مصلحة الفرد أم المجتمع
صالح مكي المرهون
الحقيقة أن هذا موضوع مهم للغاية، أعني تعارض المصلحتين ومن ثم تقديم مصلحة المجتمع على المصلحة الفردية، وهو باب له كثير من الأحكام الفقهية وفلسفتها، بل وتغييرها أيضا، ويمكننا أن نقول باختصار شديد: إن مصلحة المجتمع دائما تقدم على المصلحة الفردية، ولكن هناك حالة تثير الشكوك، ولكنها الحقيقة ضمن هذه القاعدة، وهي أن مصلحة الفرد هي أيضا مصلحة للمجتمع، وأذى الفرد هو أذى للمجتمع، فكيف نشخص المصلحة العامة في كل الأحوال؟
إن الحكم بتقديم مصلحة المجتمع يبدو حكما واضحا عند العلماء وعند العقلاء، إلا أنه عند التطبيق يلتبس الأمر كثيرا، وهناك أمثلة كثيرة في حياتنا نحتاج فيها لمعلومات وموازنة موضوعية دقيقة حتى نحكم بأن هذا الفعل فيه مصلحة عامة، فيقدم على غيره، إذ ليس هناك ضوابط مطلقة، إذن الموازنة تكون ظرفية، والحكم فيها خاضع للظرف ومقدار المعلومات المتوافرة والخبرة الموجودة للجزم بالأفضلية للمجتمع، و عموما هذا الباب ليس مفتوحا لكل أحد، ولهذا لا تكون الحجة إلا في ضوء الأدلة الشرعية من الكتاب وشريعة محمد( صلى) وأهل البيت( ع) والجماع المعقول من قبل العلماء، ودورها في محاربة الفساد بشكل عام سواء كان على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الإداري، وهذه القاعدة هي الخط الفاصل بين الصلاح والفساد، ومن إهمال تطبيق القاعدة وعدم الوعي بأهميتها كان سببا في كثير من الأزمات التي تجتاح العالم الإسلامي على جميع الأصعدة، ولاشك أن هذه القاعدة بمضمونها وبعدها تكفل للأمة تطوراً صحيحا يضمن استقرارها وتطورها، فإن الإسلام بتشريعاته أرسى دعائم المجتمع بحفظ المصالح العامة، والخاصة من الفساد بأي حال من الأحوال، قال الله تعالى في كتابه الكريم (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)
وفي الآية الكريمة تركيز يتضمن كل إفساد كان قليلاً أم كثيراً بعد إصلاح كان قليلاً أم كثيراً، فقد بين الله تعالى في كتابه بحفظ المصلحة العامة والخاصة معا فقال: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)، يعني جاء في هذه الآية الكريمة ولا تقربوا مال اليتيم إلا بما فيه من المصلحة له، وإن هذا كان في حقوق اليتامى فمن الأولى أن يثبت في حقوق عامة المسلمين فيما يتصرف فيه الأمة من الأموال العامة، لأن اعتناء الشرع بالمصلحة العامة أوفر وأكثر من اعتنائه بالمصالح الخاصة، فالمصالح العامة المتعلقة بحقوق المجتمع مقدمة على المصالح الخاصة المتعلقة بحقوق الفرد، لذلك فإن الفرد لا بقاء له إلا بالمجتمع، فالفرد قليل بنفسه كثير بالمجتمع، ولهذا كان الحق المتعلق بالمجتمع أوجب من الحق المتعلق بالفرد، ومن أهمية الموضوع وقيمة المصلحة العامة للمجتمع فقد عدها العلماء بمنزلة الضرورة، وقد أكدوا بالحرص على حماية المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
اللهم لا تجعلنا من المفسدين في الأرض واجعلنا من المصلحين، ومن المحافظين على أموال اليتامى أنك سميع مجيب.