أحمد المغسّل.. كيف تخلّت طهران عن “ربيبها”..؟ّ! جنّدته مراهقاً.. وورّطته في تفجيرات الخبر.. وأنكرت معرفتها به

القطيف: صُبرة

في صباح الـ 26 من شهر أغسطس 2016؛ انفردت صحيفة “الشرق الأوسط” بخبر يدخل ضمن الخبطات الصحافية الكُبرى، هو خبر القبض على أحمد المغسل، المطلوب سعودياً وأمريكياً طيلة 19 سنة.

إنه المطلوب الذي رصدت الولايات المتحدة 5 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات تُفضي إلى الإيقاع به. إنه المطلوب الذي توصلت التحقيقات المشتركة بين الرياض وواشنطن إلى أنه رأس التدبير في تفجيرات إسكان الخبر التي وقعت سنة 1996.

ميرزا الخويلدي

خبر صحيفة “الشرق الأوسط” الانفرادي وقف وراءه صحافي سعودي من محافظة القطيف؛ هو الزميل ميرزا الخويلدي الذي يشغل منصب مسؤول التحرير في مكتب الصحيفة بالدمام.

التقط الزميل الخويلدي رأس خيط الخبر من موقع إلكترونيّ لبناني، مفاده تعاون السلطات اللبنانية مع دولة خليجية حول تسليم مطلوب أمني. وبحكم معرفته بخبايا ملف المطلوبين إرهابياً في المملكة، ودهاليز الإسلام السياسي في الجانب الشيعي؛ تتبّع الخيط؛ حتى عثر على تأكيدات خاصة من مصادر سعودية رفيعة تذكر اسم “أحمد المغسل” عيناً.. المقبوض عليه في قلب العاصمة اللبنانية، بل ومن قلب الضاحية الجنوبية..!

وهكذا حققت “الشرق الأوسط” خبطة إعلامية كُبرى. وبقيت الصحيفة ـ والزميل الخويلدي ـ مصدراً لعشرات من وكالات الأنباء الدولية..

كرسي أخلاقي..!

بعد قرابة 5 سنوات من العملية الاستخبارية السعودية الناجحة؛ لم يعد أحمد المغسل مهمّاً كرقم إرهابي، لكنّه بات أكثر أهمية من الناحيتين السياسية.. والأخلاقية. وبما أن من النادر أن تجلس “السياسة” و “الأخلاق” على كرسيّ واحد؛ فإن أحمد المغسّل الاسم الذي وقف طويلاً بدعم طهران وشبكاتها الاستخبارية؛ لا يمكن للجهة التي استخدمته لأكثر من 30 سنة أن تُجلسه إلا على كرسي واحد.. كرسيّ “السياسة”.. والمعنى: ليس بإمكانها أن تفعل شيئاً سوى أن تتركه لمصيره، مُداناً باتهامات خطيرة.

وبمعنى أشدّ صراحة: أحمد المغسّل صار “بطاقة محترقة” لا فائدة منها إيرانياً. دولته قبضت عليه، وبدأت التحقيق معه ومحاكمته، وليس في وسع إيران إلا أن تتخلّى عنه، وتتبرّأ منه، بل وتُصرّ على التبرؤ من مسؤوليتها عن التفجير الإرهابي الذي أحدث دويّاً هائلاً في الشرق الأوسط كله.

نقاط التفتيش في 1988

في عائلة المغسّل أكثر من شخص يحمل اسم “أحمد” وأكثر من شخص يحمل اسم “محمد”، وكثير من سكان القطيف يتذكّرون ـ جيداً ـ نقطة التفتيش التي استمرّت في طريق جزيرة تاروت سنة 1988. وقتها لم يكن يؤدي إلى الجزيرة إلا طريق واحد، هو “طريق أُحد” الحالي. استمرّت نقطة التفتيش أشهراً طويلة، بحثاً عن مجموعة شبّان متهمين بجريمة تفجير شركة “صدف” في الجبيل الصناعية.

اسم “أحمد المغسل” كان من ضمن الأسماء المطلوبة، لذلك تحاشى أبناء عائلته حتى عبور طريق تاروت، حتى من لا يحمل اسم “أحمد” أو “محمد”، تجنُّباً لتعقيدات التدقيق. ما حدث بعد ذلك؛ هو القبض على 4 شبّان دينوا بالجريمة، ونُفّذ فيهم حدّ الحرابة لاحقاً، لكن محمد المغسّل لم يكن من بينهم.

“حزب الله الحجاز”

الشبّان الأربعة، ومعهم المغسّل، كانوا منخرطين ـ منذ بداية عملهم الحرَكي ـ في تنظيم يحمل اسم “حزب الله الحجاز”، وهذا التنظيم كان نتاج خلافات سياسية وفقهية وعسكرية بين الحكومة الإيرانية وبين التيار الشيرازي الذي كان مقيماً فيها بزعامة المرجع السيد محمد الشيرازي.

الذين “هاجروا” من المملكة إلى إيران منذ أواخر السبعينيات؛ انضووا تحت لواء واحد في البداية، هو “حوزة الحجاز”، لكنّهم تشتّتوا ـ لاحقاً ـ جرّاء تحولات في السياسة الإيرانية. فبعد أحداث حج 1987؛ سعت إيران إلى تطوير دور المعارضين السعوديين لديها، بالقيام بأعمال عسكرية في الداخل السعودي. لكنّ أكثرهم رفضوا ذلك، مقتنعين بأن دورهم المعارض سياسي لا عسكري. وهنا دبّ خلاف جديد بين المعارضين أنفسهم، على خلفية خلاف تيار الشيرازي وقيادة الثورة.

اختلف الخمينيون والشيرازيون في مباديء إدارة “الدولة الإسلامية”. الخمينيون أصرّوا على مبدأ “ولاية الفقيه”، في حين أصرّ الشيرازيون على مبدأ “شورى الفقهاء”. وبوجود اختلافات وخلافات أخرى؛ تطورّت الأمور ـ بين الخمينيين والشيرازيين ـ إلى انشقاق في الصفّ الشيعي داخل إيران، وتعقّدت حدّ العداوة، فضلاً عن الخصومة السياسية. وترتّب على ذلك مغادرة كثير ممن كانوا يُسمّون بـ “المعارضين السعوديين” إلى سوريا، وغالبيتهم من التيار الشيرازي.

لكنّ أكثر من بقوا في الأراضي الإيرانية مضوا في اتباع رؤية “ولاية الفقيه” فقهياً وسياسياً وعسكرياً. وحافظوا على نشاطهم السرّي الأمني في الداخل السعودي. وحين وقع تفجير شركة “صدف” لم يقتنع الناس في القطيف بأن الفاعلين ينتمون إليهم. والخارجية الإيرانية، أكدت ـ وقتها ـ عدم مسؤوليتها عن أي شيء. إلا أن الفضيحة تأجلت إلى ما بعد تنفيذ حد الحرابة في الشبّان الأربعة؛ فقد كشف “حزب الله الحجاز” عن قناعه، وأظهر تأييداً للتفجير، ووصف الشبّان الأربعة بـ “الشهداء”. وهنا انتبه كثير من الناس في القطيف إلى خطر ما يجري في كواليس السياسة الإيرانية، وخطر الأنشطة الخفية على الشباب الذي خُدع كثيرٌ منهم.

تحولات ما بعد حرب الخليج

بين عامي 1988 و 1993؛ حدثت تحوّلات كثيرة، على رأسها حرب الخليج الثانية التي فتحت باباً للموصوفين بـ “المعارضين السعوديين” المقيمين في إيران والعراق ولبنان وبريطانيا. وقد أظهرت الحكومة السعودية إشارات إيجابية لعودة “أبنائها” إلى حضنها، على الرغم من كلّ ما حدث.

وبعد سلسلة من المباحثات واللقاءات؛ بارك الملك فهد ـ رحمه الله ـ الخطوة الوطنية، وأصدر عفواً عاماً، وفُتح الباب لعودة جميع المعارضين الشيعة ليشاركوا في بناء وطنهم، بعيداً عن الانتماءات السياسية الخارجية.

عاد أكثر المعارضين إلى الوطن، بمن فيهم عناصر “حزب الله الحجاز” بجناحيه السياسي والعسكري. وكأن شيئاً لم يكن. ولكن يبدو أن في العناصر العائدة؛ من عاد ليكون ضمن ما يُسمّى بـ “الخلايا النائمة”. فبعد 1993 بدأت العلاقات السعودية تشهد تهدئةً مشوبةً بمحاذَرة متبادَلة تتجنّب نقاط التوتّر الذي كان سائداً منذ 1979. وحين وقع تفجير أبراج الخبر في 1996؛ أطالت الحكومة السعودية صبرها في توجيه الاتهامات إلى إيران مباشرة، على الرغم من إصرار الـ FBI الأمريكي على ذلك، وعلى الرغم من القبض على عدد غير قليل من الشبّان السعوديين أثبتت التحقيقات معهم وجود صلة لهم بـ “حزب الله الحجاز”، بشكل مباشر وغير مباشر، وأن حالة تغرير حقيقية وقع فيها مواطنون شبان.

صهريج المتفجرات

توصلت التحقيقات المشتركة، فيما بعد، إلى أن أحمد المغسّل خطط وشارك وقاد صهريج المتفجّرات إلى أبراج الخبر. إلا أنه نفذ بجلده تاركاً عشرات الشبان من القطيف أمام تبعات الجريمة، ليلقوا مصيرهم في التحقيقات والمحاكمة والإدانة بمعضلة الصلة بـ “حزب الله الحجاز”.

هذا ما يفعله المستخدِمون في المستخدَمين.. اضرب واهرب، ودع الآخرين يدفعون الثمن. أحمد المغسّل لم يعد منظوراً، اختفى، قيل إنه مات، لا أثر له. ومثلما أنكرت طهران صلتها بجريمة تفجير الأبراج؛ أنكرت علمها بأي شيء يخص المغسّل. حتى حين أخذت علاقات الرياض بطهران تتحسن؛ لم تُبدِ الأخيرة أي استجابة لمطلب الحكومة السعودية نحو تسليم المغسّل إليها.

أحمد المغسّل غير موجود فوق الأرض.. 19 سنة من التخفّي المستمر.. حمل عشرات الأسماء، وعشرات جوازات السفر، وعشرات الهيئات. حياته موزَّعة بين طهران وبيروت وربما بلاد أخرى بهويات لا يُمكن أن تُشير إلى المطلوب الذي وضعته الولايات المتحدة إلى جانب المصري أيمن الظواهري، والمغربي محمد أباتي، والباكستاني ساجد مير، وعشرات الأسماء الذين تتهمهم واشنطن باستهداف مواطنين أمريكيين.

أما سعودياً؛ فهو متّهم بعمل إرهابي في الداخل، أدّى إلى قتل 19 عسكرياً أمريكياً، وإصابة أكثر من 370. وهناك قائمة أوسع من الاتهامات يعود أولها إلى مرحلة انتمائه إلى “الحزب”، في النصف الثاني من الثمانينيات الميلادية، واستمرّت إلى ما بعد حصوله على العفو والعودة إلى الوطن.

اجتماعياً؛ هو متورّط بتغرير عشرات الشبّان بأنشطة سياسية وأمنية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، مستغلّاً المناخ السياسي المتوتر في المنطقة، ومُمرّاً خدعة “المستضعفين في الأرض”، على مواطنين سعوديين بإمكانهم حلّ مشكلاتهم مع وطنهم بوسائل لا تخدم سياسات دول أخرى، ولا تتقاطع مع مصالح سفارات وشبكات معادية.

اضرب واهرب

المؤلم في قصة أحمد المغسّل؛ هو أنه استخدم غيره في تنفيذ مخططات دول أخرى. وهو نفسه استُخدِم في تنفيذ المخططات نفسها. وحين تساقطت واجهات أبراج الخبر في 1996؛ نجا بنفسه وغادر البلاد، ودفع غيره الثمن الموجع.

ثم لمّا قُبض عليه في بيروت في 2016؛ فعلت طهران معه مثلما فعل هو مع المغرَّرين.. أنكرت أي صلة به، أنكرت أي معرفة بمكانه، أنكرت كلّ شيء.. رمته إلى مصيره..!

اقرأ ايضاً

[تحديث] قناة الإخبارية: أحمد المغسل هو العقل المدبر لتفجيرات الخبر 1996

‫2 تعليقات

  1. الإيرانيين وأزلامهم تسببوا على مجتمعنا القطيفي والاحسائي بالويلات ، والشرهة على المغفلين الذين يصدقون أن بإتباع سياستهم المتطرفة سوف يحققون مصلحة لمجتمعهم …

    خمنيون وشيرازيون ولا اعلم ماذا ايضا من احزاب وتيارات اسلامية سياسية لم توجد في مكان الا جرت عليه الويلات ، والعراق حاضرا مثال على ذلك …

    المصلحة المجتمعية تكون بالإتحاد مع الوطن والقيادة والشعب حتى لو كان هناك اختلافات وفوارق وليس عبر المذهب والهراءات الدينية الزائفة.

    والعجم عبر التاريخ همهم أنفسهم فقط … و والله يكفينا شرهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×