قنصل روسي سنة 1912: 6 آلاف منزل في القطيف يسكنها 18300 نسمة السكان مرضى منهكون، أجسامهم ضعيفة، ووجوههم مُصفرّة
خارج الهفوف صحراء قاحلة، وهواء المستنقعات مسمّم
خاص: صُبرة
لأنه أقام وعمل في العراق طويلاً؛ فقد تأثر بخبرته في النظر إلى القطيف والأحساء. قارنهما بالبصرة وبغداد مناخياً. القنصل القادم من ثلوج روسيا، وجد بغداد حارّة جافة، والبصرة حارّة رطبة. وحين حاول تدوين توصيفاته للحاضرتين الوحيدتين في الشطر الشرقي من الجزيرة العربية (المنطقة الشرقية حالياً)؛ فإنه وضع القطيف قبالة البصرة، والهفوف قبالة بغداد.. ووصف المستنقعات المائية التي كانت منتشرة بـ “الأهوار”، كما في التسمية العراقية.
وثيقة تاريخية
يمكن وضع كتاب “ولاية البصرة” ضمن الوثائق التاريخية التي تناولت المنطقة الشرقية السعودية الحالية، قبل ضمها إلى حكم الدولة السعودية الثالثة، الحالية. ثمة إفادات وشهادات مليئة بالكآبة والمرض في المجتمع الذي عاش في تلك المرحلة. كان أليكسندر أداموف قنصلاً روسياً في البصرة. وكتابه تدوين وتأريخٌ لكامل المنطقة الإدارية التي كانت تُسمّى “ولاية البصرة”، وتشمل الشطر الشرقي من الجزيرة العربية، منذ “عودة السيطرة العثمانية في ١٨٧١م على القطيف وعلى واحة الحسا وكذلك احتلال القوات العثمانية للبدع، وهي المدينة الرئيسة في شبه جزيرة قطر”. ولا يُعرَف كيف استمدّ القنصل الروسي مادّة كتابه عن القطيف والأحساء، لكن بعض إفاداته لا تخلو من غرابة.
سنجق الحسا
و “يطلق إسم الحسا أو «الأحساء» على كل الشريط الساحلي الذي يمتد من خليج الكويت محتضناً منطقة القطيف الساحلية وواحة الحسا وشبه جزيرة قطر”. و “تؤلف هذه المناطق الثلاث جميعها سنجقاً واحداً يطلق عليه الأهالي هناك إسم «سنجق الحسا» علماً بأن اسمه في الوثائق التركية الرسمية وكذلك في الحوليات الخاصة بولاية البصرة «سنجق نجد» وهو أمر يبدو معه كما لو أن السنجق المذكور يشمل هضبة نجد الواقعة في وسط شبه جزيرة العرب يفصلها عن الحسا سلسلة جبلية عالية وصحراء رملية واسعة. [ص: 98]
أهوار وصحراء
وحسب إفادات أمادوف؛ فإن “الشريط الساحلي الضيق الذي يطلق عليه اسم القطيف هو عبارة عن منخفض تغطيه الأهوار والمستنقعات”. أما الأحساء أو الحسا فهو “عبارة عن صحراء حجرية في بعض المناطق ورملية في بعضها الآخر، وفيها واحة واسعة هي الهفوف”.
و “مناخ الهفوف يشبه نظيره في بغداد مع اختلاف واحد هو أن حرارة الصيف هناك أعلى بكثير والليالي التي لا تختلف عن النهار بشدة حرارتها لا تنعش الأحياء التي أعياها القيظ كما هي الحالة في مدينة الخلفاء”.
“أما القطيف بمناخها الخانق المشبع بالأبخرة المتصاعدة من المستنقعات والخليج فيمكن اعتبارها مشابهة للبصرة، وتزيد من شبهها بهذه الأخيرة الحميات التي تجتاح القطيف والتي تذهب سنوياً بالكثير من الضحايا من بين أفراد الحامية التركية المرابطة في المدينة التي اعتاد ضباطها ومراتبها الدنيا النظر إلى وجودهم هناك على أنّه نفي لهم. وينعكس مناخ القطيف غير الصحي بشكل مضر أيضاً على الأهالي الذين يتميزون حتى بالقياس على سكان ضفاف الخليج المرضى المنهكين، بضعف بناء أجسامهم وصفرة امتقاع وجوههم. [ص:101].
وفي هذا يُشير أمادوف إلى انتشار مرض الملاريا في القطيف، المعروف تاريخياً بـ “حمّى القطيف”. وهو المرض الذي كان يفتك بالناس ويقصف أعمارهم بلا رحمة.
خضرة القطيف أكثف
وعن نباتات الحسا يقول “إنها تتكاثف في القطيف التي نجدها غارقة في الخضرة بفضل مناخها الرطب وكثرة الأهوار والمستنقعات فيها. أما الحسا فالنباتات التي تغطيه أقل من ذلك لأن المزارع وبساتين النخيل تتركز في ضواحي الهفوف القريبة فقط أما خارج حدود الواحة فتسود الصحراء التي ترعب بقحولتها. وتزرع في سنجق الحسا الحنطة والذرة والدخن من الحبوب والفجل والبصل والثوم من الخضروات وتغلب زراعة الرز في القطيف التي تكثر فيها المياه والمستنقعات. [ص: 103]. وهذا يعني أن زراعة الرزّ كانت موجودة بكثرة في القطيف، وهي شهادة تاريخية تُضاف إلى شهادة الضابط البريطاني ساردير الذي وثّق ذلك عام 1819، أي قبله بـ 93 سنة.
وسكانها 18 ألفاً
ويبلغ سكان مدينة القطيف وحدها عدا سكان القرى المجاورة بموجب المعلومات الأحصائية التي أوردها (Cuinet) عدداً كبيراً هو ١٨٣٠٠ نسمة في حين تذكر النشرة السنوية التركية الرسمية الخاصة بولاية البصرة لسنة ١٩٠١ إن عدد سكان المدينة لا يتجاوز ستة الآف نسمة”. ويسكنون 6 آلاف منزل.
القلعة
ويصف أمادوف قلعة القطيف بعد وصف القطيف إجمالاً بقوله “والقطيف مدينة قليلة العرض لكنها تحتل بالطول مسافة لا يستهان بها وهي محاطة بسور فيه أبراج ويكاد سورها يصل إلى المياه إذ أنه لا يترك بينه وبينها إلا شريطاً ضيقاً يختلط بالتدريج بمضاحل رملية طويلة يغطيها السعد والقصب. وتتحول هذه المضاحل أثناء المد إلى أهوار غير صحية تسمم الهواء عند الجزر بالأبخرة الخانقة المتصاعدة من الوحل والأعشاب المائية”.
أما خليج القطيف فـ “تحميه الجزر والرؤوس البحرية من الرياح الشمالية والجنوبية غير صالح لسير السفن الكبيرة. والسفن الشراعية الصغيرة وحدها تستطيع بصعوبة أن تصل إلى الميناء في أثناء المد الذي تغمر مياهه الأماكن الرملية الضحلة الكثيرة العدد. وتقع على الشاطئ الداخلي للخليج قلعة تتجه واجهتها نحو الشرق وينسب الأهالي بناءها إلى ايام حكم القرامطة أي إلى القرن العاشر الميلادي وتتخذ حالياً مقراً للحامية والقائم مقام التركي”.
الكتاب |
ولاية البصرة.. في ماضيها وحاضرها.
تأليف: القنصل الروسي أليكسندر أمادوف.
ترجمة: الدكتور هاشم صالح التكريتي.
الناشر: دار ميلسون للنشر.
الصفحات: ج 1: 387 ، ج 2: 393