بوصلة ذات أربع اتجاهات: الملتزمون “المحافظون”
محمد حسين آل هويدي
بسم الله الرحمن الرحيم: … «14» وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا «15» … صدق الله العلي العظيم – الأحزاب.
الملتزمون لا يعيرون اهتماما كثيرا لتلبية توقعاتهم الخاصة. وهذا النوع من الناس يكثر وينشط في المجتمعات المحافظة والتكافلية. الصفة التي يحملها هؤلاء مناسبة جداً للمجتمعات المنسجمة. ولكن، ومهما فعلنا، معايير الناس في أي مجتمع تبقى مختلفة من شخص لآخر، حين تجد الملتزمين يكثرون في بعض المجتمعات ويبرزون في أوقات المناسبات (أفراح، أتراح، مجالس، …الخ). هؤلاء الناس يدوسون فوق احتياجاتهم؛ وبعض الأحيان للأسف، يدفع أهاليهم الثمن. تراهم يتحاملون على أنفسهم بحيث يأتون من أعمالهم منهكين، وما يلبثون أن ينخرطوا في الأعمال الجماعية. وستراهم يتواجدون في الجمعيات الخيرية والنوادي. هؤلاء بارعون في تلبية الاحتياجات الخارجية، ولكنهم مقصرون في حق أنفسهم: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77 – القصص).
هذا النوع من الناس لا يخصص وقتا لنفسه، لا في ممارسة الرياضة أو أخذ دورات تدريبية لتطوير الذات أو القراءة لأنهم يقدمون احتياجات الآخرين فوق احتياجاتهم هم. ولا بأس أن يستوعب هؤلاء بأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. وتطوير النفس والذات تجعل أعمالهم أفضل وأتقن.
علينا أن نستوعب أن هؤلاء الناس قواعد لكل مجتمع. والحمد لله، هم كثيرون في مجتمعاتنا الطيبة. مشكلة هؤلاء أنهم لا يقدرون أنفسهم كما يجب ولا يولونها نفس الاحترام. وربما يستغلهم ضعاف النفوس المتصيدون الذين يعيشون على عرق الآخرين.
هؤلاء بحاجة لحث مستمر للنظر إلى احتياجاتهم. وهذه مسؤولية المجتمع الذي يعيشون فيه. وعلى المجتمع أن يقدر هؤلاء وأن يعطيهم الفرصة لتحقيق أمنياتهم وتعزيز ذواتهم وصقل أنفسهم. وإن عجز هؤلاء للنظر إلى احتياجاتهم فلا بد أن يلتفت البعض لهم ويطالب بحقوقهم. واعلم أن المال لا يحفز هذا النوع من الناس.
هذا النوع من الناس يكوِّن الشريحة العظمى من البشر في أكثر المجتمعات. ويبقى هؤلاء الناس الضحية لتلبية احتياجات الآخرين، خصوصا الاتكاليين منهم. هؤلاء مُؤْثِرُون ولا يمكن لهم أن يكونوا أنانيين. لذلك، لابد أن نحثهم ونشجهم أن ينظروا لاحتياجاتهم؛ أو على الأقل، احتياجات ذويهم.
هؤلاء مساكين يتعرضون كثيرا للإحباط بسبب عدم قدرتهم على تكريس أوقاتا لأنفسهم. كما أنهم يستسخرون أنفسهم. ويشعرون بعقدة النقص. وقد تزداد حالاتهم سوءا حينما يتهمهم الآخرون بالكسل في أداء الرياضة، مثلا. ومثل هذه الممارسات ضد هؤلاء المعطاءين قد تنقلب للعكس، فيتحول هؤلاء الملتزمون إلى متمردين، فرفقا بهم. هؤلاء يضحون بأنفسهم لدرجة أنهم يتركون وظائفهم في سبيل خدمة المجتمع. أو أنهم يُطَلِّقُون حلائلهم لأنهن يشكلن عائقا أمامهم لتلبية حاجة الآخرين.
في وظائفهم الرسمية، قد يمر الملتزمون بإخفاقات مثل التأخر عن عمد أو رفض التحضير لمناسبة ما. وهذه الأمور تضر أصحابها أكثر مما تضر أرباب العمل. وقد يرتكب الملتزمون جرائم معنوية في حق أنفسهم أو من يحبون. الملتزمون يواجهون أكثر المشاكل التي تصادف المجتمعات ويحملون ثقلها على عاتقهم.
اكتشاف هذا النوع من الناس مهم، للملتزم ذاته وللمراقب، وعلى المراقب أن يوجههم نحو الأصوب وحثهم على النظر لاحتياجاتهم ومتطلبات ذَوِيهم. إياك أن تظلم هؤلاء أو تزجرهم أو تتأسد عليهم. هؤلاء ليسوا كسالى كما يتهمهم البعض. ولكنهم يؤثرون احتياجات الآخرين على احتياجاتهم. هم فقط بحاجة إلى تفهم وقدر معين من الإشراف النزيه.
وللحديث بقية عن باقي الفئات الأخرى…