في مثل هذا اليوم سنة 1819.. جاسوس بريطاني يرصد أحوال القطيف أقام 7 أيام، ضمن مهمة بدأت في بومبي وانتهت في مخا اليمن

ضابط كتيبة المشاة قطع الجزيرة العربية من الخليج إلى البحر الأحمر

القطيف: صُبرة

في مثل هذا اليوم من عام 1819م؛ كان النقيب البريطاني فوريستر سادلير مقيماً في القطيف، ضمن مهمةٍ لا تخلو من العمل الاستخباري، طبقاً للسيد عدنان العوامي الذي ترجم مذكرات سادلير ونشرها في كتاب يحمل عنوان “يوميات رحلة عبر الجزيرة العربية”.

عدنان السيد محمد العوامي

كان يُفترض بمهمة نقيب كتيبة المشاة الملكية أن توصل رسالة دبلوماسية إلى إبراهيم باشا، وتهنئه بنجاح حملته العسكرية ضد الدولة السعودية الأولى. جاء الضابط وتبع المعلومات التي توصله إلى الباشا، نجل محمد علي باشا، ومرّت رحلته بعمان، ثم بوشهر في إيران، ثم القطيف، ثم الأحساء، ثم نجد، ثم المدينة المنورة، ثم ينبع، ثم جدة، ثم المخا في اليمن، ومنها عاد الضابط من حيث أتى.. الهند.

وفي مذكراته التي تُرجمت إلى العربية ثلاث مرّاتٍ؛ سجّل سادلير يوميّاتٍ وثّق فيها مشاهداته، ودوّن أحوال الحواضر التي توقّف عندها، وسجّل معلومات سكانها وموارد اقتصادها.

وبعد 200 سنة ميلادية على تلك الرحلة (205 سنوات هجرية)؛ تحوّلت المعلومات الاستخبارية التي تركها الضابط مادةً تاريخية نادرة، تُشير إلى أحوال الحواضر التي زارها، وسجّل يومياتها استناداً إلى مشاهداته فيها.

استغرقت الرحلة يومين من بوشهر إلى القطيف

من بوشهر

لم تكن القطيف هدفاً ضمن خطة سادلير، حسبما يُفهم من المذكرات. كانت الأحساء مقصداً رئيساً. أبحر في سفينة من “بو شهر” ظهيرة 16 يونيو متجّهاً إلى العقير. ولكن المركب وصل إلى مرفأ القطيف بعد يومين. “الربّان المسنّ الغبي كان جاهلاً كليّاً بالمرفأ، فأوقعنا مع كامل عدة الإبحار في ضفة رملية حيث بقينا طوال الليل غير قادرين على تحسين وضعنا”، طبقاً لنص كلامه المترجم. أجرى الضابط اتصالاته بالحاكم التركي في القطيف ليساعده على الإبحار إلى العقير، لكن الأمور تعقّدت، ورضخ سادلير وفريقه إلى فكرة جعل القطيف نقطة عبور، فنزل إلى ساحلها الرملي، وأقام فيها بضعة أيام، ودوّن معلوماته، بين الـ 21 من شهير يونيو والـ 28 من الشهر نفسه، وهو يوم مغادرته إلى الأحساء.

ذكر سادلير أن لقلعة القطيف 3 بوابات فقط، في حين إن لها 4، منذ وصفها أبو الفداء حتى هدمها في القرن الماضي

وصف القطيف

حاول فوريستر سادلير إعطاء وصف للقطيف والريف الواقع في جوارها حسبما أسعفته ملاحظاته “غير الدقيقة” على حدّ وصفه نفسه.

وفي هذا الوصف قال “يبلغ خليج القطيف حوالي 20 ميلاً”، وله طرفان “الشمالي يسمّى راس تنورة” و “الطرف الجنوبي يسمّى الظهران”، و “تقع جزيرة تاروت في الوسط”. وهي “مزروعة بأشجار النخيل بكثافة”.

“ولقلعة القطيف 3 بوابات، ذات شكل مستطيل غير متناسق، والواجهة الأكثر طولاً، التي باتجاه البحر، بها حصن” في الزاوية الواقعة أقصى الشمال. لكن السيد العوامي يقول إن هناك بوابة رابعة لم تأتِ في وصف البريطاني. وطبقاً لأبحاثه؛ فإن قلعة القطيف لم تتغير منذ وصفها من قبل أبي الفداء، إلا في العصر الحديث بعد هدمها على مراحل.

سوق الخميس

وصف سادلير للسوق الواقعة خارج بوابة القلعة الجنوبية يُشير إلى قلب القطيف التجاري الذي استمرّ حتى ثمانينيات القرن الماضي. وهذا ما يؤكده عدنان العوامي نفسه لـ “صُبرة”. يقول سادلير “خارج بوابة القلعة الجنوبية يُعقد سوق كل يوم خميس”. وفي السرد الذي وضعه قائمة من البضائع المحلية التي تُنتجها أرض القطيف في ذلك الوقت؛ فهناك “اللحم والأرز والتمور”. ووصف بطّيخ القطيف بأنه “بحجم كبير جداً” ويصل وزن البطيخة إلى ما بين 35 و 40 رطلاً”. وهناك “الحنطة والشعير” اللذان لا يُزرعان بوفرة، كما هو حال “الأرز” الوفير الذي يُسمّى “الهندية”، حسب المترجم العوامي، ولونه “أحمر” وكان يُزرع في القطيف، “وريّه يحتاج إلى مياه وفيرة، فكانت مزارعه تكوّن مستنقعات كبيرة، مما يسبّب كثرة البعوض”. وضع العوامي هذا التعليق في الهامش شرحاً لكلام سادلير الذي قال إن وفرة زراعة الرز يُعزى له سوء هواء القطيف.

ومما رصده سادلير من مزروعات القطيف “التين والمشمش والمنجا والرمان والأترج والليمون والباذنجان والبصل واللوبياء. ووصف البساتين بأنها “تمتد إلى مسافات كبيرة محاطة بالصحراء في جانب، وساحل البحر في الجانب الآخر، ومظللة بأشجار النخيل موشاة بالقرى الصغيرة. وكلها تُسقى بصورة حسنة من العيون، ومع أن التربة رملية، إلا أنها مؤهلة لإنتاج محاصيل وفيرة”.

سوق الجبلة القديم في القطيف (مصدر الصورة: موقع واحة القطيف).

ركود تجاري

كانت زيارة سادلير القطيف في أعقاب حملة إبراهيم الباشا العسكرية. وربما كان ذلك وراء الوضع التجاري الراكد في وقت الزيارة.. يقول “تجارة القطيف راكدة الآن، وهي تعتمد بشكل أساسي على البحرين التي ترد من خلالها البضائع”. والبحرين ـ والكلام لسادلير ـ هي “المفتاح إلى البحران والقطيف والعقير”، ويقصد بـ “البحران” البرّ الرئيسي، حسب شرح العوامي. ويقول سادلير ولإن القطيف والعقير “تتزودان من تلك الجزيرة”، يقصد البحرين”؛ فإن “الأحساء والداخل أيضاً يعتمدان على تلك المؤن التي تصل إلى البدو عبر تلك القناة”.

القرى

وسرد الضابط البريطاني قائمة بأسماء الحواضر المأهولة في القطيف وقت زيارته، كما ذكر تقديراً لعدد سكان كل منها، وقسّمها إلى “مسوّرة” و “غير مسوّرة”..

والمسورة هي:

البلدة عدد السكان
بلدة القطيف 4000
ضواحيها 2000
تاروت 2400
صفوى 2400
العوامية 2400
الآجام 800
الجش 560
أم الخمام 1600
الجارودية 1200
سيهات 2000

غير المسوّرة

الملاحة 400
القوع 400
الخويلدية 1600
جشيش التوبي 480
جشيش البحاري 560
حلة محيش 1200
الدبيبية 1200

هندوس ومسيحيون

كان من ضمن مهام سادلير معرفة السكان غير المسلمين في القطيف. وقد ذكر أنه بذل جهداً في الحصول على معلومات في هذا الصدد. لذلك لم يجد هندوساً ولا مسيحيين فيها. ربما كان اهتمامه بأتباع هاتين الديانتين مستنداً مصالح تخص بريطانيا العظمى المسيحية أولاً. وثانياً هناك مصالح الرعايا الهنود الذين استعمرت بريطانيا بلادهم.

لم يتمكن سادلير من الحصول على وسيط يفيده بذلك. وقال “فشلت في إتمام رغبتي الأساسية التي من القطيف. لا شك أن الأزمة الراهنة غير مواتية إلى حد بعيد، لأن الأتراك كانوا منشغلين بجباية الضرائب، ورجال المال مهمومون بالتواري عن الظهور”.

رحلة المغادرة

غادر سادلير القطيف في مساء الـ 28 من شهر يونيو، متجّهاً إلى الأحساء، ضمن رحلته الطويلة التي حملت ظاهراً دبلوماسياً لدعم العلاقات الدولية، وحملت باطناً استخبارياً تدل عليه الفقرة 10 من مذكرة التكليف الموجهة إليه من قبل النائب العام للحاكم البريطاني في بمبي وم. نيو. نهام، وقالت له “عليك أن تجمع ما يمكن جمعه من المعلومات المتعلقة بطبيعة وموارد المنطقة، وعدد وحجم البلدان التي في الداخل، وأي نقاط قد تبدو لك مفيدة لأنها تتعلق بمنطقة لا يُعرف عنها إلا القليل”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×