[3-3] بداية تأسيس الفرق الموسـيقية في المملكـة العـربيـة السـعـوديــة
محمد السنان*
لقد توقفنا في الجزء الثاني من المقال عن نشأة الفرقة الفضية في مدينة الخبر عام 1962م. وقد حدث خطأ مطبعي فيما يتعلق بتاريخ مشاركة الفرقة الفضية مع فرقة المغني الأمريكي الشهير (كيني روجرز) في حي كبار الموظفين لدى شركة أرامكو حيث جاء في المقال أن الحفل كان 1995م والصحيح هو 1965م. وفي هذا الجزء الثالث والأخير نستكمل الحديث عن نشأة بقية الفرق.
فرقـة هجـر الموسـيقية
في نفس الفـترة التي أعقبت تأسيس الفرقـة الفضية في مدينــة الخـبر، قام نفـر من الفنانين في مدينـة الأحسـاء، وعلى رأسهم الفنان الكبير مطلق دخيل بإنشاء فرقـة موسيقية أطلق عليها (فرقـة هجـر الموسـيقية)، حيث شاركت الفرقة في إحياء الحفل الذي أقامه أهالي الأحساء في ميدان الخميس بالهفوف بمناسبة زيارة الملك سعود للأحسـاء بعد زيارته لكل من الخبر والدمام والقطيف عام 1962م، عنـدما شـدا الفنان مطلق دخيل بأغنية وطنية بعنوان لك سلامي أيها (الملك العظيم ) من كلمات الشاعر حمدان بن ناصر والتي كانت له الدافع في التفكير الجدي في تأسيس أول فرقه موسيقية حديثة في مدينـة الأحسـاء. وقـد انضم إليها مجموعة من الشباب العازفين والهواة والعاشقين للفن والموسيقى الأصيلة. واكتملت الفرقة وأخذت تمارس نشاطها في المنازل، وبدأت تشارك في حفلات الأفراح والأندية الرياضية حتى شاع خبرها عند الجميع مما شجع محطة تلفزيون الظهران التابعة لأرامكو لدعوتها لتسجيل أعمال موسيقية وغنائية للمحطة.
فرقــة تلفـزيون الدمــام
في عام 1969م، وبعد ان افتتحت محطة تلفزيون الدمام، والتي كانت تعمل مستقلة عن محطة تلفزيون الرياض شأنها في ذلك شأن محطة تلفزيون جدة والمدينة المنورة قبل أن يتم مركزة البث التلفزيوني وتصبح محطة بث واحدة فقط لكل مناطق المملكة. في تلك الفترة تم إنشاء فرقة موسيقية للعمل مع محطة تلفزيون الدمام الذي كان يديرها الأستاذ محمد الملا، وكان على رأس مؤسسي الفرقة الموسيقية عازف الأورغ “فرانسوا زوين” اللبناني الجنسية، ويعقوب كاشغـري عازف العود نائباً ومسـاعـداً له، ومحمــد الســنان ومبـارك عـنبر على آلـة الكمـان وعازفون آخرون. وكان عدد أفراد الفـرقـة يزيد على العشرة عازفين، وكانت الآلات المستخدمة في الفرقة هي العود والقانون والناي والأكورديون وحوالي خمسة آلات كمنجة. وكانت الفرقة تشارك في برنامج ثقافي أسبوعي اسمه “ثوان وأرقام” الذي كان يقدمه الإعلامي البارز آنذاك المرحوم الأستاذ فهمي البصراوي، الذي كان يقدم قبل ذلك برنامجاً ثقافيا لتلفزيون شركة أرامكو عنوانه “المباراة الثقافية بين المناطق الثلاث” أي منطقة الظهران ورأس تنوره وبقيق. ولم يقتصر نشاط الفرقـة على تلفـزيون الدمـام، بل قامت بعـدة أنشطة أخرى منها إحياء الحفل السـنوي ل “كلية البترول والمعادن” (جامعـة الملك فهد للبترول والمعادن حالياً).
فرقــة الأمـل الموسـيقية
الفكرة أتت حين اتصل بي أحـد الأصدقاء من القطيف (محسن الشيخ الحسان) وكان ناشطاً في المجال المسرحي حينها، وأبلغني أن هناك شباباً من العازفين الموسيقيين الهواة في حاجة لمن يتبناهم ويوجههم فنياً. فقمت بمقابلتهم وأعـددت لهم برنامجا تدريبياً على أسس موسيقية صحيحة وبعد فترة من التدريب وبعـد أن لمست منهم الحماس والالتزام شكلت منهم فرقة وأسميتها (فرقة الامل الموسيقية). كانت تضم في عضويتها الأسماء التالية:
1- محمـد الســنان – عازف كمـان وبيانو – قائداً
2- حسـن السـنان – عـازف عـود
3- حسـن الزاير – عازف كمان
4- عبـد الله الزاير – عازف كمان
5- سـعـيـد آل ناس – عازف كمان
6- سيد محمد المعلم – عازف كمان
7- فـريد الحـدّاد – عازف ناي
وقـد كانت أول أعمال فرقة الأمل الموسيقية المشاركة في الحفل الكبير الذي أقامه الناديان الرياضيان الكبيران في محافظة القطيف آنذاك وهما نادي البدر ونادي الشاطئ، منهيان بذلك حقبة من التنافس المصحوبة بالعداء والضغينة بين الفريقين باندماجهما في فريق واحد أطلق عليه نادي “الترجي” وهو النادي الموجود حاليا.
وكان من المخطط أن يحيي الحفلة الفنان محمد عبده ولكن تفاجأت إدارة النادي الجديد بانه طلب مبلغاً يفوق إمكانيات النادي حينئذ، فاتصل بي رئيس النادي المرحوم عبد رب الرسول الجشي (أبو شفيق)، وطلب مساعـدتي في إيجاد فنان آخـر يقوم بإحياء الحفل، فاقترحت عليه اسم الفنان الكبير والمنلوجست القدير والذي يتمتع بشعبية كبيرة في المملكة، وهو الفنان عبد العزيز الهزاع. وقد وافقت إدارة النادي على الاقتراح. ولما كانت تربطني بالفنان عبد العزيز الهزاع علاقة شخصية فقد اتصلت به هاتفياً على رقم منزله في الرياض وعرضت عليه الأمر، فوافق فوراً ولم يشترط مبلغاً معيناً بل ترك ذلك لإدارة النادي لتقرر المبلغ الذي تراه مناسباً. وفي الأسبوع المقرر لإقامة الحفل توفي رئيس النادي فتم تأجيل الحفل إلى الأسبوع الذي يليه. وكانت الحفلة من أشهر الحفلات التي أقيمت في المنطقة الشرقية وحظيت بتغطية إعلامية مميزة من الصحف المحلية.
لقد استمرت كل من فرقة الأمل الموسيقية بقيادة محمــد الســنان وفرقة تلفزيون الدمام بقيادة يعقوب كاشغـري بعد أن تركها فرانسوا زوين حتى منتصف عام 1970م عنـدما خبت جـذوة الفـن والثقـافـة، نظـراً للظـروف السياسية التي كانت تمر بها المملكة في تلك الفترة وسجن ما يقارب من ثلث أعضاء فرقة تلفزيون الدمام وفرقة الأمل الموسيقية مما أدى إلى تفكك الفرقتين.
أما في المنطقة الغـربية، فلم تكن هناك حاجة لإنشاء فرق موسيقية أهلية، وذلك لوجود فرقـة الإذاعة والتلفزيون الرسمية آنذاك، والتي كان يتشكل معظم افرادها من فرقـة معهـد القوات المسلحة الموسيقية، التي تم جلبها من الخارج عام 1952م، وفي عام 1973م تم نقل المعهد من مدينـة الطائف بالمنطقة الغربيـة الى العاصمة الرياض. مما اسـتدعى جلب هيئة تدريس من خارج المملكة، وكان على رأسهم عازف الكمان المصري المشهور (أحمـد الحفنـاوي). ومن هذا المعهـد نشأت فرقـة الإذاعـة والتلفزيون الموسـيقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وباحث ومؤلف موسيقي