدرة أن يعطي القصيدة النوابية ما أعطاها رياض من إحساس مذهل وشعور متدفّق.

رياض أحمد

رياض أحمد الخالد بصوته كخلود مظفر بشعره سيبقيان جنبًا إلى جنب.

لو أردنا أن نعدد قصائد مظفر التي أدّاها رياض، فهي:

– خضري يا روحي، التي ألقاها رياض من كلّ قلبه ووجدانه، حتى لتشعر أنه يريد لذلك الشوق الأخير أن يخضّر روحه، فيقول في بعض مقاطعها:

خضري يا روحي اعله بختج

هذا آخر شوق عدنه

خضري وانطي اشما بحيلج

من ورد جايتنه مزنه

انطي كل البيج للنسمه

 قبل ما الريح يهزنه

أما القصيدة الثانية فهي (الشمالية)، والتي يقول فيها:

اشما تهب نسمة شمال ابليل

يا فلانه أهب

الشوق بضلوعي رطب

كلش رطب

أسمع الزقّات بشفافج  وقول افراخ             

  ما شبّن بعد بيهن لعب

بربّك تأمّل في هذه الصورة التي تعجز مئات الشعراء الإتيان بها، تلك الصورة التي صوّر بها ريق المحبوبة وهو يتحرّك بشفاهها وهو يسمعه وكأنّه زقزقة الفراخ الصغيرة التي لم تشب ولا زالت في طور اللعب. ولا يفوتنا أداء رياض وهو يموسق هذه الصورة بكل ما أوتي من قمة في الإحساس، وبراعة في الأداء.

– وأما القصيدة الثالثة فهي (يا ريحان)، والتي أدّى رياض بعضًا من مقاطعها، كقوله:

للساع ولذّتنا انقضت

واهجس على القصايب شمع

كل لحظه من هذا العمر

وعّت حسافه ابقلبي

يا أوّل الريحان يلعطّيت نوبه ابدربي

يا آخر سواجي حنيني وحبي

من يوم طيفك هجر نومي ما نمت

حنيّه يا جذّاب منك ما شفت

أترف من اجفافي المهر

قندون ما ضايق شكر

يا حلو يا جرّة كحل

يا حلو يا بوسة قهر

– وأما قصيدة (ولا ازود) فقد أدّاها رياض على قسمين، يقول في أحدهما:

فرشت اشليلي بدروبك أبيع العمر للدنيه

هضيمه اتحنّن الشامت عليّه وتشتمت بيّه

جثير اكزازك ابروحي وقولن هاي حنّيه

– وأما قصيدة (العب العب) فقد جعلها رياض بطريقته الخاصة النشوة التي يعجز اللسان عن كشف أسرارها. هذه القصيدة ذات الطابع الغزلي بالمذكر، وبرغم أداء رياض إليها بطريقته الشجية إلا أنها بقت تحمل ذلك الغنج وذلك الدلال، فتقول مقاطعها:

 آنه بيّه امن الدعى

لطولك ألف ورگة عنب

وأرجا گربك بالتهجي

وروحي سباحة ذهب

بالحلم ختيلة نلعب

وإنته بحساب الورد

لنك ورد من لزمة تتعب

يالي نايم على طولك

تشتعل چن خرزة ليلو وخرزة كهرب

گدرت طولي عله طولك

وإنته شمتساهلت وياي تصعب

يالي حسنك فوگ حسن الناس

شمرة عصا وبيك شوية ملعب

إلعب.. إلعب.. إلعب.. إلعب..

يا بعد خالي عليك الحمزة أبو حزامين تلعب

منين أبوسك على طولك

منين أبوسك على گدك

وإنته غيبة وكتبه ممسوحة

ومن شوية بنفسج

الله شدك

آنه گبلك ما شفت لون الدفو

ولا گلي زهدي ولا تبرزل

هذا حدك قفل بسيتين مشمش

هذا خصرك ما آني عارف

وملتهي بكل السوالف

گتله إلعب گلي خايف

– وأخيرًا فقد أدّى رياض بضعة أبيات من قصيدة عربية وهي الوحيدة التي يغنيها من فصيح مظفر، ولكنه أدّاها كعادته بطريقة الموٍال، وما دامت بصوته فلا عجب أن تكون رائعة، فالرائع لا يصدر منه إلا الروائع، والمقطع هو:

تعلّل فهوى علل

وصادف أنّه ثمل

وكاد لطيب منبعه يشفّ ومانع الخجل

عراقيّ هواي وميزةٌ فينا، الهوى خبل

يربّ العشق فينا في المهود وتبدأ الرسل

وأمّي أرضعتني من فرات حليبها

أن الصلاة على ترابٍ لا يوحد ليس تكتمل

اقرأ أيضاً

مظفر وبوابة الغناء

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com