في الظهران.. “فاطمة” الصيخان تبكي.. و “قلعة” العوامي تتوجّع..! في أمسية حضرها طلال مداح وتاروت وسط جمهور غفير
الظهران: ليلى العوامي
شاعران من جيلين مختلفين، تجاورا أمام جمهور مهتمّ جداً. وتناوبا على تلاوة الشعر في الأمسية التي استضافها مسرح مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” مساء البارحة، ونظّمها ملتقى ابن المقرّب الأدبي.
عدنان العوامي الشاعر النابت من القطيف والمعجون بها، وعبدالله الصيخان النابت في حائل، المعجون بتبوك والرياض. تآمرا ـ معاً ـ على جمهور الأمسية، ورافقاهم في رحلة نوستاليجية حميمة، عابرين سنوات الحنين، والشغف، والرغبة، والصورة الشعرية في خطابين متعاقبين: العمودية الحديثة، والتفعيلة المتمرّدة.
وفي القاعة الكبيرة ظهر الرجلان، وكأنهما في سجال. وقدم الأمسية الشاعر زكي السالم، الذي رحب بالشاعرين. وعن الشعر قال “هو الذي لا يجف نبعه، ولا ينضب نميره، ولا يهدأ تدفقه، فقد كان الشعر ولا يزال يجمع ما تبعثر من شتاتنا ويطير بما أسف منا”.
وعن الأمسية قال السالم “للعذوبة نصيبٌ أكبر فيها، وللرقة والبهاء حضور أجمل، وللأصالة والجزالة منها التجلي الأرحب”.
وبدأت الأمسية بربع ساعة لكل شاعر، يلقي ما لديه من شعر على الجمهور الحاضر. وقال الشاعر عدنان العوامي إن “أكثر المواقف إحراجاً أن يُرخيَ من يسمي نفسه، ويسموه الناس شاعراً أمام هذه الوجوه الذين كلهم شعراء وكلهم نقاد.. الله يستر”.
وافتتح العوامي الأمسية قصائد اختارها من ديوانيه “شاطئ اليباب”، وهو الديوان الأول، وقد صدرت طبعته الأولى عن مطابع الفرزدق في الرياض عام 1412هـ/1992م، ويضم الديوان 39 قصيدة ، وديوان “ينابيع الظمأ” عام 2017م وهو الثاني.
وحينما سأل المحاور العوامي “كيف استطعت الموائمة بين هذه الثنائية الجدلية، فالشاطئ حيث المحار وهبة اللؤلؤ، والندى واليباب حيث الجفاف والقحط والردى والينابيع، حيث فيض العطاء والتدفق والظمأ حيث السراب؟.
أجاب العوامي “لو لاحظت أن كل العناوين غير متفقة مع بعضها، وهو قصور أو عيب، لا تحيله إلى مكرمة، فأنا أسوأ ما أواجه هو اختيار العنوان، ولك الحرية في تفسيره، وأنت لست أول من يعترض، وهناك الشماسي والقصيبي ـ رحمهما الله ـ وأنا أعترف ما يطرأ على بالي من عناوين أكتبه”.
التدفق والخيال
بعدها عرض المحاور السيرة الذاتية للشاعر العوامي متحدثاً عن بداياته وما تميز به شعرها قائلاً “امتاز شعره بالانسيابية والتدفق والخيال الواسع في معاني بلاغية واضحة، متوقد الخيال صادق في عاطفته وإحساسه جمع بين الأصالة والتجديد”.
وفي قصيدة له بعنوان “تاروت”:
تاروت جئُــتك مكدود الخطا تعِبـــا
أجرُّ خلفيَ تاريخــاً وظــلَ صِبا
تعبت من مُدن القصدير تُترعُــني
ظماً، وتــتُــخمني أشباهُــها رَهَبا
ألا ترين بوجهي من أظافرها
دما، وملء فمي من وخزها نُدُبا..؟
ألا ترين خطاها فوق ذاكرتي
ألا تحسّينها في أدمعي سَغَبا..؟
هربت منك إلى بيــداء غُـربــتٍـها
علَي أمــدُّ على رمضــائها طُنُبـا
يمَمتها وتسوّلتُ اللهيبَ سماً
والفحمُ أحسبهُ الفيروزَ واليَشَبا
وماحــفــلْتُ بأحبـــابٍ و آصــرةٍ
ولا تــذكــرتُ أُمـّــــاً بَرّةً وأبـــــا
ولا أبـهْــتُ لمجداف وســاريــةٍ
وزورقٍ لم يزل في السِّيف منتصبـــا
حتى قال:
ونخلةٍ في حنان الرمل غافيـــةٍ
تذود عن هُدبهــا الأقمــار والشهُـــبا
والآن عدتُ فــهل ألقـاك حانيةً
تستقبلين حبيب الأمــس منتحبـــا
مُــدّي ضفائــر “عشتاروت” واحتضنــي
رأسي المهيــضَ بروحــي رملك الذهبــا
مُــدّي أنامــلك الخضراء و اقتربـي
فما عليّ أضــاق الدربُ أم رَحُبُــا
إذا حظــيت بطيف من سنا وطني
فليأخذ الدهرُ ما أعطى وما وهبا
وختم العوامي فقرته بقصيدة “وقفة على أطلال خولة” التي يقول فيها:
سَلاماً سلاماً منازِلَ خَوْلَهْ
سَلامَ الخَليلِ تذكّرَ خِلّهْ
تَذكّرَ مَدْرَجَ أَحبابِه
ضِفَافا ومَشتَلَ ضَوْءٍ ونَخلَهْ
ومَلْهَى صَباً سَوْسَنيّ الأَدِيمِ
تَطُوفُ المَوَاسِمُ بالعِشقِ حَولَهْ
تذكر سِيفاً ورفَّةَ قلْعٍ
ونجمة صيفٍ تغازل تلَّة
وداليةً تستضيف السماء
سراجاً وكوخاً ومهجا وكلة
حتى يقول:
ومِنْ أَكرَمِ الغِيْدِ حِينَ العَطاءِ
إذا الحالُ يُسْرٌ أوِ الْحالُ قِلّهْ
عَلى بَابِها تَستَرِيحُ القَوافِلُ
من كُلّ صَوْبٍ ومن كُلّ مِلّهْ
وفي بيتِها تَتَقَرّى الضُّيُوفُ
تؤُمُّ نَدَاهُ وتَنْشُدُ نُبْلَهْ
صحافي وسكرتير
وبعدها.. عرف المحاور بالشاعر عبدالله حمد الصيخان، وقال هو “أديب وصحافي ولد في مدينة حائل عام 1956، ونشأ في مدينة تبوك، عمل محرراً ثقافياً ثم سكرتيراً، ثم رئيساً لتحرير مجلة اليمامة. وبدأ محاولات الشعر في المرحلة الثانوية بقصيدة “نثر”، وهو من أهم شعراء الحداثة في المملكة والوطن العربي، أصدر 3 دواوين شعرية: “هواجس في طقس الوطن” (1988)، و”الغناء على أبواب تيماء” (2013)، و”زيارة” (2013).
وأضاف “هو شاعر الصحراء والقوافي كما وصفه محبوه ووصفه الدكتور احمد التيهاني قائلا ًعنه “هو شاسع كالوطن، فهو يأخذ من كل جهة منه بطرف شاسع، كقلب شاعر يتذبذب بين الشعبي والفصيح، يتنوع بينهما مثل وطنٍ كبير، ويحب في كل اتجاه، ويتوهم المزايدون بأنه دون موقف بينما موقفه الحب لا غيره”.
من الذاكرة
وعبر الصيخان عن سعادته لعودته للأمسيات بعد غياب. وقال “أضعت قصائدي وأتيت وحدي، فهو لم يأت بشيء، وقال “سأقرأ من الذاكرة، وألقي العبء الأكبر على شاعرنا العوامي”. وبدأ الصمخان الأمسية بقصيدة أبناء الدروب الضيقة، وقال فيها:
لم نعد نلمع إلاّ في الظلام
نحن أبناء الدروب الضيقة
سافر الحلم ولم يأت السلام
وتوارت في المدى منعتقه
فضة أنحلُ من ريش الحمام
وأرق إن شئتها من حدقه
فكرة تقطف عنقود الكلام
بعد أن يقطر منها أعتقه
أخت الريح وأوتها الخيام
وهي للشعر على عهد .. ثقه
حتى قال:
وتعلت فوق تيجان الغمام
وهي تستنبي الندى عن ورقه
نفقت خيلك في الأرض الحرام
وعلى الماء .. خيول مطرقه
يا للفوانيس التي ليست تنام
والأحاديث التي .. مسترقه
قد تراءيت ولي عشرون عام
بعد عشر مترفات نزقه
وأنا لازلت في هذا الزحام
أتهجى .. نجمة محترقه
واختتم الأمسية الشاعر أبو حمد بقصيدتين؛ الأولى “فاطمة” قال فيها:
كأنّ النساءْ خرجن من الماءْ
وفاطمةٌ وحدها خرجتْ من بَرَدْ
كأنّ ذوائبها الشهب
إن لم تعدْ إلى بيتنا، لن يعود أحدْ
أو
كأن مساءَ الثلاثاء مرَّ
ولم يتفرّسْ في راحتيه نهار الأحدْ
يقول له أن ما بيننا
يوم اثنين مسترسلٌ في بياض نَهَدْ
ذوى فيه نعناع ظلِّ وأغمض جفنيه حتى الأبد.
…
قيل إن الذين أتوا بعد يومين من دفنها
وجدوا في المكان
قمراً نابتاً خلف حنّائها
قمراً من حنان
ويداً نصف مسترخيه
سحب الله من خضبها خيطَ دمْ
فنما شجرٌ أخضرٌ
اسمُهُ فاطمهْ.
…
تمتمات المعزّين في آخر البيت أهدأ من كل شيءْ
ومن أي شيء تذكره ولدٌ شاف ضحكتَها – َنفْس ضحكِتْها –
في صباح مطير
ولدٌ ويتيم
قام من نومه باكراً وأعدَّ – وحيداً – فطورَ الأحد
ثم أخرج من كتبه صورة رطبة لا مرأهْ
تَفَرَّسَ فيها قليلاً
بكى
ثم قرّر أنْ يتنازل عن درسه اليوم ؛ يبحث في وحشةِ
البيت عن ضحكة حية
هربت خلسة
من كتاب الصُور
ولدٌ ويتيم
أمّه فاطمه
وتحب المطر
ولدٌ آخرٌ اسمه خالدٌ
قال ليوم الثلاثاءِ وهو يلُمَ حكاياه قبل السفرْ
قال أسرارَهُ ومضى واعداً أمَّه :
لن أكون يتيماً هنا ورافقَها في السفر
نهارٌ..
بصيف خفيضْ
شجرٌ أبيضٌ يعصبُ الرأس متكيءُ فوق منحدرٍ ضيِّقٍ..
“شيلة ودعت وجْهَ سيّدةِ العائلة
…
حديد يفارق أشكاله
خيطُ دمٍ نزَّ من عَرَبهْ
حديدٌ هوى من علٍ ثم فارق أشكاله..
وتجمَّع خيطُ دمٍ سال من لعبة قاتله.
هل كان أحمد ينوي الذهاب بعيداً عن الحلم – تاركاً سره العاطفيّ معي
نحو حضن فلاه
وهل كان أحمد إلا ندىً يتساقط في وردنا
ويحبّ الحياه
ترى..
أي شيء قرأ
وأي فتاةٍ
نهضتْ من ملامحه ذاهلهْ
…
المعزّون لم يرحلوا فدخَلْتْ..
وحين جلستُ إلى المائدهْ
كانت هناك توزّع نبض يديها على كل صحن
وحين أكلتْ لم أجد طعمها في الإناء
فتركت المكانْ
فالتفّ حولي سربُ قطا جاءَ من شجر العائلهْ.
…
أي شيء لعاشقها تركت فاطمه
شرشفاً نسيته على نومه
أم شذىً حائلي
هي يا ناسُ أملحُنا
يدللّها الأهلُ، يعطون أسماءها للحمام
لم أكن ابنها وحدَها
ولكنني ابن كلّ النساء اللواتي يشبهنها
وهي أمّي القريبةُ من بينهنّ.
وأكمل “ما دمنا في سياق الرثاء، الأغنية هي الديوان الأول الذي يلامس أسماع الشعراء في بداياتهم، خاصة إذا كان المغني ذا ذائقة عالية في اختيار ما يغنيه، وهي الديوان الأول الذي سمعناه قبل أن نقرأ دواوين الورق قائلاً “طلال المداح كان أستاذاً في التذوق الشعري والأداء، وكان إنساناً رائعاً، وله مواقف مع الكثيرين”.
بعدها اختتم حديثه بقصيدة كتبها في الراحل طلال المداح أسماها “زمان الصمت”. وقال فيها:
” زمان الصّمت ” مرّ ولم يجبني
أيصمت صوتك الزاهي الحبيب؟
وأنت نسجته شجناً خفياً
على أرواحنا إذ نستطيب
فنسأل كيف يسرقنا ويمضي
ويبقى في القلوب له وجيب
” وترحل .. صرختي تذبل بوادي “
ونكس رأسه الصبح الكئيب
وإن مولت مالت بي نخيل
وهزت جذعها وبكى العسيب
وإن ابحرت في ” أحلى الليالي “
فكل قوارب الذكرى نحيب
وإن زلت بنا خيل الأغاني
فخيلك في ملز الذوق طيب
إم زرياب أنت قبست ضوءا
وبوزن عودك الشادي صهيب
أخذت بذوقنا فانساب نهرٌ
ولن يبقى سوى “وطني الحبيب”
قصيدة فاطمة للشاعر عبدالله الصيخان:
شاهد الفيديو: