لماذا تزداد حرارة القطيف عاماً بعد عام..؟ دراسة بالأٌقمار الصناعية تُشير إلى تأثر المحافظة بتآكل البيئة الزراعية
كتب: حبيب محمود
منذ أوائل ستينيات القرن الماضي؛ بدأت القطيف تشهد تحوّلاتٍ عمرانيةً انعكست على واقعها الطبيعي التاريخيّ. التحوّل الأول بدأ في حواف القرى الريفية، باتساع الرقعة العمرانية على حساب الرقعة الزراعية والبحرية. لكنّ التحوّلات تسارعت في عقد السبعينيات أكثر، ثم تسارعت أكثر لاحقاً، وصولاً إلى حدوث تغيّرات هائلة نشهد اليوم انعكاساتها على المناخ.
حار دافيء
مناخ القطيف الطبيعي حارٌّ صيفاً، دافئٌ شتاءً. تلك هي الطبيعة التي عرفتها عبر تاريخها، استناداً إلى موقعها الجغرافي المحدد بخط الطول 50 درجة شرقاً وبين دائرتي العرض 26 درجة و32 دقيقة شمالاً. وأعطاها موقعها من البحر شرقاً والصحراء غرباً صفتَي الرطوبة العالية مقابل الجفاف. لكنّ مكوّناتها الطبيعية خفّفت كثيراً من سطوة القيظ الذي لا يرحم.
القطيف الطبيعية؛ تتكوّن من سلسلة واحات تبدأ من أقصى شمال “سيهات” إلى أقصى شمال “أبو معن”. كُبراها هي الواحة الأم المتصلة من سيهات إلى العوامية. هذه الميزة؛ هي التي جعلت من القطيف جنةً وحيدة على ساحل الخليج العربي منذ فجر التاريخ.
وحتى الآن؛ ما زالت القطيف محتفظة بأهمّ خصائصها الطبيعية التاريخية. لكنّ التغيّرات المناخية ملموسة بوضوح، ويمكن الإمساك ببعض مؤشراتها في نضوج أصناف الرطب قبل أوانها تقريباً. وبالذات في نخيل الأحياء السكنية الحديثة، وفي نخيل البيوت والشوارع.
دراسة علمية
من المؤسف ألّا نعثر على دراسات وأبحاث تخصّ مناخ القطيف تحديداً، لكنّ هناك دراسة أجرتها الدكتورة بدرية الحبيب عام 2001. الدراسة معنية بمدينة الدمام، وقد صدرت عن جامعة الدمام (جامعة الإمام عبدالرحمن حالياً). وقد تناولت القطيف بوصفها “الظهير الزراعي للدمام”، وليست مركز البحث.
وتوصّلت الدراسة إلى أن الفارق الحراري بين مدينتي الدمام والقطيف؛ قد يصل إلى 8 درجات مئوية، على الرغم من أن فاصل المسافة بين مركزَيْ المدينتين لا يتجاوز 18 كلم. (الفاصل الإداري هو صفر). القطيف أقلُّ حرارةً من الدمام، والعلّةُ هي أن 60% من مساحة القطيف تقريباً أرض زراعية. وتصنف أراضيها على أنها واحة قديمة يرتفع فيها منسوب المياه الباطنية، وهذا بدوره أثَّر كثيراً في اختلاف درجات الحرارة بين الدمام والقطيف.
منذ عام الدراسة حتى الآن؛ المدة الزمنية شهدت القطيف تغيُّرات ملموسة على الصعيد العمراني والزراعيّ، وبالمحصّلة؛ البيئيّ. ثمة أحياء عمرانية كثيرة نشأت، معظمها على حساب البيئة الزراعية والبحرية. وعليه؛ فإن المساحة الزراعية في القطيف باتت أقل من 60% من مساحة المحافظة عام 2001.
جزر حارّة جداً
في 29 يوليو تموز 2001؛ استعانت الباحثة الحبيب بالقمر الصناعي “لاندسات “5 TM التابع لـ “ناسا”؛ لرصد ما يجري حراريّاً فيما يعرف بحاضرة الدمام التي تشمل القطيف. فكانت خلاصة نتائجها كالتالي:
ـ جزر حارة في المناطق السكنية والتجارية في الدمام والقطيف، بين 41 و 43 درجة.
ـ جزر حارّة وحارة جداً في المناطق الصناعية الدمّامية، بين 44 و 49 درجة. ولم تذكر الباحثة القطيف، لكنها علّقت بأن “الاستخدام الصناعي الكثيف وانبعاث الغازات الدفيئة” قد يكون “سبباً في ارتفاع درجة الحرارة، ويتوقع أن تشكل هذه الجزر تغييراً في خصائص الهواء على المدى البعيد في طبقات الجو العليا.. وقد يؤدي هذا بدوره إلى حدوث تغيرات مناخية واضحة على المستوى الاقليمي وليس المحلي فقط”.
ـ جزر دافئة في المناطق الخضراء: في الدمام بين 36 و 38، بينما في القطيف تنخفض إلى ما بين 31 و 32 درجة مئوية.
ـ جزر حارة وحارة جداً في المناطق الجرداء، وبالذات في المناطق المتصحرة غرب القطيف، بين 44 و 46 درجة.
ـ جزر حارة جداً في الطرق الواسعة وقد تصل إلى 48 درجة.
توزيع الجزر الحرارية
وتكشف خريطة الاستشعار عن بُعد؛ توزيعاً واضحاً للجزر الحرارية في الدمام والقطيف. وقد رُمز إليها بالألوان. واللون الأحمر هو الأشدُّ حرارةً. ويكاد ينعدم وجود هذا اللون في قلب واحة القطيف، بالذات في البلدات والقرى الواقعة في قلب المناطق الطبيعية الخضراء. فيما يتكثّف الأحمر ـ مثلاً ـ في الأرض التي كانت جرداء، عام 2001، وأصبحت حيّ الشاطيء الآن. بل يكاد يشمل اللونُ الأحمرُ الجزء الجنوبيّ كله من جزيرة تاروت. (انظر الخريطة).
فيما يتكثّف الورديُّ، الأقل حرارة، في المناطق السكنية في الجزيرة.
محيط مؤثر
على كل حال؛ القطيف ليست بمعزلٍ مناخيٍّ عن محيطها الجغرافيِّ، فهي تتأثر ـ بالضرورة ـ بكلّ ما يجري من حولها، وتتأثّرُ ـ أكثر ـ بما تفقده من مساحات زراعية وبحرية، وما يُضاف إليها من تدخلٍ بشري، تنتشر، بموجبه، المساحات العمرانية السكنية والتجارية والصناعية، دون أخذ المؤثرات البيئية التي تجرُّ معها تغيُّراتٍ مناخية.
أن ينضج الرطب قبل موسمه، ويُختصر موسمه في أسابيع، بدلاً عن أشهر، وتتداخل حواف المواسم.. كلُّ ذلك ليس مؤشراً طيباً.. ليس مؤشراً طيباً على الإطلاق..!