في القطيف.. موت فلاح.. فقد خبرة 5 آلاف سنة مسلم الجارودي يغادر جنة "القصير" وخضرة التوبي

كتب: حبيب محمود

لا يحتاج فلّاحو القطيف إلى مؤسسة زراعية تشرح لهم كيف يغرسون وكيف يزرعون وكيف يحصدون.. يحتاجون إلى أمرين فقط: مساعدتهم في التسويق، ومواجهة الآفات.. لماذا..؟ لأن كلّاً منهم يمثّل خلاصة خبرة 5 آلاف سنة توارثتها الأجيال، فكيف نعلّم وارث علم الزراعة ما تقوله كليات الهندسة الزراعية..؟!

فحوى هذا الكلام ننسبه إلى الاختصاصي الزراعي ضياء آل درويش، مسؤول مركز البحث الزراعي  المجاور لهيئة الري في محافظة القطيف. والحديث قبل قرابة 5 سنوات؛ في كلامٍ جانبي على هامش نقاش في مكتبه؛ حول زراعة النخيل في القطيف.

الصورة لمحمد الخراري في 31 أغسطس 2017

كان يحكي،

وكنتُ أقرأُ عينــَيْ

صَبَوَاتٍ،

وأدّلِيْ في حكايَه…!

والتجاعيدُ والسنون تُمنّيْ

حُـلُم الرُّوح في وريدِ شكايَه..!

كان يحكي،

وها أنا عنه أحكي..

والصباح الجديد يأبى البدايَه..!

في يوم صيفيّ من موسم 2017؛ وقف في ملابس ريفية خفيفة ليشرح لفريق توثيق نخيل القطيف ـ التطوعي ـ ما يعرفه عن أصناف التمور في المحافظة. كان تفصيل الحديث يدلّ على خبرة قادرة على إيضاح فروق مهمة بين الأصناف.. كان ذلك في الـ 31 من أغسطس، في النخل الذي تعود ملكيته لرجل الأعمال منصور الخنيزي، ضمن المنطقة الزراعية المعروفة بـ “القصير” غربيّ بلدة التوبي.

الصورة لمحمد الخراري

مسلم أحمد مهدي الجارودي

هكذا انتشر اسمه، صباح اليوم، في مواقع القطيف المهتمة بنشر خدمات الوفيات. العمر، الأبناء البنات، الأقارب والأصهار، مجلس الفاتحة.. المعلومات التي تجتهد المواقع في نشرها. ولكنّ ما وراء هذه المعلومات؛ كتاباً خفيّاً كتبته السنوات عن إرث جيل بعد جيل، في ذراعيْ فلّاح تصلّبا في إدارة أمورٍ تخصّ مزاج الأرض وقرارات السماء، في مكان يبدأ بالنخلة وينتهي بها..!

وفي ذلك اليوم الصيفي، من 2017؛ كان الكتاب يقرأ من الذاكرة في إجابات لفريق التوثيق.. وهو حديث مفصّل تمّ تدوينه في وقته، وقد أفاد مسلم الجارودي، بأن البرني هو الصنف نفسه الذي يعرفه بعض سكان القطيف “بنات السيد”، وهو نفسه “أبو الحلّاو” عند “أهِل جنوب”، كما قال، ويقصد بذلك القرى الواقعة من الجارودية إلى الملاحة.

بهذه الإفادة تكشّف التباس عند فريق التوثيق.. ووقتها أجاب عما يعرف عن الأصناف التي سألناه عنها، فهناك الصنف المنقرض “سعمران”.. وقد قال عنه “ثمرته طويلة وضعيفة، وتمره علف. وقد كان متوفراً في بلدة الحلة”، وكذلك صنف “بياضي” المعروف أيضاً بـ”سلس بيّاضي” يتساقط بسرعة بعد تحديره، وكان متوفراً في النخيل المعروفة “الهمال”، الواقعة غرب القطيف، جنوب طريق أحد “الهدلة”، حالياً.

الجارودي أفاد عن أصناف أخرى بعضها يعرفه مثل “الغيمي” و “خصبة الحنا”، و “المبشر” و “الصمدي”، وما لايعرفه مثل “سترواوي”.

الصورة لمحمد الخراري

ابن متى وكيف

فلّاح من ذلك النوع الذي يعمل من الشمس إلى الشمس، طلوعاً ومغيباً. وليس من النوع الذي يتابع ما يُحكى ويُقعل عن نخيل “النسيج”، ومعرفة مصطلحات “الزراعة العضوية”.. هو يعرف أشياءَ أهمّ ـ عنده ـ عن سرّ حرصه على أن تكون النخلة ابنة نخلة، وقصته مكتوبة قبل ولادته، في متابعة “الأوانات” و “المرابعين” و “البوارح”، ومن تلقاء تقويم “بيولوجي” داخله؛ يعرف ماذا يبذر، ومتى يبذر، وأين يبذر، وكيف يبذر..!

يعرف كيف يرعى الحقل ويدير مشاكل “المشروب” و “السيبة”، يعرف الكثير الكثير، مما تدرب عليه وتعلمه عن أبيه عن جدّه، عن عن عن.. آلاف من السنين شاهدت فصولها عرق ألاف الفلّاحين العارفين.. الفلاحين الذين كتبوا سيرة الأرض والمواسم، دون استخدام حرفٍ واحد على سطر ورقة.

اقرأ أيضاً

التَّوْبي.. الشاعرةُ أكثر مما يبدو..!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×