المعروف في الحرم المكي.. واتباع هدي الرسول في الحرم النبوي خطبتا الجمعة في الحرمين الشريفين

مكة المكرمة: واس

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله فمن ظن بربه خيرا فلن يخيب ما ظنه، ومن شكر نعمه زاده من فضله، ومن توكل عليه كفاه وهو حسبه، ومن كان الله معه ذل أعداؤه، ومن تخلى الله عنه لم ينفعه أقرباؤه ولا أصدقاؤه.

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم (الخميس) في المسجد الحرام “يا عبد الله أفعل ما يسرك من الخير ، فالأيام تذهب ولا تعود، واعلم أن صانعي المعروف يعيشون في خير لم يسألوه، ويسلموا من شر لم يتقوه، ويرفع لهم دعاء لم يسمعوه وحسبك حفظك الله ألا يراك الله إلا على ثغر، أو باحثا عن ثغر فالدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب.

وتابع “إن في النفوس ركونا إلى السهل والهينِّ، ونفوراً عن المكلِّف والشاق ، والحازم يرفع نفسه إلى معالي الأمور، ويروضها حتى تألف جلائل المطالب، وتطمح إلى أعالي الذرى، حتى إذا ما عرفت العزة نفرت من الذل، وإذا ذاقت لذة الروح استصغرت لذة الجسد، والفكر لا يحد ، واللسان لا يصمت، والجوارح لا تسكن، فإن لم تُشْغل بالعظائم شُغِلت بالصغائر، وإن لم تستعمل في الخير انصرفت إلى الشر.

توحيد الله

ولفت الانتباه إلى أن التزكية تكون بإقامة العبد فرائض الله باطنا وظاهرا، ولزومِ السنة، مستعينا بالله، متبرئا من حوله وقوته، وأول ذلك توحيد الله عز وجل، والإخلاص له، وصدق التوكل عليه، والاعتماد عليه، والاستعانة به، مع محبته ودوام ذكره، والسكون إليه، والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب والخوف، والرجاء والتوكل، بحيث يكون سبحانه هو المستولي على هموم العبد، وعزماته، وإراداته، وإنما تقر عين العبد بربه على حسب قربه من ربه عز وجل، فمن قرت عينه بالله قرت منه كل عين، ومن لم تقر عينه تقطعت نفسه عليه حسرات، ومن تعلق قلبه بربه، وجد لذةً في طاعته وامتثال أوامره ، لا تدانيها لذة .

وعد الشيخ صالح بن حميد أن من الوسائل العظيمة الجالبة للذة والحلاوة الدعاء فهو السلاح الذي لا ينبو، وقد جاء في الحديث : ( وأسالك نعيما لا ينفذ ، وقرة عين لا تنقطع )

 

غلبة الهوى

وليكثر العبد من قراءة القرآن بالتدبر ، والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، ومداومة ذكر الله ، وإيثار محابه على محاب النفس عند غلبة الهوى ، ومشاهدة بره ، وإحسانه ، وإكرامه ، وإنعامه ، واغتنام وقت السحر ، ووقت النزول الإلهي ، ومجالسة الأخيار والصالحين وليستحضر العبد الناصح لنفسه أن ما يقوم به من أنواع العبادات من صلاة ، وصيام ، وصدقة ، وصلة رحم ، وبر ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وطلب للعلم ، وإحسان إلى الناس ، ومصاحبة الأخيار ، وحضور حلق العلم ، ومجالس الذكر ، إنما هي طاعات يبتغي بها مرضاةَ الله سبحانه ، ويستشعر أن هذه العبادات يحبها الله ويرضى عنها ، وهي التي تقربه من ربه سبحانه.

وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن من أعظم ما يستجلب به حلاوة الإيمان ولذة العبادة العناية التامة بأعمال القلوب ، وبخاصة المحبة والرضا ، ومن علامات الحب ، ودلائل صدقه الاقتراب من المحبوب ، بل اللذة والحلاوة في الاقتراب ، فالمحب راحته، وقرة عينه في الصلاة، والغافل، والمعرض ليس له نصيب من ذلك ومن أحب الله وجد اللذة في طاعته، وشعر بالحلاوة مع مناجاته، وتنزلت عليه الطمأنينة والاتصال به، فالمحبة العظيمة تورث شوقا عظيما، وأعظم لذة في الدنيا أن تشتاق لله كما أن أعظم لذة في الآخرة النظر لله سبحانه وتعالى.

 

المحبة والرضا

وبين فضيلته أن من لوازم المحبة الرضا بالمحبوب والرضا عنه، فذلك من أعظم مقامات الإيمان الذي بتحقيقه تحصل الحلاوة واللذة، والمحبة والرضا أعلى مراتب الإيمان ويصل العبد إلى مقام الرضا إذا التزم ما فيه رضى ربه ومولاه، قال بعض السلف: “الرضا باب الله الأعظم وهو مستراح العابدين”.

وأوضح الشيخ صالح بن حميد أن من آثار حلاوة الإيمان ولذة العبادة الثبات على دين الله فلا يزال العبد في أداء العبادات ، والإكثارِ من الأعمال الصالحات حتى تصير لذته في هذا الاجتهاد ، حتى تراه يشعر بالحسرة في ضياع شيء من وقته ، وفتوره في العبادة ومن الآثار كذلك : الرغبة في المزيد من الطاعة فتصير الصلاة قرة عينه ، والصيام متعته ، والذكر أنيسه ، والقرآن العظيم جليسه ، ومن أعظم آثار هذه الحلاوة :أن يحييه الله الحياة الطيبة فيكون من أطيب الناس عيشا ، وأشرحهم صدراً ، وأقواهم قلبا ، وأسَرهِّم نفسا ، تلوح نضرة النعيم على وجهه.

 

سن الشباب

وفي المدينة المنورة ذكر إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم بعد الحمد والثناء لله عز وجل والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه جعل في الحياة قوة بين ضعفين وتلك القوة هي العماد في الحياة والثمرة في الآخرة وسن الشباب هو القوة بعد الضعف وفيه توقد العزيمة وعلو الهمة نفعهم عبر العصور كبير قال قوم إبراهيم عليه السلام عنه (سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم).

وأكد فضيلته على عظم سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع صغار الصحابة وشبابهم تواضع لهم وجالسهم وزارهم وعلمهم ورفع هممهم فخرج منهم أعظم جيل فمن تواضعه عليه الصلاة والسلام إذا مرّ بصبيان سلم عليهم، وكان صلى الله عليه وسلم يستشرف نبوغ كل واحد منهم فيوجهه بما ينفع نفسه وأمته ، قدم صلى الله عليه وسلم المدينة ورأى زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو دون الخامسة عشرة يُحسن الكتابة فجعله من كتاب الوحي وأبصر فيه ذكاء فطلب منه تعلم لغة اليهود ليترجم له ما يُكتب بلسانهم قال زيد رضي الله عنه (فتعلمت له كتابتهم ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه وأجيب عنه إذا كتب).

أخلاق العظماء

وبين الشيخ القاسم في خطبته أن لمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم الفريدة للصغار أحبوه حباً جماً فكان إذا قدم من سفر خرجوا من المدينة لاستقباله قال السائب رضي الله عنه (خرجت مع الصبيان نتلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع مقدمة من غزوة تبوك)، مشيراً إلى أنه كلما علت أخلاق العظماء تواضعت للصبيان والصغير مجبولٌ على محبة من دنا منه وعلمه وإدراكه في الحفظ والفهم قد يفوق الكبار ودينُ الإسلام موافق لفطرتهم يُحبونه ويحبون آدابه وشرائعه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم تنشئتهم عليه واحتقارهم والإعراض عنهم لا يوافق شيم العقلاء ،قال عليه الصلاة والسلام “بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم”.

 

أكمل الطرق

واختتم إمام وخطيب المسجد النبوي الخطبة بالتأكيد على أن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي وطريقته أكمل الطرق ومعاملته أرفع المعاملة وصغار اليوم هم أمل الأمة وعمادها ومن ابتغى الخير للناشئة فليلزم هدي النبي عليه الصلاة والسلام في تعامله معهم وبعنايته عليه الصلاة والسلام بصغار أصحابه وشبابهم آل إليهم العلم وانتفعت الأمة بهم ومن توفيق الله للصبيان تيسير عالم لهم يعلمهم دينهم ويؤدبهم بأخلاق الأنبياء عليهم السلام وعلى وليه أن يسعى له بذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×