أنقذوا عين المُضرية من تجار العقار لم تطمرها كثبان الرمال العاتية، وسيطمرها التغوّل السكني
عبدالخالق عبدالجليل الجنبي
بداية تُعتبر هذه العين محمية بموجب (نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني) الصادر بتاريخ 1436/01/09 هـ الموافق : 02/11/2014 مـ، وهي كانت ضمن السور الذي وضعته وكالة الآثار منذ زمنٍ قديم لتسوير منطقة هذه العين وأختيها الفمامية والرّحا، ولكن هذا السور تمّ أهماله، فتداعى جزءٌ منه، ونرجو من هيئة السياحة والآثار أن تأخذ على عاتقها صيانته وإعادة ترتيبه بحيث يمنع أي طامع في أرضية هذه العين وأختها الفمامية الواقعة على بعد 25 متراً فقط للجنوب منها.
عين المضرية التاريخية
من المعروف والمشهور عن القديحيين تمسيتهم بـ (المضريين)، و (آل مضر)، و (عيال مضر) من زمنٍ قديم جداً، وتسمية هذه العين بهذا الاسم لا يخرج عن هذا الإطار، فهي قد اختصت دوناً عن غيرها من عُيون القديح التي تبلغ أكثر من خمسين عيناً بتسميتها بالعين المُضريّة.
وكان يقوم عند هذه العين – وبعض مثيلاتها من العُيون التي تقع في الخط الرّيفي الفاصل بين الحافة الغربية لبساتين واحة القطيف وبين كثبان البيضاء – قرى قديمة كانت عامرة قبل أن تكتسحها هذه الكثبان؛ كعيون (أم المجالس)، و(الجوهرية)، و(والرحا) و(الحشيفية)، و(الهليلية)، و(الشنية)، و(البقيلة)، و(الكعبة)، وهي أسماءٌ كانت لقُرى قطيفية قديمة وردت جميعها في القسم الخاص بـ (لواء القطيف) من كتاب (قانون نامه ولاية البصرة) لعام 959هـ، والتي كان لواء القطيف ملحقاً بها ذلك الحين.
ولكن لأمرٍ أراده الله تمّ طَمرُ هذه القرى من قبل عدوٍ طبيعي خطير اسمه (كثبان البيضاء)؛ التي زحفت بشراهة وعتوّ على هذه القرى، فدفنتها ودفنت بساتينها وعيونها إلا قلة قليلة من هذه العيون عتت على من عتى، وهو أمرٌ قديمٌ جداً ذكره المؤرخون عن قرى البحرين، ففي كتابه (المسالك والممالك؛ ج1: 371) قال البكري:
“وبلاد البحرين منهالة الكثبان، جارية الرمال حتّى كانوا يسكرونه بسعف النخل، وربّما غلب عليهم في منازلهم، فإذا أعياهم حملوا النقوض وتحوّلوا“.
نعم كان سكان هذه القرى في صراع مرير مع هذه الكثبان العاتية، فكانوا يحاولون إنقاذ قراهم منها بما استطاعوا إليه سبيلا في تلك الأزمنة، وهو سعف النخل وجريده؛ إلا أنّ هذه المصدات البدائية الضعيفة لم تكن لتصمد أمام عتوّ كثبان البيضاء الشرسة، فكانت الغلبة في النهاية لها، ولم يكن لأهل هذه القرى من حيلة إلا حمل أغراضهم الهامة، والرحيل بها إلى أقرب قرية إلى قريتهم داخل واحة القطيف، وكان سكان قريتي الرحا – التي ذكرت كإحدى قرى القطيف عام 959هـ في قانون نامه لواء القطيف) والمضرية القريبة منها قد هجروهما إلى القديح بعد أن طمرت الرمال قريتيهم بعد هذا العام الأخير، ولم يبق من آثار هاتين القريتين سوى عينيهما اللتين كانتا في صراع مرير مع كثبان الرمال، فكانت هذه الكثبان كلما وصلت إلى فوّهة العين، وأوشكت على دفنها؛ كان المزارعون الذين تسفيد مزارعهم من مياههما يقومون بإعلاء سوري العينين بالحجارة والطين، ولكن بمرور الوقت تمكنت الرمال من طمر عين الفمامية، فانصبّ اهتمام المزارعين على عين المضرية لأنها كانت الأقرب إلى بساتينهم، فصبوا جلّ عنايتهم عليها، وحاربوا الرّمال المنهالة عليها بكل قوّة حتى تمكنت هذه العين من الانتصار على هذه الكثبان نهائياً عندما سلّط الله على هذه الأخيرة من لم يرحمها كما لم ترحم هذه العيون والقرى، وأعني بذلك مقاولي البناء في المنطقة الذين أرسلوا جراراتهم إلى هذه الرمال، فاكتسحوها عن آخرها بعد أن كادت تدفن بساتين القطيف إلا ما رحم ربي.
غير أنّ هذه العين التاريخية التي نجت بأعجوبة من الدفن بعكس أخواتها القريبات منها من عيون الخط الرّيفي القطيفي صار يتهددها الآن خطرٌ أكبر وأعتى من كثبان الرمال؛ ألا وهو التغوّل العمراني السكني الذي وصل إليها بشكل مخيف حتى باتت شوارعه تنطح جدار هذه العين العتيدة، وأخشى أنه إذا لم تتحرك الجهة المختصة بحفظ الآثار لحمايتها، فإنها سوف تكون في خبر كان، وفيما يلي أدرج للقراء ثلاث صور لهذه العين تبين مدى التهديد الذي نالته من كثبان الرمال أولاً، ثم من الغول العمراني السكني أخيراً.
عين المُضريّة كما كانت تبدو عام 2012م، ولا يوجد بقربها أي أثر عمراني سكني.
عين المُضريّة كما كانت تبدو عام 2020م، وقد بدأت أولى علامات التغول السكني بقربها، وهو هذا الشارع الممهد إلى يمين القارئ، ولكنه كان بعيداً عنها بعض الشيء.
عير المُضريّة، وقد امتدّ لها لسانٌ من شارع لمشروع سكني يُخشى أن يؤدي إلى دفنها الآن إما لزيادة مساحة الأراضي السكنية، أو لاحقاً بحجة خوف السكان منها على أبنائهم.
عين الثمامية القريبة من عين المضرية حالياً وقد طمرتها الرمال