سيدة من الزمن الجميل

بلقيس السادة

لقد أُطبقتْ الأرض على السماء، وتزلزلت الجبال ووهنت الأرض وانشقت.

تمنتْ أن تبلعها وهي تسمعه مبتسمًا: ماهي الإشكالية في سهرة جماعية مختلطة، لماذا أنت هكذا!

نوع من النساء معتلات التفكير، ضيقة الأفق، محدودة التقدمية، ضحلة الأفكار!

العالم في تقدم واندماج، وأنتِ تناقشين كيف نكون في سهرة مختلطة، أي اِمرأة تزوجتْ؟ من أي عالمٍ خُلقتِ؟، أكيد قبل الهجرة بسنة، قالها وهو يقهقه بصوت عال وسخرية ملموسة!!.

نظرت إليه بتعاطف: نعم قد يكون مولدي قبل الهجرة، لكنني لستُ معتلة ولا ضحلة التفكير والأفكار، فأنا اِمرأة تربت في بيئة تفرق بين الصواب والخطأ، وبين ما يجوز وما لا يجوز، وبين الحلال والحرام، وبين المعقول واللا معقول، وبين ما يجب وما لا يجب، أنتَ أخبرني: كيف تسمح لكَ غيرتُكَ أن أُحادث وأجلس بجنب رجل غريب بمجرد أنه صديقك أو زميلك في العمل؟، كيف ترى الموضوع ومن أي زاوية؟، ألست تدعي الإسلام؟! والاختلاط محرم إلا في مجال العمل وللضرورة، أم أنتم من قلبتم الموازين والمبادئ رأساً على عقب، اذهب إلى حفلتكَ أو سهرتكَ بمفردك واترك لي التخلف والأفكار الرجعية..

فعلاً ذهب السهرة لوحدهِ، وعند الساعة الواحدة والنصف صباحاً حضر، وبعد أن بدل ملابسه رمى نفسه على السرير مُهمهمًا: لقد كانت سهرة رائعة، وبدت فيها زوجة زميلنا أحمد كأجمل وردةً في حديقة!، كانت زينة الحفل!.

وغط في سبات عميق!

وعند الساعة الثانية عشر، صحا من النوم وصلى صلاة الصبح والظهر والعصر، سأل عن الغداء، وضعتْ له أروى الغداء، وجلستْ أمامه.

حسن: لقد كانت سهرة رائعة، فاتك نصف عمرك!، ضحكٌ وسمر، وتعليقات مازحة هنا وهناك وعشاء فاخر!

أردفتْ قائلة: وصلاةٌ متأخرة!

حسن: الحق عليك لم َلمْ توقظيني لصلاة الصبح؟!

أروى: لقد أيقظتك ثلاث مرات وأنت ترد علي، حاضر، حاضر، ولا تستطيع أن ترفع جسمك عن السرير، حتى تعبت منك وتركتكَ!

حسن مبتسمًا: نعم لقد حضرتُ متأخراً.

أروى: وهل تتوقع أن تكون في سهرةِ مثل هذه، مُحرمة، أن توفق لصلاة الصبح؟

حسن مُحتدًا: ماذا يوجد في السهرة؟، لا يوجد فيها مُحرمات ولا مُنكرات، كلٌ مع زوجته، فقط أنتِ لم تكوني معي، فاتكَ نصف عمرك!.

أروى: الرسول الكريم محمد صل الله عليه وآله له حديث يقول فيه: *”إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ”*..

حسن ضاحكًا: حسنًا أطبقي فمكِ الآن، عرفتُ من أي كوكبٍ أنتِ، أنتِ ماقبل الهجرة بسنوات!

سارت بهما الحياة كأي زوجين عاديين، تقوم أروى بواجب الزوجية والمنزل والأولاد على أكمل وجه، وهو كذلك.

جدول حياته، أصبح كثير الخلوة، يكون في غرفة المكتب جالسًا أمام الكمبيوتر لساعات بعد العشاء، قليل الكلام، عصبي المزاج، وينام متأخراً.

لم يكن في شبابه هكذا!، كان إنسان عادي مؤمن، يصلي، يصوم، يحج، يزور، لم يكن مُتدينًا مُتزمتًا، و لم يكن مُنحلاً ماذا حدث؟،

وأي الموازين عنده اِختلت! ..

عندها راودتها ظنونها، فتحت الكمبيوتر، ورأت ما يُحرم الله عليه مشاهدتهُ، أفلام خلاعيه، ونساء كاسيات عاريات! أغلقت الكمبيوتر، حزينة القلب عليه أن تكون هذه خاتمتهُ، وابنه الأكبر في السنة الأخيرة من الجامعة، وبنتاه تقريبًا على زواج، ماذا تفعل؟ فقط من خلال سهرة تبدّل مائة وثمانين درجة، أم رفقاء السوء، أم كان ذلك خُلقه وهي لم تلاحظ ذلك؟ أم مراهقة الخمسين؟؟

“اللهم نسألك حسن الخاتمة والعاقبة”

حضر المساء، أراد أن يهم بالذهاب إلى غرفة المكتب، جلست بجواره قائلة: ما بك يا رجل حتى الحديث معنا أطبقتَ عليه؟ منذ متى لم تحادث الأولاد؟، بعد العشاء مباشرة إلى غرفة المكتب!، ألم نعُد نُعجبك؟؟

إبتسمَ، تلعثمَ قائلاً: أبدًا، أبدًا، شُغل للعمل أُكملهُ!

أروى: حسنًا مادام شُغل للمكتب، الله يوفقك، لكنك تتعب نفسك في العمل، والبيت، وتنام متأخرًا، وتصحو مبكرًا،

حسن: كيف ندير أمور العائلة إذن؟، بدون العمل و المال لا نستطيع!!

وذهب، اِعتقد بانطلاء كذبته على زوجته، رجع متأخرًا إلى سريره في الساعة الثانية عشر والنصف!

في اليوم الثاني، وعند العشاء أراد الذهاب إلى غرفة المكتب، بادرتهُ أروى قائلة: عفواً أثناء تنظيف غرفة المكتب تعلقت قدمي بالسلك المتصل ب الكمبيوتر، فوقع وانكسر!!

حسن: غدًا، سأصلحهُ، ونام مبكرًا،

وعند رنين الساعة لصلاة الفجر، صح بهمة ونشاط قام للوضوء والصلاة، ورأى أروى في مصلاها، بعد أن فرغا من الصلاة وقراءة القرآن، توجه لها قائلاً: منذ أمد لم أشهد صلاة الفجر، إنها تضفي على النفس الطمأنينة والنشاط.

اِبتسمت أروى: في استطاعتك متابعة صلاة الفجر، إذا نمتَ مُبكرًا، وتركت عنك الشغلْ البطال ..

عرف حسن، بأن الكمبيوتر لم يُكسر بفعل حادث، بل بفعل فاعل!

أخيرًا خجل من نفسه، وهو الذي حباه الله بالزوجة الصالحة التي تعينه على أمر دينهُ ودنياه.

ضمها إلى صدره وهمس في أُذنها: لولاكِ لهلكتْ!!

أروى: بل فطرة خالقك تدعوك إلى دار الرحمن والجنان، وأنت نعم الزوج والأب، والله غفورٌ رحيم.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×