[23] قبس من سماء رمضان

الدكتورة رانية الشريف العرضاوي*

 

{سلامٌ قولًا من ربٍّ رحيم} يس/58:

يقول الرازي: “السلام هو أكمل الأشياء، وهو آخرها الذي لا شيء فوقه”. ويذكر الراغب في مفردات غريب القرآن، أنّ السلام والسلامة هو التعري من الآفات الظاهرة والباطنة، لذلك قال الله في حق وصف قلوب المخلصين: (بقلب سليم). يعني مُتعرِّ من الدَّغل، فباطنه نقي بعيد عن أي ضغينة وآفة.

وقد قيل: السلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة؛ إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وصحة بلا سقم. ومن معاني السلام اللطيفة، أنه الخالص السالم من أي نقصان. وفي الآية الكريمة، إكرام من رب العالمين لعباده المؤمنين حال استقرارهم في جنات النعيم. فبعد أن وصفت الآيات السابقات عليها حالهم، مترفلين بين النعيم، ومتقلبين في ثنايا الجَبر بعد الكسر، جاءت الآية لتكون خاتمة مسك. ف (سلام) هنا بالرفع هي إما خبر للمبتدإ (ما) في قوله: (لهم ما يدّعون). أو خبر لمبتدأ محذوف، ويكون التقدير : هي سلام، أي الجنة. وعلى الوجه الأول يكون قول (سلام) إعطاء من الله ذاته، يقول ابن عباس في ذلك: فإنّ الله نفسه سلام على أهل الجنة”. ويكون محسنا إليهم بقوله لهم كما قال للنبيين قبلهم (سلام على المرسلين). وعلى الوجه الثاني تكون الجنة هي السلام الممنوح، ومصداقه (لهم دار السلام). فهي مسلّمة سالمة خالصة لهم دون غيرهم. والوجهان لا تناقض بينهما؛ فالسلام سبحانه هو المنعم في الأمرين على التمام.

وأما (قولا)، فهي منصوبة على نزع الخافض، أو بعامل محذوف، فيكون التقدير: تقوله الملائكة قولا، أو قولنا قولا على المصدر. وبذلك يكون سلام السيد على عباده، هو غاية الإكرام بعد العطاء بمنحهم نزل الجنان.

وأمّا (من رب رحيم)، ففيها مسائل، منها أنّ الربّ يطلق على رب العالمين ويشمل: الخَلق، والمُلك، والتدبير. وهذه ربوبية عامة شاملة لكل الخلق الذين خلقهم. ورب كذلك فيها ربوبية خاصة هنا بعباده المخلصين، وهي تقتضي عناية خاصة بالمربوبين، وتوفيقا لهم، وإصلاحا لحالهم. ومنها قوله (رب موسى وهارون). ومعنى ذلك، أنّ السلام واقع من الله عز وجلّ، مخصوص للمؤمنين بربوبيته العامة والخاصة لهم. لذلك كان أن ردِف كلمة رب بصفة (رحيم)، فهي الرحمة الصفة الذاتية التي لم يزل الله بها متصلا، مصروفة لعباده المؤمنين أيضا.

ومن اللطيف أن تعرف، بأن السلام في هذه الآية ليس على سياق الدعاء، فهو ليس من مخلوق، بل هو من الخالق، الذي يخبر بأنه سيسلم المؤمنين من كل آفة ظاهرة أو باطنة، ويسلم لهم الجنة سالمة خالصة. فاقتضى أن يفارق معنى الدعاء، واقتصر على معنى الخبر. فانظر إلى مثل هذا الخبر. واللهم أنت السلام ومنك السلام، تعاليت يا ذا الجلال والإكرام.

والله أعلم

_______________

* أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية، جامعة الملك عبدالعزيز.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×