باحث إيراني يتطوع ويترجم كتاب “العباس” للشيخ علي الفرج صدر هذا الأسبوع في 304 صفحات عن دار "نشر حبيب"
القطيف: صُبرة
يرى الشيخ علي الفرج أن قصص واقعة كربلاء المُغرقة في الخيال بدأت على يد المؤلفين الفرس، ويحتمل أن يكون الكتاب المعروف بـ “روضة الشهداء”، هو أول كتاب من نوعه شاعت قراءته بين الفرس. وقد ألّفه الواعظ الحسين بن علي الكاشفي البيهقي المتوفى حدود سنة 910.
كما يرى أن المؤلفات العربية التي وُضعت بعده تأثرت به كثيراً، في الاعتماد على الخيال الأسطوري في سرد القصة، ومنها تسرّبت الخيالات إلى المنابر الحسينية، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن.
وقد سجّل الشيخ الفرج هذه الملاحظات في كتابه “العباس بن علي.. بين الأسطورة والواقع” الذي صدر عام 2017م، وأثار جدلاً واسعاً.
وخلال الأيام الفائتة صدر الكتاب مجدداً، ولكن في طبعة فارسية، بترجمة عبدالحميد محمودي، وهو شاب إيراني، وُلد في مدينة قم، من أسرة علمية، ودرس في مسقط رأسه، ويحمل الماجستير في التاريخ الشيعي، من جامعة الأديان والمذاهب في قم.
تحمّس محمودي لكتاب الشيخ الفرج، وتطوّع لترجمته إلى اللغة الفارسي، ونشره بعنوان “حضرتْ عباس.. إزا أسطوره تا واقعيّتْ”، في 304 صفحات، عن دار اسمها “نشر حبيب”.
تاريخي وأسطوري
منذ صدوره في 2017؛ حرّك كتاب “العباس بن علي.. بين الأسطورة والواقع” موجة من ردود الأفعال ضدّ ـ ومع ـ مؤلفه الشيخ علي الفرج الذي لاحقته اتهامات بـ “الإساءة” إلى مقام العباس بين علي بن أبي طالب، وساندته ـ في الوقت نفسه ـ إشادات بما قدّمه من تمحيص تاريخي في سيرة الشخصية الثانية في واقعة كربلاء.
“بين الأسطورة والواقع”.. تلك هي المعضلة التي أعمل فيها الشيخ الفرج ملكاته في البحث محاولاً الفرز بين ما هو مرصودٌ تاريخياً في المصادر الأولى لقصة كربلاء، وبين ما هو منتشر في مصادر ما بعد القرن العاشر الهجري، وصولاً إلى ما حوّلته المرويات المتأخرة، ومعها النقولات الشفاهية، إلى ما يُشبه “المسلّمات” في التفكير الجمعي الشيعي. وكانت خلاصة بحثه تشكيكاً في صحة كثير من المرويات، وتمييزاً لما يدخل في الجانب الأسطوري المُتزيَّد على القصة الأصل.
تمهيدٌ مطوّل، و3 فصول، في 326 صفحة؛ كانت كفيلةً بتعقيد النقاش حول نوايا المؤلف أكثر من النقاش حول طرحه التاريخيّ، ووقفاته عند واقعة كربلاء و “تتبع وتوثيق تلكم الحوادث حادثة حادثة”، بـ “الرجوع إلى المصادر التي أرخت لتلكم الحقبة الزمنية من كتب التاريخ والحديث والأدب والتراجم، وعدم الركون إلي أي مصدر كان”.
مرويات المصادر الحديثة
وعلى هذا الأساس من التفكير؛ رفض الفرج مرويات العديد من المصادر الحديثة، لأن الشيخ الفرج لم يعثر “على ما يؤيدها في المصادر القديمة، ولم يُشر رواتها إلى مصادر محددة اعتمدوها في نقل الرواية، وإنما يسردها المؤلف دون سند رجالي، ودون إشارة إلى مصدر تاريخي أو حديثي، وفي بعض الأحيان ينقلها المؤلف عن مصدر مجهول، كأن يقول: عن بعض الأصحاب”..!
وهناك سبب آخر وجده الفرج هو وجود “بون كبير بين رواية أحداث واقعة كربلاء في المصادر التاريخية القديمة وبين روايتها في المصادر الحديثة، في العبارات والألفاظ، إذ تطفح كثير من المرويات التي تنفرد بها المصادر الحديثة بالمبالغات والأوصاف الشعبية”.
والسبب الثالث هو وجود ما يسميه الفرج “سحب الروايات بعضها على بعض”، ويشرح “ذلك أن بعض هذه المصادر تروية حادثة تاريخية معينة، وتنسبها إلى إحدى الشخصيات”.
معضلة القرن العاشر
يربط الفرج منطقة بحثه ببداية القرن العاشر الهجري، متوقفاً عند كتاب مهمّ في مسألة توثيق الحس الأسطوري ـ الخيالي ـ في قصة كربلاء، بوصف العباس بن علي جزءاً منها. ففي بداية ذلك القرن برز كتاب اسمه “روضة الشهداء”، و “وهو كتاب فارسي ملمع للمولى الواعظ الحسين بن علي الكاشفي البيهقي المتوفى حدود سنة 910، مرتب على عشرة أبواب وخاتمة فيها ذكرى أولاد السبطين وجملة من السادات”.. ويرى الفرج “يُحتمل أنه أول مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس”.
هذا الكتاب “اصطبخ بالصبغة الصوفية، والنقول غير الدقيقة، بل غير الصحيحة، واعتماد الأسلوب القصصي الخيالي”. ويُشير الشيخ الفرج إلى ما واجه الكتاب من انتقادات شديدة سابقة. ويرى أن تأثير هذا الكتاب “انتقل إلى المؤلفات العربية، فتراه مهيمناً على كتاب المنتخب للطريحي مثلاً الذي انتشر بين قراء المجالس انتشار النار في الهشيم”.
يضيف “وقد ظهرت مجموعة من كتب المقاتل والمجالس الحسينية، كأسرار الشهادة للدربندي، ومعالي السبطين للشيخ محمد مهدي الحائري المازندراني، ومقتل الإمام الحسين المنسوب لأبي مخنف الأزدي”.
وقد وجد الفرج 5 أسباب لانتشار الروايات الضعيفة في المصادر الحديثة، أهمها: غياب التحلي التاريخي، التقرب من الجمهور إلى الدرجة التي تُطرح فيها القضية الحسينية بصورة أقرب إلى الصورة الشعبية، وكثرة الأحاديث الموضوعة، وتحوّل لسان الحال إلى لسان المقال، وتحول الخيالات الأدبية إلى قناعات بأنها أحداث وقعت وأقوال قيلت بالفعل، وعدم تبني المؤسسات العلمية والحوزات بصورة خاصة للتحقيق في القضية الحسينية.
المترجم الإيراني عبدالحميد محمودي
اقرأ أيضاً