جامع المنارة في القطيف شهد تأسيس المملكة
عدنان السيد محمد العوامي
ما أن أتممت قراءة تعقيبي المنشور في صحيفة صبرة على تقرير الأستاذة ليلى العوامي، من أسرة الصحيفة، عن بلدة الدرعية بالقطيف، الموطن الأول لجد أسرة آل سعود الأعلى الشيخ مانع المريدي ، حتى وافاني الأخ الأستاذ حبيب محمود، متفضِّلاً، بتقرير ثان أعدته الأخت الأستاذة نداء آل سعيد، من فريق الصحيفة أيضًا، عنوانه: (وسط القطيف . . جامع باسم جدِّ الملك عبد العزيز منذ الدولة السعودية الثانية)، وتحته كتبت الأستاذة: (بمنارته التي تعلو فوق 30 متراً، يعتبر جامع الإمام فيصل بن تركي الواقع في شارع الملك عبد العزيز في “حي القلعة بالقطيف”، أحد الشواهد على الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية التي مرت بها السعودية، وتحديداً في أعقاب تأسيس الدولة السعودية الثانية على يد الأمير تركي بن عبد الله، الذي جعل عاصمة دولته في الرياض، بعد تدمير مدينة الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى. . . وحسبما يذكر محمد سعيد المسلم في كتابه “واحة على ضفاف الخليج” فإن قلعة القطيف كان فيها 11 مسجدًا، وأشهرها مسجد المنارة، ومسجد الراجحية، ومسجد الخان، ومسجد البرُّودة، وأقدمها مسجد جامع المنارة الذي يرجع بناؤه إلى القرن الثامن الهجري، كما تخبرنا لوحة حجرية عند مدخل منارته.).
تمنيت صادقًا لو أنَّ الأخت الأستاذة نداء لم تقع في مثل هذا، فهي بعد أن نقلت تأريخ المسلم لبناء الجامع في القرن الثامن حسب اللوحة المثبتة في مدخل المنارة عادت فنسبته إلى جد الملك عبد العزيز، تركي بن عبد الله، وكما التمست العذر للأخت الأستاذة ليلى العوامي، ألتمسه أيضًا للأخت الأستاذة نداء، ربما لشح المراجع، أو لأسباب أخرى كمقتضيات النشر الصحفي المختصر.
ملاحظات التقرير
الأولى:
وضعها موقع الجامع في شارع الملك عبد العزيز في حي القلعة بالقطيف، فهذا يوحي بأن الجامع واقع مباشرة على شارع الملك عبد العزيز، والصحيح أنه داخل القلعة، وتفصله عن شارع الملك عبد العزيز عدد من البيوت ، والأدق أنه بمحاذاة شارع الملك عبد العزيز.
الثانية:
قولها: (أحد الشواهد على الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية التي مرت بها السعودية، وتحديداً في أعقاب تأسيس الدولة السعودية الثانية على يد الأمير تركي بن عبد الله، الذي جعل عاصمة دولته في الرياض، بعد تدمير مدينة الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى)، هذه العبارة – كسابقتها – توجب اللَبس، فهي توحي بأن الأمير تركيًّا مؤسسٌ ثانٍ للدولة السعودية، وأن لا أحداث مرت بالجامع قبل عهد الأمير تركي، والحقيقة أن الأمير تركيًّا لا يعد مؤسسًا، بل هو مستعيد لدولة مؤسسة قبله، ومقتضى الحال أن يشهد الجامع أحداثًا قبل عهده.
جامع المنارة
متى دخل في حوزة الدولة السعودية؟
بدهيٌّ أن يرتبط دخول الجامع في حوزة الدولة السعودية بدخول القطيف فيها، ولأن بيننا وبين ذلك العهد زمن مديد طوله قرنان ونيف تقريبًا، فنحن بحاجة إلى الاستعانة بالمراجع، فمما بين أيدينا منها نعلم أنها تتفق كافة في أن الأمير سعودًا بن عبد العزيز بن محمد، هو أول من ضم القطيف لحوزة أبيه، وإن اختلفت في التاريخ فالفرق بينها لا يشكل قيمة ذات بال، ففي (عنوان المجد في تاريخ نجد) في حوادث سنة 1206هـ نقرأ: (ثم دخلت السنة السادسة بعد المائتين والألف، وفيها في جمادى الأولى سار سعود بالجنود المنصورة البادي والحاضر وقصد القطيف)([i])، ويتابع ابن بشر سرد دخوله القطيف مفصِّلا أجوال دخوله القرى واحدة بعد أخرى: سيهات، عنك، القديح، والعوامية منتهيا بصلح تم بينه وبين أهل القطيف، ويوافقه ابن لعبون حذو القدة بالقدة حتى لكأنه ينقل عنه([ii])، وهذا التاريخ هو المعتمد في (الأطلس التاريخي للملكة العربية السعودية([iii])).
ويعطينا حسن بن جمال بن أحمد الريكي، صاحب لمع الشهاب تفاصيل أكثر عن دخول الأمير عبد العزيز القطيف([iv])، لكنه يربط دخول القطيف تحت ظل الدولة السعودية بدخول الأحساء تحته سنة 1210هـ، أما لوريمر، فينفرد مبتعدًا كثيرًا عن السياق، معتمدًا دخول القطيف في الحكم السعودي عام 1215هـ 1800م([v])، فلا يمكن التعويل عليه، أما الاختلافات الأخرى فكما قلت آنفًا إنها ليست ذات بال؛ إذ تتراوح بين 1206، و1208، و1210هـ.
ولعل خير من حقق هذا الموضوع هو الدكتور عبد الكريم بن عبد الوهبي في كتاب القيم (بنو خالد وعلاقتهم بنجد)، فقد تتبع الاختلافات بين المصادر([vi]). ثمة مصادر أخرى كثيرة متعددة تدل على الاهتمام البالغ بالواقعة، لكن ما أورناده فيه غنى يفي بالغرض.
هذا هو مسجد المنارة، كما كنا نسمِّيه، صعدنا درجات منارته لاهثين، واستمتعنا بمنظر البر والبحر من شرفات قبتها المثلومة. أما نسبة هذا الجامع فالصحيح أن تربط بدخول القطيف في الحكم السعودي، كما أن الصحيح أن تربط بالأمير تركي بن عبد الله أماكن عدة في القطيف شهدت أحداثا في عهده يصح نسبتها إليه، وقد تضمنتها رواية (شيخة) تأليف الزعيم الوطني المرحوم علي بن حسن أبو السعود([vii])، وقد كانت لي الحظوة بشرف مراجعتها، وإعدادها، والتقديم لها، وبوسع من شاء مراجعتها.
للأحبة قراء صبرة، وفريق تحريرها رئيسًا ومحررات ومحررين التمس المعذرة، عن هذه المشاكسات.
———–
([i])عنوان المجد في تاريخ نجد، عثمان بن بشر، حققه وعلق عليه عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الرياض، الطبعة الرابعة، 1402هـ، 1982م، جـ1/178.
([ii])تاريخ ابن لعبون، حمد بن محمد بن ناصر بن لعبون، نسخة مقتطعة من خزانة التواريخ النجدية، جمع وترتيب سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام، الطبعة الأولى، د، ت جـ1/201.
([iii]) الأطلس التاريخي للملكة العربية السعودية، لجنة من الاختصاصين، إصدار دارة الملك عبد العزيز، الرياض، الطبعة الثانية منفحة، 1421هـ، 2000م، ص: 56 – 57.
([iv])لمع الشهاب تأليف حسن بن جمال بن أحمد الريكي، درسه وحققه وعلق عليه أ. د. عبد الله الصالح العثيمين إصدار دارة الملك عبد العزيز، الرياض، 1426هـ 2005م، ص: 124 – 134، وانظر: الأطلس التاريخي للملكة العربية السعودية، لجنة من الاختصاصين، إصدار دارة الملك عبد العزيز، الرياض، الطبعة الثانية منفحة، 1421هـ، 2000م، ص: 56 – 57.
([v])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، طبعة جديدة معدلة ومنقحة أعدها قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر. د. ت. جـ3/ 1423.
([vi])بنو خالد وعلاقتهم بنجد، عبد الكريم بن عبد الله المنيف الوهبي، دار ثقيبف للنشر والتأليف، الرياض، الطبعة الأولى، 1410هـ 1989م، ص: 336 – 340.
([vii])تأليف علي بن حسن أبو السعود، مراجعة وإعداد عدنان السيد محمد العوامي، إصدار نادي المنطقة الشرقية الأدبي، الطبعة الأولى، 1435هـ 2014م، المقدمة.
—————
تنويه:
مع إجلالنا للإضافة الوافية التي قدمها الأستاذ العوامي؛ فإن الموضوع لم يذكر أن الجامع تأسس في الدولة السعودية الثانية، أو يتضمن ما يشير إلى ذلك. وإنما يحمل الجامع اسم الأمير فيصل بن تركي.
صبرة
وسط القطيف.. جامع باسم جد الملك عبدالعزيز منذ الدولة السعودية الثانية