[همسات تربوية] تحترقون.. ولكن لا تشعرون

أحمد آل سعيد

ليس من قبيل المبالغة القول إن هناك من يحترقُ نفسياً، وبشكل مستمر، من دون أن يشعر بما يجري في داخله إلا بعد فوات الأوان. وكلام العوام عن “الاحتراق” في وصف الغاضب أو شديد الحزن أو القلق، ليس بعيداً عن الصواب العلمي. فعلاً هناك نوع من الأمراض يُسمّى “متلازمة الاحتراق النفسي”، ويُقصد بذلك مجموعة من العلامات والأعراض والتغيرات في السلوكيات المهنية.

ويُشير بعض المتخصصين إلى أن بعض الحالات صاحبتها متغيرات في التكوين الجسدي والوظيفي والكيمياء الحيوية الجسمانية لدى بعض المصابين بهذا المرض. هذا المرض مصنف ـ لدى الباحثين ـ ضمن فئة الأمراض ذات المخاطر النفسية الاجتماعية المهنية، نظراً لكونه ناتجَا عن التعرض لضغوط مستمرة وممتدة.

وهناك محلل نفسي اسمه فرودنبرجر يُنسب إليه قوله إنه أدرك أن الأشخاص، في بعض الأحيان، يقعون ضحايا للحرائق تمامًا مثل المباني . فتحت وطأة التوترات الناتجة عن الحياة، في عالمنا المعقد، تُستهلك مواردهم الداخلية، في إطار العمل بفعل النيران، تاركة فراغاً داخلياً هائلاً، حتى وإن بدا الغلاف الخارجي سليمَا إلى حد ما.

وطبقاً لباحثين؛ فإن مواجهة الألم والفشل المتكرر تعد من الأسباب الحاسمة في ظهور أعراض متلازمة الاحتراق النفسي. وذهبت بعض تصنيفات المرض، في بداية الملاحظات الأولية إلى أنه متلازمة نفسية خاصة بالمهن “القائمة على مساعدة الآخرين”. وقد ساد هذا المفهوم لبعض الوقت، وأثر بشكل كبير في التصور العام للظاهرة، وعلى توجيه البحوث الأولية في هذا المجال. ولكن أدت المعارف المتراكمة، منذ عهد هذه الملاحظات الأولية، إلى اتساع مخاطر ظهور متلازمة الاحتراق النفسي على جموع الأفراد أياً كان نوع نشاطهم.

وخلاصة فهمي لهذا تقول إننا كلما أنهكنا أنفسنا بعمل ما وبشكل لا حدود له وبمشاكل ليست محدودة رغبةً منا في مساعدة الآخرين؛ فإن النتيجة هي أننا نحترق نفسياً وسنبتلي بأمراض ومشاكل لا حصر لها.

إنه جرس إنذار لاحظته شخصياً في بعض الاستشارات التي تصلني. خاصة ذلك النوع الذي يطلب مساعدة لطرف ثالث غير طالب المساعدة. قد يكون الطلب لصالح زوج، صديق، ابن مراهق، أخ، عامل.. الخ

وكنت أكرر إجابتي تقريباً، فأقول إنني أحاول مساعدتكم أنتم إذا كان بإمكاني ذلك، وليس مساعدة من يعز عليكم. الفرد الذي يحتاج إلى مساعدة يطلبها بنفسه، وليس أنت، وليست مسئوليتك أن تحترق من أجله. لن تستطيع أن تساعد أحداً بـ “الريموت كونترول” دون إرادة ورغبة منه.

هناك نقطة توازن بين مساعدة آخرين لديهم استعداد للمساعدة، وبين بذل جهدٍ لمساعدتهم دون استجابة منهم. في الحالة الثانية أكون قد وضعت نفسي في منطقة الاحتراق النفسي، وهو غير مكترث بمشكلته.

وأصدق القول ما قال الله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}ـ سورة القصص: 56.

—————–

تنويه: بعض الاقتباسات مصدرها ويكيبيديا.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×