فاضل الصائغ.. أن تفني زهرة شبابك في الاختراع ودعم المبتكرين آخرها مساعدة طالبات ثانوية على تصميم شريحة نانو تُعالج مرضى السرطان

القطيف: ليلى العوامي

في القطيف؛ قلة هم من يعرفون السيد فاضل السيد نزار الصائغ، هذا الشاب المتدفق عبقرية وعطاءً. طوال 15 عاماً كان متفانياً في تطوير عقولها المبتكرة من خلال مشروع «فاب لاب مستقبلي»، درب المئات منهم، أصغرهم عمره 11 عاماً، وأكبرهم تجاوز الـ60.

الشاب الذي ووري جسده عصر أمس (السبت)، في مقبرة الخباقة، عاش مفتوناً بالاختراعات والابتكارات، مد يد العون لطالبات الثانوية السادسة في القطيف، اللاتي نجحن مؤخراً، في تقديم مشروع تصميم شريحة نانو للمساهمة في علاج السرطان.

قبل أن تُسكت قلبه النوبة، ابتكر وفريق «فاب لاب مستقبلي» جهاز التنفس الاصطناعي «QVentAid»، الذي يساعد مرضى فيروس كورونا المُستجد وغيرهم، على التنفس، والذي يُعد أول منتج سعوديّ من هذه الفئة، ويساهم في توفير الأوكسجين للمرضى في الحالات غير الحرجة.

رحل مصطحباً ابتسامته المُلهمة، خُلقه، كاريزميته الفريدة، التي يعرفها تمام المعرفة، كل من كان قريباً من «فاب لاب مستقبلي». هذا المشروع الرائد.

الراحل فاضل الصائغ (يمين) وصديقه المهندس جهاد المحيميد.

العقل المُدبر

المهندس جهاد المحيميد، عرف السيد فاضل منذ 2007، عملا معاً في «مستقبلي» في 2013، ومن ثم انتقلا للعمل في «فاب لاب مستقبلي« في 2017. يقول عنه «فاضل الشاب الخلوق الطيب المحب للجميع. كان كالغراء الذي يجمع أي شتات، في أي مكان يوجد فيه يكون العقل المُدبر. عرفته ساعياً لتحقيق الأفضل في أي أمر يقوم به، وخبر مثال جهاز التنفس الاصطناعي الذي ساهم وفريقه في اختراعه».

يضيف المحيميد «رحم الله فاضل.. رحم الله صاحب الابتسامة الدائمة.. رحم الله صاحب الخُلق الرفيع.. ومن منا لا يعشق فاضل؟ كل الكلمات لا تفي حق فاضل، فهو بمنزلة الأخ والصديق، الحاضر دائماً، في أوقات الرخاء والضيق».

يتذكر المهندس جهاد، «فاضل صاحب الرؤية والنظرة.. فاضل العقل واليد والروح التي ارتكز عليها «فاب لاب مستقبلي».. بدأ مسيرته مع هذه المنظومة عام 2014، في العلاقات العامة، وتدرج حتى أصبح من الإدارة التنفيذية.. أثره واضح في كل مشروع من مشاريع «مستقبلي»، وإن تغافلنا عن ذكره.. كان التميز عنوانه وإتقان صُنعته علامته. أعطى الكثير لهذه المنظومة، ولعلنا تأخرنا أن نقول له: شكراً فاضل.. ولكنه بطيبته يصنع الأثر.. فاضل كان هنا علامته ووسمه Fadil Was Here.. هكذا كان يحب أن يُنادى ويُعرف.. كانت رؤيته انتهاء فصل من فصول الحياة، وهي الخروج من «فاب لاب مستقبلي»، والبدء في فصل جديد لم يسعفنا الموت بأن نخطو خطوة نحوه».

وبنبرة تفيض حزناً يكمل «استعجل فاضل الرحيل، فقد رحل عن هذه الدنيا، وعن والديه وزوجته التي تترقبه. رحل عن أصدقائه، عن جيرانه، عن طلابه، وأصغرهم عمره 11 عاما، وأكبرهم يتجاوز الـ60».

كان المحيميد والراحل الصايغ يعملان على توثيق إنجازات «فاب لاب مستقبلي»، التي يقول عنها الأول «يعود فضلها الأكبر إلى فاضل، كنا سنقدمها هدية إلى «مستقبلي»، الذي أنا متقين بأنه كان فخوراً جداً بتلك الإنجازات، ولكن أمر الله كان أسرع.. تعجز الكلمات عن ذكر ما يستحقه، ويعجز اللسان عن وصف نُبله»، وخاطبه قائلاً «استعجلت الرحيل يا فاضل.. رحل فاضل الشاب الخلوق، وبقي أثره واضحاً على الجميع».

منصور الزاير.

كاريزما المعلم المتواضع

المهندس منصور فؤاد الزاير، تحدث إلى «صُبرة»، وهو في طريقه لتوديع «أيقونة العطاء» كما وصفه. في مثل هذه المواقف؛ من الصعب أن تلقى من يستطيع ان يتحدث معك، لكن الزاير كان يريد أن يقول شيء، فيما الحزن أقوى منه، تمالك نفسه وقال «السيد كان ايقونة عطاء بلا حدود. كان يملك دفقاً من الصداقة، حتى أضاء لنا الدروب في «مستقبلي»، فبعد انضمامه تعرف أعضاء المشروع على شخصية ملهمة، معلم، معطاء، باذل من دون أن يترقب كلمة شكر. في كل زاوية في «مستقبلي» له بصمة، وعلى كل متعلم فيه كان له فضل. صدمة الفريق لا توصف، لذا نعاه الجميع».

يضيف الزاير والحزن يغمره «كان ملجأنا، ملهمنا جميعاً، كان الطاقة المُشعة، والروح الايجابية الي نلتجئ إليها عندما تصعب علينا الأمور. كانت لديه ملكة العلم والمعرفة، وتطويع العلم ليخدم أي غرض، فأحلام فريق «مستقبلي» تشهد له بأنه كان عنصراً فعالاً في تحقيقها، وكان له إصرار الراغب في الإنجاز، والتميز، وكأنه يقول: فلنذلل الصعوبات، ولنتميز، فكلنا يداً واحدة. كان يضفي كلماته، وتشجيعه على أعضاء الفريق، فلكل منهم معه قصة وذكرى لن تنسى».

لا ينسى منصور الزاير، الدور «الكبير» الذي قدمه السيد فاضل لـ«فاب لاب»، يقول «كان دوره أساسياً ومحورياً في تأسيس وتطوير «فاب لاب مستقبلي»، باعتباره مديراً تقنياً ومعلماً لن ينساه كل المستفيدين، فكاريزمته، وروحه الطيبة وتواضعه كان يأسر قلوبهم، وكأنه يقول لكل متعلم: أريدك أن تكون أفضل مني، وأريد أن أكون متعلماً منك».

قامة تتهاوى أمامها الكلمات

كانت عقيلة المبارك تسميه «السند والعضيد»، قالت بدموع مخنوقة عبر الهاتف لـ«صُبرة« «راح العضيد». لم تتمالك نفسها، كانت تنهداتها تتصاعد،  وعمق حزنها واضحاً من خلال صوتها المبحوح من شدة الحزن «كيف لا وهو العضيد الذي فقدته» قالت.

تضيف «مازلت أتذكر وانا اسأله قبل أيام فقط: فاضل؛ ما هو شعورك وهذه آخر مرة تقدم ورشة الطباعة الثلاثية الأبعاد؟» مضيفة بحسرة مخنوقة «لم أدر ان هذه المرة فعلاً هي الأخيرة».

آخر ما كنت تتوقعه المبارك «أنني اكتب في مجموعة «فاب لاب» على «واتساب» نعياً لمن اعتبره أخاً غالياً وعزيزاً. الحزن في القلب لا يوصف بالكلمات، والدمع في العين لا يطفي حرقة الفراق، ولكن المرجع لله».

تكمل «كنا نخطط لحفلة وداعية كبيرة، وإنجاز أكبر من جهاز التنفس، يختم هذه الرحلة الجميلة. ولكن الموت سبقنا بخطته»، مضيفة «أعزي نفسي، وجهاد، وعائلة «مستقبلي»، و«فاب لاب» بفقد السيد فاضل، فخسارتنا لن يعوضها شيء، ولن يسد أحد فراغ زُرِعَ فينا برحيلك يا فاضل».

تدعو عقيلة المبارك، الله «بأن يكتب له ثواب كل واحد فينا، قد تعلم من علمه، وشغفه وأخلاقه الكريمة، ويكتب له ثواب كل مالٍ قدمه من خاصة ما يملك، ليطور منا، فالسيد فاضل عمل لوجه الله، لم ينتظر شكراً من أحد، ولا عائداً شخصياً مما يقدمه. سنبقى دائماً نراه قدوة لنا في اللطف، الأخلاق، حب العلم والتفكير، بطريقة مجنونة لا تأتي على بال أحد».

كما تدعو الله «أن تبقى أحلامه وتأثيره علينا شعلة لا تنطفي في داخلنا، وتذكرنا فيه طوال حياتنا. القامة العظيمة اللي يمتلكها فاضل تتهاوى أمامها الكلمات في التعبير، والحزن والألم في فقد الإخوة لأول مرة أشعر به».

رحل قبل ساعات من تسلم المشروع

لم تصدق رؤى حبيب المهندر، حتى الآن خبر رحيل فاضل، مازال الخبر ووقعه كالحلم، تحاول الاستيقاظ منه، لكنها لا تستطيع، فالألم أكبر من أي شيء. تسأل «كيف لا وهو قدم خبرته وعلمه ومهاراته لمجموعة «فاب لاب».

تقول «خبرٌ له وقعه من الحزن. التحقت منذ ثلاثة أشهر تقريبًا بـ«فاب لاب». وفي كل مرة أتحدث فيها مع السيد فاضل في المقر، أو عبر «واتساب»؛ يبهرني بعطائه، وتحفيزه المستمر، وتقبله لجميع الأفكار».

تكمل المهندر، «كان ناصحاً، ودائماً يطلب مني ألا أقتصر على مجال تخصصي، ولا انتظر المعلومة، بل أبحث عنها. كان خير معلم، ومرشد، وقائد. كما أني أراه قدوة لي في أخلاقه، وتواضعه، وحبه للعلم، وتعليمه. لقد بدأنا مشروع قبل أيام؟ وكان آخر تواصل بيننا يوم الجمعة الماضي. كان يجب علينا تسليم بعض المهام عند التاسعة مساءً. ولكنه قال «لن أكون قاسياً وازحمكم يوم الجمعة، نخليه الساعة التاسعة مساءً يوم السبت». ولكن الموت كان أسرع، فقد رحل عن عالمنا صباحاً. رحمه المولى، وأسكنه فسيح جناته».

سعود المسلم.

هل كان يعلم برحيله؟

سعود شاكر المسلم، ممن دربه السيد فاضل الصايغ، فكان «خير من علمه». بصوت هادئ، ولكن يغلبه الحزن والأسى، بفقد المدرب «الصدوق الأمين، قال «قابلت السيد فاضل (رحمه الله)، أول مرة في الأسبوع الثاني لالتحاقي في «فاب لاب مستقبلي»، وتحديداً في شهر مايو عام 2021، ومن أول لقاء وحديث معه؛ شعرت بالراحة معه. كان بشوشاً ولطيفاً. لم أشعر يوماً معه بأنه رئيسي؛ بل صديق وأخ».

رغم أنه في أوقات التدريب لم يكن يأتي كثيراً، بحكم وظيفته ودوامه، الذي لا ينتهي إلا عند المغرب تقريباً، لكن المسلم يقول «كان دائم التواصل معنا، عبر «واتساب» المجموعة. ومن الأشياء التي كان يحثنا عليها الإبداع وإبهار الناس؛ لأنه كان محباً للعلم والتعلم دائماً. كان يجيب على أسئلة الآخرين من دون تردد أو ضجر. وحينما يأتي إلى المقر؛ تشعر بشيء قد تغير في المكان، وحتى بيئة العمل تصبح مختلفة تماماً، بسبب شخصيته التي تجبرك على احترامها والإعجاب بها».

من الاشياء التي يتذكرها المسلم ولا ينساها «قبل أسبوعين أي قبل إجازة العيد بأسبوع، كان عنده ورشة يقدمها، وكان كل يكرر عبارة: إن هذه آخر ورشة لي. خلوني استمتع فيها».

يضيف سعود «لم أكن أدرك حينها قصده. ولكن الأمر صار واصحاً الآن. يرحمه الله. أنا سعيد لأنني عرفته في هذين الشهرين؛ لأنه إنسان فعلاً رائع، وخسارته خسارة للعالم أجمع، لأنه كان مبدعاً وذكياً».

معطاء لم يبخل بعلمه على أحد

ليلى آل حاجي ممن لا يزال غير مصدق خبر رحيل السيد فاضل، تقول «عرفته من بداية افتتاح «فاب لاب».. 4 سنوات مليئة بالعطاء والعلم والتأثير. عرفته منتصف 2018، كان مثلاً أعلى لجميع المتطوعين والمستفيدين، برحابة صدره، وتواضعه، وخلقه الحسن المشهود به. تلمس فيه الشغف الذي زرعه فينا».

تضيف آل حاجي، «كان يتفانى في أصغر المشاريع قبل أكبرها. زرع فينا حب التعلم والعطاء. مشهده في زوايا المكان، وهو يشتغل لتقديم الأفضل. لا يمكن أن يغيب عن بال أحد، وفي كل زاوية في قلوبنا قبل زوايا المكان له بصمة عميقة لن تمحوها الأيام والسنوات. وفي ذاكرتنا سيبقى دائماً الشخص المعطاء الخلوق، يعطي من دون مقابل. وكان يحلم بأن يتطور المكان كل يوم، أكثر وأكثر».

العمل خلف الأضواء

عرفت فضيلة آل يعقوب «فاب لاب» قبل 3 سنوات، زبونة ترداد المكان، لفت انتباهها اهتمام العاملين فيه بالأعضاء، فما كان منها إلا الانضمام إلى المجموعة.

تقول «شجعني المهندس جهاد المحيميد، والمهندس السيد فاضل الصايغ أن أدخل متطوعة. مرت 3 سنوات سريعة. كان عملي معه منذ ذلك اليوم. كان يشجعني باستمرار، ويعلمني وينتقد نقداً بناء، كي أطور من نفسي. وهذا كان له أثراً كبيراً في تطوير ذاتي».

عن الراحل؛ تتابع فضيلة بالقول «كان يعمل، ويحب أن يكون خلف الأضواء، لم يرغب أبداً في أن يسلط أحد الضوء عليه. حينما كان يساعدني؛ يجعلني في المقدمة وهو في الخلف. معطاء في العلم. هنيئاً له، لم يبخل بعلمه يوماً. كان أخاً محترماً، خلوقاً، ابتسامته دائماً على وجهه، فقده خسارة ومفجع».

إلى جنان الخُلد

فاطمة عاشور قد تكون أقل حظاً في التزود من علم، وخبرة السيد فاضل الصايغ، بسبب المدة القليلة التي التحقت فيها في «فاب لاب مستقبلي». لكنه لم يبخل عليها بما لديه.

تقول فاطمة «رُغم أن التحاقي في «فاب لاب» لم يكن منذ وقتٍ طويل، ولكن في كل مرّة اسأله سؤال؛ ألمس فيه حُب العطاء بشكلٍ كبير. رده دائماً مصحوب برحابة الصدر، حتى أنهُ يسترسل في الرد، لينفعني بكُل ما أوتي من علم. لم أحظ بمثلَ ما حُظي به البقية، لأتزود من ينابيع علمه، للأسف الشديد. هنيئاً لهم. لا حرمنا الله فيوضاتِ علمه، حتى وإن كان التراب يُغطيه. ذكرهُ وعلمه باقين، وإن رحل».

اقرأ أيضاً:

فاضل الصايغ منح مرضى «كورونا» فرصة التنفس.. قلبه توقف عن النبض

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×