مستلهماً إيثار العباس.. فاضل يمنح أخاه كليته في عاشوراء قرر إنهاء معاناة شقيقه محمود ورفض أن يكون والده هو المتبرع

القطيف: ليلى العوامي

منذ أن كان فاضل محمد القمارة ملفوفاً في القماط؛ كان يسمع سرديات كربلاء، خطباء وخطيبات يرددون على مسامعه هذه الواقعة التي حدثت قبل 1382 عاماً، حكاياتها، قصصها. اعتبر كل شخوصها ممن كانوا في جيش الإمام الحسين عليه السلام، أبطاله.

لكن كان للعباس بن علي بن أبي طالب حضوره الخاص في وجدانه، كان بطله، بما يُنسب إليه من مواقف في البطولة والإيثار، والتضحية من أجل أخيه.

من أبي فاضل، الذي قطعت يمينه ويساره، ودخل السهم في عينه، وفُضخ رأسه بعمد من حديد، – كما يروي الخطباء – تعلم الفداء من أجل الأخوة. لذا؛ لم يكن مستغرباً أن يقدم القمارة نفسه كليته لأخيه محمود، في اليوم نفسه الذي شهد الواقعة؛ عاشوراء.

فاضل القمارة قصة أخرى، تقدمها «صُبرة»، ضمن قصص «تضحية الأخوة»، بعد حكايتي أحمد آل شلي وشقيقته سهر، والاختين أنيسة ونجاح.

معاناة يومية للأخ الأصغر

محمود هو الأصغر في العائلة، قريب من الجميع. لديه كلية تعمل بنسبة 40%، والأخرى لا تعمل. كان فاضل يرى الألم يعتصر أخيه يوماً بعد آخر، لم يكن يتركه لحظة واحدة. ومستشفى القطيف المركزي أصبح مقصده شبه اليومي، لا يستغني عن غسل الكلى، لأربع ساعات في كل مرة. يتذكر فاضل «حالة أخي كانت مؤلمة. كنت أرى الألم في عينيه».

يصمت فاضل قليلاً متذكراً «محمود كان يخضع إلى نوعين من الغسل، فقد كان في يده جهازاً للغسل. وهناك نوع آخر تمت زراعته في رقبته، ليوصله في الجهاز، وينام فلا يحتاج إلى المستشفى. ولكن للأسف الجهاز الذي في رقبته لم يتوافق معه، فأزالوه في عملية أجريت في مستشفى الملك فهد التخصصي. وهذه كانت صعبة علينا جميعاً، ولكن لك الحمد يا رب على كل شيء».

الاقتراح المُنقِذ

في أحد الأيام جاء طبيب إلى منزل العائلة، ودار حديث بينه وبين والد فاضل، وأخبره الأخير برغبته في السفر إلى الخارج، للبحث عن متبرع، بعدما سمع من أصدقائه بأنه قد يستطيع إيجاد متبرع لمحمود، مقابل مبلغ.

الأب كان يبحث عن أي بارقة أمل تريح ابنه من الألم الذي كان يعاني منه، ومن المشاوير الكثيرة لإجراء غسل الكلى في المستشفى.

فاقترح الطبيب على والده بأن يترك فكرة السفر، وبدل هذا المجهود؛ فالعلاج لديه وقريب منه، تعجب الأب من كلام الطبيب، وقال له: أين هذا العلاج؟ فقال: أنتم أهله، أخوته يستطيعون التبرع له، فقط يجرون تحاليل بسيطة؛ تُظهر التطابق، ومن ثم التوكل على الله، وإجراء العملية.

يكمل فاضل «طبعاً؛ لم يكن هذا في بالنا أبداً. قد تكون غائبة عنا ليس إلا. أرتاح والدي كثيراً للكلام الذي سمعه من الطبيب، وألغى فكرة السفر. وكانت بداية الطريق من اقتراح هذا الطبيب».

أنا أولى بالتبرع

يتحدث فاضل بهدوء «كنت متردداً كثيراً في بداية الأمر، ليس لأنني خائف، بل العكس؛ هذا أخي، إذا لم أعنه فمن يعينه؟ قد يكون ترددي هو لقلة معرفتي بهذه العملية. ولكن ما دعاني لأقدم عليها من دون تردد بعد ذلك، ومن دون حتى معرفة نتائجها هو رؤيتي والدي، وهو كبير في السن، يذهب لإجراء الفحوصات، من أجل التبرع. لم أقبلها على نفسي؛ أنا جالس في البيت، أو في المستشفى، انتظرهما ينتهيان من العملية، فهذا عضيدتي، وذاك والدي. ومن الصعب جداً أن أقف صامتاً. والحمد لله ألف حمد له، على إعطائي هذه الشجاعة، فتوكلت على الله وقررت أن أكون أنا المتبرع، وخضعت إلى الفحوصات».

كان للتبرع شروطه، منها ألَّا يكون المتبرع مدخناً. أو وزنه زائداً، أو يعاني من أمراض في الدم، يقول «كانت جميع المواصفات منطبقة علي».

رغم حاجته إلى كلية؛ إلا أن محمود كان مصدوماً للغاية من موقف أخيه، لكنه لم يتكلم بشيء يقول فاضل «أجرينا جميع الفحوصات من الدم والأنسجة، والتأكد من عمل الكلى جيداً، من خلال حقنها بمادة زرقاء، انتهاءً بفحص البول، والجلوس مع الطبيب النفسي. كل هذه الأمور كنت أريدها أن تنتهي في ثوان».

يوم لا يُنسى

كان يوم الاثنين، العاشر من شهر محرم الحرام، يوم يتذكره فاضل جيداً بكل تفاصيله، يبتسم ويحمد الله بأنه «مرَّ بخير، وأحمد الله بأنني كنت أنا المتبرع. كنا اثنين في غرفة العمليات؛ محمود وأنا، إضافة إلى الوالد، الذي كان ينتظرنا خارج الغرفة، لأربع ساعات، مرت بطيئة على الجميع. ولكنها بالنسبة لي كانت سريعة، فأنا سأريح أخي من عذاب سنوات».

يضيف «أُدخلنا غرفة العمليات في الصباح، الساعة 6:30، وأربع ساعات انتهت مرارة ألم السنوات». يكمل «اليوم أنا وأخي بخير، والحمد لله على نعمة الأخوة، والوجود بين العائلة. لو تركت والدي ليجري العملية؛ لندمت طوال عمري. ودائماً أردد الآية الكريمة «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».

يراجع محمود القمارة، مستشفى الملك فهد التخصصي حالياً، من أجل الفحوصات، والحصول على الأدوية التي يحتاجها للحفاظ على كليته.

يؤكد فاضل، أهمية التبرع «لا تترددوا في تقديم العون لأهلكم، أو لأي أي أحد. فهو بركة من الله تعالى أن تمد يد العون إلى محتاج، حتى لو بجزء من جسدك، فالله لن ينساك».

اقرأ أيضاً:

بعد أحمد وسهر.. أنيسة أيضاً أهدت كليتها لأختها نجاح

أحمد آل شلي قدم لأخته سهر كليته: شكراً لكِ على قبول الهدية

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×