[4]نظرة علمية للهراء تعرف على حيل الهراء

محمد حسين آل هويدي

بسم الله الرحمن الرحيم: … «111» وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ «112» … صدق الله العلي العظيم – الأنعام.

الهراء يستغلون ضعف الناس ويعشمونهم ويمنونهم. وزخرف القول عبارة عن كلام مُحَسَّنَ بِأَلْفاظٍ ظاهِرُها جَميلٌ وَباطِنُها تَمْويهٌ وَكَذِبٌ. كم وكم مرّ علينا دجالون يأتون ويدّعون أنهم يعالجون الأمراض المستعصية، حتى مات بعض المرضى بسبب هذه الممارسات الخاطئة. وليس بالضرورة أن يكون الهراء شخصا دجالاً غير مؤهل، بل حتى المؤهلون يقعون فريسة لهذا المرض، وهذا ما فعله الدكتور دوغلاس بيكلين (Douglas Biklen) في عام 1989م ليخدع أهالي المصابين بمرض التوحد وادعى أنه ابتكر طريقة تجعل المتوحدين؛ البكم منهم، التواصل مع أهاليهم عبر وسيط يطبع على آلة كاتبة ما يريد أن يقوله المريض! هذه الطريقة لا تختلف عن ادعاءات الذين يحضرون الأرواح الذين يستخدمون وسطاء لنقل رغبات الميت إلى أهله.

اِعتبرت الناس أن ما توصل إليه الدكتور بيكلين اكتشاف عظيم سيحل مشاكل الأهالي. إلا أن أهل العلم الشكاكين أخذوا يفحصون الموضوع عن قرب وكثب. واكتشفوا بأن ما يقوله بيكلين مجرد هراء وبدون أي دليل علمي يسنده، إلا أن الناس اعتبرته بطلا قوميا استقطب عشرات الآلاف منهم الذين أضحوا يحلفون بنجاح الطريقة، وهذا جعل بعض المدارس تفتح فصولها لمن يريد أن يتدرب ويصبح وسيطا. المسألة ببساطة بأن الناس لا تريد لأحلامها أن تتحطم أو تموت أمنياتها، وعليه عوّلوا كثيراً على هذا الهراء الذي اعترضت عليه المؤسسات العلمية.

وعندما وُوجه بيكلين بالنتائج التي تدحض ادعاءاته في أكثر من درزن من الأبحاث، اتهم بيكلين نتائج هذه التجارب وشكك فيها بالرغم من أنها أتت من أكثر من مصدر موثوق وموثق. ولكنه ذاته وقع في الفخ؛ فهو إما كذب الكذبة وصدقها، أو عرف أنها كذبة، ولكنها تدر عليه أموالاً طائلة، ورزق الهبل على المجانين، ولا داعي للإفصاح عن الحقيقة طالما يوجد عشرات الآلاف من الواهمين الذين يؤيدونه ويدفعون له.

في خطابه، بيكلين لا يعتمد على العلم في شيء لأنه يعوّل على شيء أقوى تأثيراً على الناس؛ القصة.

القصة أفضل طريقة يتلقاها ويتقبلها الناس. والقصة أفضل وسيلة يستخدمها الهراء ليخدعوا بها البسطاء والمساكين.

تؤثر القصص المحبوكة جيداً على الناس بشكل كبير جداً؛ لذا، ليس من المستغرب أن يستخدم الهراء، في كثير من الأحيان، أسلوب سرد القصص – والدليل مجرد حدث ضمن القصة – لا يمكن لأحد أن يتحقق منه. يمكن لمثل هذه القصص إقناع الناس بالكثير من الأشياء والتي ببساطة هي غير صحيحة في ذاتها أو محتواها. هذه اللعبة سبب في اعتقاد الكثيرين أن العلاجات الطبية البديلة تعمل، على الرغم من وجود أدلة دامغة تدحض الادعاء.

ديپاك چوپرا (Deepak Chopra)؛ هندي انتقل للولايات المتحدة الأمريكية، وطرح هراء الطب البديل وجمع ثروة تقدر بثمانين مليون دولار. يختلف چوپرا عن الباقين بأنه يستخدم لغة غير مفهومة وغامضة مع تبهيرها بعبارات رنانة توحي للمريض المسكين بأن هذا الهراء سيكون كفيلاً بعلاجه.

وفي الغالب، يبالغ الهراء في أقوالهم وتزكية أنفسهم ومدح مؤيديهم وجلد مخالفيهم وتشويه سمعتهم. جل أدلة الهراء لا تتعدى الصفر؛ ومثال ذلك، حينما مدح الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامپ المستشار جون بولتن (John Bolton) بأنه رائع، وسرعان ما انقلب عليه بعد 18 شهراً ونعته بأنه “صقر حرب”، وأردف إن كتابه القادم عن الحياة في البيت الأبيض كان “سيئًا وغير صحيح”. وكما نقول دارجا “يبس وتتحتح”.

واقعاً، نحن بشر ضعفاء وعاطفيون وينتهز المتربصون هذه الصفات لاستغلالنا. كما أننا نتأثر بأشخاص نحبهم ونثق بهم، وهذا أمر يسهل على الهراء المزيد من الهراء. وفي هذا الأمر، يقر بائع الأدوية والعقارات المشهور لانس مِرفي (Lance Murphy) بأنه يستطيع اقناع المستهلك بالشراء لأنه يذهب له على مستواه الشخصي (أي ينزل، أو يرتفع، لمستواه). ويعترف مرفي، وبكل صلف، بأن الهراء يفعل المعجزات، وما عليك فقط إلا أن تتقن فن الإلقاء وتمتلك موهبة الإقناع.

وللحديث بقية …

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×