[مقال] الصديق.. حين تبحث عن الملح في الموز
سراج ابو السعود
أظن أن الانسانية كخط الأعداد، ففي ذروة جانبها الموجب يقع التسامح، وفي ذروة جانبها السالب يقع الحقد، وحالما يبحث الانسان عمن يتخذه صديقا فليبحث عمن يجيد لغة التسامح، وحينما يظن ان حقوداً يمكن ان يكون صديقا وفيا فليتأكد ان احتمال ذلك كاحتمال وجود البترول في اليابان أو الملح في الموز.
هذا لأن الانسان خطّاء بطبعه، وحينما تصبح عين الآخر بصيرة على ذلك وتجتره بين حين وآخر فلأن الحقد المتغلغل في عقله الباطن يجعله من حيث لا يشعر لا يرى الجميل في الأشياء، بل يرى على النقيض منها تماماً كل عيب، ويبقى متى ما حانت له الفرصة منطلقا كالسهم في سرد العيوب والمثالب.
أما تذكر الخيرات فربما ستتحقق فقط حينما يُرسم خطان مائلان على صورة صديقه بعد الموت، حينذاك يمكن ان يكتب في صفحته: لم تعجلت الرحيل، أو: ما أشد اشتياقنا إليك، وأما في حياته فلا اشتياق ولا رحيل ولا هم يحزنون.
في يوم الصداقة العالمي ينبغي تذكر ما ورد في الأثر “من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك شراً، فاتخذه لنفسك صديقاً”.
يعني ذلك أن الصداقة الحقيقية يمكن ان تكشفها مواضع الغضب، وحالما يظن السعداء الذين لم تتخلل علاقتهم أي أسباب للخلاف ولو بنسبة ما انهم يعرفون بعضهم فهم في الغالب يخطؤون، هذا لأن تقلب الظروف والخصومة تكشف معادن الناس.
هنا أظن: أن الصديق الحقيقي هو من يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، هو من لا يعرف للحقد سبيلاً، هو المتسامح الذي يجيد ابتكار الاعذار لأخيه حين الخطأ، هو الواعظ العذب في تنبيهه عن الأخطاء، وهو الذي يحفظ أخاه في غيبته ويلوذ عنه من سهام الألسنة، هو الذي يسعى إلى قضاء حاجة أخيه دون أن يضطر هذا الأخير إلى الشكوى وذل السؤال.
هكذا كما اظن هو الصديق، وحالما يجد الانسان كل ذلك في شخص فليتأكد أنه وجد كنزاً لا يقدر بثمن، وعليه أن يعض عليه بالنواجذ ويحافظ عليه، فهو أحد الكنوز الحقيقية في هذه الدنيا.
الحقيقة أن الصديق هو تماما المريض بنسيان العيوب، هكذا هو عقله الباطن انقى من الماء الزلال لا تلوثه الاحقاد وكدر المثالب والاثام، وما أحسن وأجود قول الشاعر:
إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً
فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا
وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَهُ
وَيَلقاهُ مِن بَعدِ المَوَدَّةِ بِالجَفا
وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ
وَيُظهِرُ سِرّاً كانَ بِالأَمسِ قَد خَفا
سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها
صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا