[4] حسن البريكي.. الطب حجب مواهبه في الشعر والثقافة والترجمة
عدنان السيد محمد العوامي
محاولة سلب وشجاعة امرأة
يعطي الدكتور صورة مرعبة لحالة هلع انتابه في الحَجة الثانية حين تعرضت حملتهم لمحاولة نهب. قال: (“خرجنا من الرياض، وبعد قطع مسافة طويلة، توقفت الحملة للراحة”)([1]). لا يتذكر اسم الموقع الذي توقَّفت الحملة عنده، بقدر ما يتذكر الرعب الذي تملّكه من الموقف الذي حدث. (كانت منطقةً فيها مُخيَّم لبدو، وفيها بئر. وصلنا قبل المغرب بساعة، نوّخنا فيها للصلاة والراحة، ونصبنا الخيام. ذهب المساعدون مع بعض الحجاج لجلب الماء، فيما جلسنا – أنا وأبي – في مكان الخيمة، معنا بعض البدو الذين بدوا وادعين، ثم بدأوا يسألوننا عن بعض الأمور، وكان أبي يجيبهم. في تلك الأثناء ظهرت أمور غريبة عند البئر، كأنه جدالٌ حادّ جدًّا، ثم جاء بعض الحجاج وقالوا إن البدو يطلبون مالًا لقاء ماء البئر، أو شيء من هذا القبيل، ثم بدا الوضع مرتبكًا بين وداعة البدو وانفعالهم، حاول بعضهم سلب آنية من الشاحنة المتوقفة. شاهدتُ حاجَّة في الشاحنة تنازع بدويًّا في “غوريٍّ”([2]) حاول أخذه. هو يجرّ من جهة، وهي تجرُّ من جهة. شُحن المكان بإحساس عدوانيّ متبادل بين البدو وبين الحجاج. استقر القرار على جمع الأشياء والمغادرة الفورية.. تصدّى بعض الحجاج لمواجهة البدو، فيما تصدى آخرون لوضع الأشياء في الشاحنة، وعلى عجلٍ ركب الحجاج الشاحنة. تجمع بعض البدو أمامها، لكن السائق كان شجاعًا؛ فحاول إخافتهم وحرّك شاحنته دون اهتمام. عندها شعروا بجديته، وتفرّقوا. مضت الشاحنة في طريقها، ومن خلفها البدو يرموننا بالحجارة . . .) ([3]).
الطريق المعتاد الذي يسلكه الحجاج بعد الرياض يتفرَّع إلى طريقين أحدهما يفضي إلى القصيم، وأول المحطات فيه عشيرة، والثاني يتجه إلى الدوادمي، وأول المحطات فيه مرات([4])، هذا ما أتذكره، فلعل حملتهم توقفت عند بئر في الطريق، وليس في بلدة، فأنا أستبعد البلدات لأنها مأهولة، وقطاع الطرق عادة يجوبون الفيافي والقفار.
لم يحدث لحملتينا في الحجتين الأولى والثانية ما حدث لحملة الدكتور في حجته الثانية، بذات الصورة أو الكيفية والمكان، لكن الأمر لم يخلُ من محاولة النهب تمامًا، فكما كانت في حملته الثانية امرأة شجاعة لم ترهبها فظاظة البدوي الذي نازعها الغوري، كانت في حملتنا الأولى حاجة، لا أذكر الآن إلا اسم العائلة الكريمة التي أنجبتها، وهي أسرة الشمَّاع، ومتزوجة من بائع سمك اسمه الحاج أحمد، من بلدة الشريعة، هذه المرأة كانت ذات همة عالية، وقوَّة جسمانية جيدة، فكانت تسبق الرجال في النزول من الشاحنة، فتدفع أمامها أول صبي أو صبية من صبية أو صبايا البدو الذين عادةً مَّا يتحلَّقن حول الشاحنة عند توقفها طمعًا في الطعام أو البخشيش – تدفع أحد الصبية أو الصبايا لتدلها على البئر، فتملأ القربة، أو مكان الأثْل اليابس فتجمع الحطب، وتحمله حسب ما تحتاج الحملة. والشجاعة الأخرى في الحجة الثانية هي الحاجَّة أم عباس من بلدة سيهات (الآن مدينة سيهات)، وهذه الحجية قصتها معي أنا بالذات. ففي حجتنا الثانية سلكت الحملة – في عودتها، بعد أداء مناسك الحج – طريق الطائف المشهور بجودة الرمان، فاشترى الحجاج ما طاب لهم منه، ومنهم أبي، اشترى منه بضعة أخياش (أكياس)، وصادف – بعد مغادرتنا الطائف- أن زارتني زائرة المتنبي، تلك التي تغزل فيها في قصيدته ذات المطلع:
ملومُكما يجلُّ عن الملام
ووقع فعاله فوق الكلام
وفيها يقول:
وزائرَتي كأنَّ بها حياءً
فليس تزورُ إلاَّ في الظَلامِ
بذلتُ لها المطارفَ والحشايا
فَعافتها وباتت في عِظامي
زائرة المتنبي حيية خجول لا تزور إلا في الظلام، أما زائرتي فقبيحة وقاح، عديمة الحياء زارتني في وضح النهار، (عيني عينك، لا حياء ولا استرجاع). المهم أن طبيبات الحملة نصحن أمي بالرمان، دواء ناجعًا، فحين توقفت الحملة في المحطة التالية أخذت رمانة وفلقتها، وشرعت تستخرج حبَّاتها، وتضعها في صحن وتلقمني إياها. كنت جالسًا مع النساء، بجانب الحجية أم عباس، فجاءت بدوية وتكوَّمت خلفها، ثمَّ دسَّت يدها من فرجة تحت إبط أم عباس محاولة اختلاس الرمان، فما كان من أم عباس إلا أن ضغطت زندها على خاصرتها بقوة، فعصرت يد البدوية، ولم تطلقها إلا بشفاعة بعض النساء اللئي كسرت البدوية قلوبهن من تضوُّرها.
بطاقة الدكتور الشخصية
هو حسن ابن الشيخ محمد صالح البريكي، ولد في مدينة القلعة، حاضرة القطيف، ولم يتوافر لي العلم ببداية تعليمه؛ إن كانت في كتَّاب والده على الطريقة التقليدية السائدة آنذاك، أم لا، لكن ما ذكره السيد علي العوامي في سياق حديثه عن عمله في شركة الكهرباء أنه: (واصل دراسته حتى الثانوية العامة) ([5])، وأنه: (التحق بثانوية الرياض، ويومها لم يبق عليه سوى السنة النهائية)([6]) –يفهم أنه درس المتوسطة ايضًا.
أول عمل مارسه الدكتور كان لدى شركة كهرباء الدمام (دبكو)، وإبَّان عمله في الشركة حدث خلاف بينها وبين اثنين من الفنيين الكهربائيين العاملين فيها([7]) أحدهما اسمه عبد الله أبو شومي، وشهرته (سهيل)، من بلدة باب الشمال بالقطيف، ومعه شخص آخر لا أعرفه، فطلبا من حسن أن يصوغ لهما عريضة تظلُّم من الشركة لدى مكتب العمل، فصاغ لهما العريضة مشترطًا ألا يخبرا أحدًا بمن صاغها لهما، وقد أحيلت العريضة لمحامي الشركة، فطلب إحالتها للأمن العام زاعمًا بأنها تحريض على الشغب والإضراب، وبالتحقيق معهما اعترفا بأن حسنًا هو الذي صاغ لهما العريضة، فبلغه خبر اعترافهما، فخشي أن يتطور الأمر ويطول الأخذ والرد فيه فيعوقه عن دراسته، فترك العمل لدى الشركة وذهب للرياض، وهناك التحق بثانوية الرياض، وكان – خلال فترة دراسته في الرياض يقطن في غرفة بإحدى البنايات النائية عن منطقة الأسواق، وفيها ينام، ويطبخ طعامه، ويذاكر دروسه.
توفي أبو شومي (رحمه الله)– بعد ذلك- بصعقة كهربائية؛ إذ كان – في أحد الأيام – يُصلح عطلًا في أحد خطوط التوتر العالي، ففتح أحد العمال الخط المفقل خطأ؛ فصعقته الكهرباء وتوفي في الحال. وأنا – كاتب هذه السطور – مدين له (رحمه الله) بأنني تعلمت حرفة تمديد الكهرباء منه سرًّا، وهو لا يدري، فقد كان الرجل – خارج وقت عمله الرسمي في الشركة – يعمل في تسليك (تمديد أسلاك الكهرباء) في منازل الأهالي ، فاستأجرته لتسليك منزلي. في ذلك الوقت كان تمديد الأسلاك خارج الجدران. وكيفيته؛ أن تثبَّت الأسلاك على شرائحَ خشبية (Slats) على الجدار برباطات أو مشابك (Clips)، فلما أتم العمل وسلمته آخر دفعة من مستحقاته، قمت بفتح اللوحة الرئيسية (Panel board) والعُلب التي تجمع الأسلاك (boxes Junction)، فاكتشفت السر بوضوح، وعرَفت طريقة توزيع الأسلاك، وربطها، بعضها ببعض، ومن يومها دخلت نادي “التكنشيين” الكهربائيين، وهذا سر لم يعلم به إلا القليل ممن مددت أسلاك بيوتهم، ومنهم الدكتور نفسه أثناء عملي معه في مجمع عياداته الذي سيأتي الحديث عنه.
أعود إلى السيد علي، لنقف على وصفه لكيفية التقائه به يقول: (ولقد زرته في هذه الحجرة؛ إذ كنت أعمل ببنك القاهرة بالقطيف، وكان لي صديق يعمل ببنك القاهرة بالرياض، فذهبت إليه بالبنك، وطلبت منه أن يدلني على حسن، فأوصلني إليه. ولقد وجدت وضعَه صعبًا ومتعِبًا، وقدمت إليه نقودًا كان أحد أقربائه طلب مني توصيلها إليه، إلا أنه رفض قبولها قائلا: “لست محتاجًا؛ لأن أخي عبد الرزاق يوفِّر لي كلَّ ما أحتاجه، وما تراه ليس بسبب نقص المادة، ولكنه حملًا للنفس على التعود على شظف العيش وقسوة الحياة”، فتمنيت له التوفيق والنجاح، وقد نجح في تلك السنة بدرجة أهلته للحصول على بِعثة لدراسة الطب في ألمانيا الغربية، هو وزميلٌ له، وبقي هناك، ولم يقم بزيارة للمملكة طيلة سني دراسته، ولما أراد الزواج من شقيقة زوجة أخيه عبد الرزاق، بإرشاد، واختيار من عبد الرزاق نفسه، جاء إلى بيروت، وهناك ذهبَت إليه زوجته بصحبة أختها، وزوج أختها، أخوه، وتزوجا في بيروت، ثم صحبَته إلى ألمانيا، ولما أكمل دراسته، وتخصصه في الجراحة عاد إلى وطنه، وأصبح أحد الجرَّاحين البارزين في المستشفى التعليمي بالخبر، التابع لجامعة الملك فيصل بالدمام، كما إنه أحد الأطباء الذين يحاضرون بنفس الجامعة، وقد تقاعد عن العمل في عام 1416 هـ، 1995م، أما صديقُه فقد تخرج هو، أيضًا، طبيبًا، إلا أنه فضل البقاء في ألمانيا، ولم يعد للمملكة)([8]).
شهادات
الشهادات العلمية والعملية التي حصدها بجهده وعرقة ليست هي المقصودة بالعنوان، وسترد في أثناء شهادات محبيه وعارفيه.
1 – محمد سعيد المسلم
تحت عنوان: (المستوى العلمي بين الأمس واليوم)، وبعد أن استعرض الكيفية التي كان عليها التعليم القديم، والمستوى الذي بلغه التعليم الحديث؛ قال ما نصه: (إن الفرق شاسع – كما ترى – في المستوى العلمي بين الأمس واليوم، فبينما كان رصيدُنا من العلم – في ما مضى – ينحصر أغلبُه في دائرة المسائل الفقهية واللغوية، ومن المحصول الثقافي الإلمام ببعض مسائل الأدب وحفظ الشعر؛ أصبح لدينا اليومَ علماءُ متخصصون في مختلِف فنون المعرفة، يسهمون، الآن، في عملية البناء بكفاءة وجدارة، فهم الأسس التي تقوم عليها صروح الحضارة الحديثة. وهذه كوكبة من أولئك الذين يحملون شهادة الدكتوراه، أو الأطباء المتخصصين، أما حاملو شهادة الليسانس، أو الماجستير، أو الأطباء العامُّون فلا يستهان بجهودهم، إلا أنه من الصعب تعدادُهم، فهم كثيرون جُدًّا، ويصعب إحصاؤهم)([9])، ثم أدرج بعض الأسماء في جدول في مقدمتهم: (حسن البريكي – جراحة عامة – استشاري. مستشفى الملك فهد [الجامعي] – الخبر)([10]).
2 – سعيد أحمد الناجي
نص شهادته: (الدكتور حسن بن الشيخ محمد صالح بن الحاج حسن بن الحاج صالح البريكي، من مواليد القلعة “1356هـ”، طبيب واستشاري جراحة، (وأسرة البريكي عريقة في الشرف والمجد والعلم والأدب والثروة والجاه، استوطنت القطيف قديمًا، فيما استوطن بعضها أنحاءَ متفرقة من بلدان الخليج. بدأ تعليمه الأولي في القطيف، ثم الرياض حيث حصل على الثانوية العامة منها، فابتعث إلى ألمانيا لدراسة الطب البشري. بعد تخرجه وتخصصه عمل في ألمانيا فترة من الزمن، وهو أول طبيب قطيفي يتخرج من جامعة، وقبل عودته إلى وطنه التحق بدورة في اللغة الإنجليزية في بريطانيا، ثم التحق بكلية الطب بجامعة الملك فيصل منذ تأسيسها لتدريس الطب البشري مع زميله وصديقه عميد جامعة الملك فيصل الدكتور يوسف الجندان. بعد تقاعده اتفق مع شركة الريادة الطبية بالقطيف، وهو عضو في مجلس إدارتها، على افتتاح مجمع طبي فيها على شارع القدس باسم مجمع عيادات حسن البريكي يباشر العمل فيه بنفسه، ويديره، ويساعده في ذلك أطباء متخصصون حتى عام 1430هـ، حيث حُلت هذه الشركة وأنهت أعمالها. ومع انشغاله بمهنة الطب وتدريسه وإدارته لمجمع العيادات الاستشارية بالمجمع المذكور إلا أنه يقرأ الأدب، ويمارس الكتابة بمقالات مفيدة ينشرها في الجرائد المحلية مثل جريدة اليوم، وفيما يلي لمحة موجزة من كتاباته.
“ما موقع القطيف في الشأن السياحي؟
إنَّ آفاقَ التطوير في المجال السياحي في بلادنا آخذة في التوسع، ولاسيما بعد أن أسندت مهمة ترقية العمل السياحي إلى هيئة سياحية عليا، هذه الخطوة تحملنا على التفاؤل تجاه المستقبل؛ لأن السياحة هنا تصبح مشروعًا استراتيجيًّا وطنيًّا ترعاه الدولة. وها هي المنطقة الشرقية تَشرع في تعويض ما فاتها، حيث شيدت المخططات، وهيئت السواحل القريبة من المدن في الدمام والخبر والعزيزية والقطيف لاستيعاب المواطنين والمقيمين والسياح من المناطق الأخرى، كما ازدهرت في السنوات الأخيرة أيضا عمارات الشقق المفروشة، وتضاعفت أعداد مراكز التسويق الضخمة، ناهيك عن سائر الخدمات الأخرى. هكذا إذن هي السياحة في بلادنا.. بدأت في الطائف نارًا من المبادرة والحماس والضرورة، ثم أخذت تنتشر في كل ركن من أركان بلادنا العزيزة، مبشرة بعهد جديد يحتوي فيه استنزاف المال في السياحة الخارجية، وتُخلق فيه فرص عمل جديدة لمعالجة البطالة.
ماذا عن القطيف في هذا السياق؟ يعلم القاصي والداني أن القطيف هي من أعرق المدن على ساحل الخليج العربي، وهي عروس تتشح برداء أخضرَ متمثلا في نخيلها وبساتينها وعيونها، كانت ميناءَ الشرقية الأهمَّ فيما مضى، وذات صلات عميقة بدول الجوار، ذات تراث زاه بعلمائها وأدبائها وشعرائها، وذات مواقع أثرية، بعضها يرجع إلى عهود السومريين والفينيقيين، مرورًا بالبرتغاليين والعثمانيين وسواهم. هذه المدينة على ما يكمن فيها من مفاتن وروعة، يمكن تحويلها إلى منتزه وطني كبير للسياحة، فالقطيف في هذا المضمار لا تقل عن وصيفاتها [كذا] من المدن في بلادنا غناءً بالتراث والطبيعة والجمال”. كما أن للدكتور حسن دور [كذا] في ديوان العرب، يطرب لسماع الجيد من الشعر، ويساهم في قوله، وليس أدل على هذا من قصيدته في تأبين عمدة القطيف محمد الفارسي [كذا]([11])، التي مطلعها:
أبا صالح أنت عندي القطيف
أباهي بك البحر والسبسب [كذا].
وفي مجال الترجمة من الألمانية إلى العربية له كتاب الشيعة، لمؤلفه فلفريد بوختا الذي ترجمه بحافز الاطلاع على رؤية “أنفنسنا في عيون الآخرين” حيث يرى المؤلف أن الشيعة أقلية إسلامية عانت كثيرًا من المطاردة والتهميش عبر التاريخ بسبب النظر إليها كمجموعة معارضة، في حين أنها تسعى للاعتراف بحقوقها الاجتماعية والسياسية كونها تشكل 120 مليون من المسلمين). الدكتور حسن هو صهر الوجيه علي بن حسن أبو السعود (رحمه الله)، فهو متزوج من ابنته وداد، وله من البنين غسان ومنير، ومن البنات الطبيبة سارة، مستشارة الأمراض الجلدية، والدكتورة الطبيبة دانة التي تعمل استشارية في طب العيون في أتاوا عاصمة كندا، بارك الله له في الجميع([12])).
ملاحظتان على الأستاذ الناجي
أ – اعتباره البيت الذي استشهد به على تجربة الدكتور الشعرية مطلعًا للقصيدة، وهو ليس كذلك، والصحيح أنه البيت قبل الأخير من أبيات القصيدة، أما مطلع القصيدة فهو عند علماء العَروض: مستهلها، أي أول بيت فيها، وعند بعضهم أول شطر في أول أبياتها([13])، ومطلع القصيدة المعنية هو:
يسائلني صاحبي ما النبا؟
تحرَّى همومي واستغربا
وسأثبت القصيدة كاملة عند الحديث على أدبه، إن شاء الله.
ب – تسميته النجل الثاني من أنجاله الذكور بمنير اشتباه، والصحيح أنه وليد، وإن كان منيرًا في إشراقة خُلُقِه وصباحة محيَّاه. هذا الاشتباه ليس خطأ طباعيًّا، فقد تكرر في طبعتين متتاليتين من الكتاب.
المقالة كاملة
ما اختاره الأستاذ الناجي من كتابات الدكتور حسن هو مقتطفات من المقالة، والأحسن أن تثبت كاملة، لتمام الفائدة:
(تقدر التحويلات السنوية للعمالة الأجنبية في بلادنا بما ينيف على ستين (60) مليار ريال، كما تقدر الأموال التي ينفقها السياح السعوديون خارج بلادهم بما يربو على (20) مليار دولار، هذا بجانب الأعباء التي تستنزف اقتصاد بلادنا الناتجة عن الاستهلاك الجنوني وسواه. ما يهمنا في هذا الصدد الآن هو كيف يحتوى هذا النزف الناشئ عن السياحة الخارجية؟ وكيف يمكن أن يحوَّل جزء من السياحة الخارجية نحو الداخل فنوفر على أنفسنا مضاعفات الخسائر المالية والمعنوية؟
السياحة في المملكة
كانت الطائف، فيما مضى، هي المدينة الوحيدة التي يرد ذكرها حين يجري الكلام عن السياحة الداخلية، فهي بلدة مرتفعة ذات مناخ معتدل صيفًا، وذات تضاريس طبيعية جميلة، وقد ساعد اختيارُها، فيما مضى، مقرًّا للحكومة في الصيف على بروزها كمربع صيفي سياحي تُشد إليه الرحال، ثم سارت منطقة الجنوب الغربي، مثل عسير والباحة، على منوال الطائف، فشيدت – في العقد الأخير على نحو خاص – البِنى التحتية لصناعة سياحة ناجحة، ومعلوم أن منطقة عسير وما يجاورها من مناطق هي مناطق جميلة بتضاريسها، رائعة في جوِّها، نقية في هوائها. ويبدو من واقع الإحصائيات السنوية أن هذه المنطقة احتلت مكانها المرموق كمناطق سياحية، مع تنام في هذه المكانة بشكل مطرد بتنويع وزيادة البنى التحتية والخدمات الترفيهية، ثم جاءت جدة – عروس البحر الأحمر – فقدمت مفهومًا جديدًا للسياحة، مستخدمة بذلك تاريخها وموقعها على ساحل طويل، ومستفيدة من موقعها وذكاء أبنائها، فشيدت الأسواق والفنادق، والشاليهات، ومراكز الألعاب، والترفيه، والمستشفيات الراقية، والخدمات العلمية. أما حرارتها ورطوبتها فقد حيدهما تكييف الهواء في كل مكان. إن آفاق التطوير في المجال السياحي في بلادنا آخذة في التوسع، ولاسيما بعد أن أسندت مهمة ترقية العمل السياحي إلى هيئة سياحية عليا، هذه الخطوة تحملنا على التفاؤل تجاه المستقبل؛ لأن السياحة هنا تصبح مشروعا استراتيجيا وطنيا ترعاه الدولة. وها هي المنطقة الشرقية تشرع في تعويض ما فاتها، حيث شيدت المخططات، وهيئت السواحل القريبة من المدن في الدمام والخبر والعزيزية والقطيف لاستيعاب المواطنين والمقيمين والسياح من المناطق الأخرى، كما ازدهرت في السنوات الأخيرة أيضًا عمارات الشقق المفروشة، وتضاعفت أعداد مراكز التسويق الضخمة، ناهيك عن سائر الخدمات الأخرى. هكذا إذن هي السياحة في بلادنا.. بدأت في الطائف نارًا من المبادرة والحماس والضرورة، ثم أخذت تنتشر في كل ركن من أركان بلادنا العزيزة، مبشِّرة بعهد جديد يحتوي فيه استنزاف المال في السياحة الخارجية، وتخلق فيه فرص عمل جديدة لمعالجة البطالة، وتنوع فيه حياة المواطن فترد عليه حيويته، بعد ما أضنته قسوة الحياة، وتاق إلى استراحة المحارب؛ ليستعيد قواه على مواصلة السعي والأداء.
ماذا عن القطيف
ماذا عن القطيف في هذا السياق؟ يعلم القاصي والداني أن القطيف هي من أعرق المدن على ساحل الخليج العربي، وهي عروس تتشح برداء أخضرَ، متمثلا في نخيلها وبساتينها وعيونها، كانت ميناء الشرقية الأهمَّ فيما مضى وذات صلات عميقة بدول الجوار، ذات تراث زاه بعلمائها وأدبائها وشعرائها، وذات مواقع أثرية، بعضها يرجع إلى عهود السومريين والفينيقيين مرورًا بالبرتغاليين والعثمانيين وسواهم. هذه المدينة على ما يكمن فيها من مفاتن وروعة، ظلت دائما في آخر الطابور في رعاية نفسها، لا أحد اهتم جديا بنفض الغبار عن أصالتها وجمالها، لا أحد نظر بجدية إلى حمايتها من التصحر المطرد، تارة يفسر ذاك بإهمال المالكين لبساتينها، وتارة يتحدث القوم عن الآثار المدمرة لسوسة النخيل الحمراء، وتارة يرى البعض أن القطيف تدفع ثمن تصنيفها منطقة ريفية، وشتان بين نفوذ أهل المدينة ونفوذ أهل الريف.
فرص النجاح كبيرة
توجد في القطيف فرص كبيرة لإنجاز صناعة سياحية هائلة، ولكن الشرط الأول هو أن تتضافر أيدي المواطنين مع أيدي المسؤولين في بناء استراتيجية بناء لهذه الصناعة، هناك مئات العيون التي طمست آثارها، ويمكن إصلاحُها، هناك مناطق البساتين التي أصبحت خرابا يبابا، ويمكن تحويلها إلى منتزه وطني كبير للسياحة، وهناك تاروت و دارين بإطلالتهما الجميلة على الخليج وما يمكن أن يقام على ضفافهما من فنادق ومطاعم ومراكز ترفيه، وهناك الآثار التاريخية التي مازالت تتطلع إلى من ينفض التراب عنها خدمة للعلم والتاريخ وهناك الأسواق الشعبية التقليدية – سوق الخميس- وسوق السمك اللتان يمكن تطويرهما لتصبحا مقصدًا للسائحين والمبتاعين، وهناك المرأى الجميل لمئات قوارب الصيد (الجالبوت) وهي تلاعب أمواج البحر الهادئة على ساحل سيهات، وفرص إقامة نواد رياضية بحرية فيها، القطيف التي يناهز سكانها المليون تخلو من فندق واحد أو آي خدمات أخرى للسياح، مع أنها الأحرى والأجدر بكل اهتمام في هذا الشأن، أما الجانب الإنساني والثقافي فحدث ولا حرج، مئات من الفنانين التشكيليين الموهوبين، الكتاب والأدباء والشعراء، آلاف الكفاءات في كل ميدان، كلها تتطلع إلى أن تمنح دور المشاركة في صنع نهضة سياحية تصب – في نهاية المطاف – في خدمة الوطن الكبير، ومع كل هذا الكلام عن البِنى التحتية الحديثة فإن أجمل وأروع ما تقدمه مدينة كالقطيف هو حفاظها على أصالتها وارتباطها بجذورها. لقد كشفت تداعيات 11 سبتمبر أن بلادنا بعد الله هي ملاذنا الآمن من الإهانات والتجاوزات التي صارت تنالنا في بلاد عديدة كنا نقصدها للسياحة والترفية، رب ضارة نافعة، عسى أن يكون ذلك حافزًا لنا في إكمال المسيرة في بناء صناعة سياحية تشمل كل جزء من بلادنا العزيزة. والقطيف في هذا المضمار لا تقل عن وصيفاتها من المدن في بلادنا غناءً بالتراث والطبيعة والجمال.. وفقنا الله لما فيه الخير والسداد([14]).
ملاحظات على المقالة
لا نقاش في روعة صياغة الدكتور لعباراته، وسبكها سبكًا أدبيًّا هو أقرب إلى الشعر، أقول هذا دون مجاملة، لكني آخذ عليه هنات جارى فيها الشائع بين الكتاب، منها: (المنتزه)، والصحيح المتنزَّه؛ إذ إن الأصل: “تنزَّه، لا انتزه([15]). وكذا: (وصيفاتها) فلا شك عندي في إنها خطأ طباعة، إذ لا يصح لمتضلِّع في اللغة مثله أن يقع في هذا الخطأ الفاحش، فالصحيح رصيفاتها، أي مثيلاتها([16]). قوله في صفة القطيف: (ذات مواقع أثرية، بعضها يرجع إلى عهود السومريين والفينيقيين، مرورًا بالبرتغاليين والعثمانيين) يحتاج إلى توضيح؛ ففي ظني أن مراده من (المواقع الأثرية) هي المواقع التي وجدت فيها لُقًى ومعثورات مطمورة في الأرض كالتماثيل والأوانٍي، التي عثر عليها في جزيرة تاروت والقلعة، حاضرة القطيف، وثاج، وحفظت في المتحف الوطني في الرياض وغيرها، وليس ما وقع فيه بعض من نخبة مثقفينا إذ توهموا أن العيون حفرها الفينقيون، والقلاع والحصون كقلعتي تاروت والقطيف شيدها البرتغاليون والعثمانيون. فقد فندت هذين الوهمين في مقالة نشرت في مجلة الواحة حول القلاع والحصون والعيون، فليراجعها من أحب على الرابط في الهامش أدناه([17]). كذلك خصصت بالعيون كتابًا مستقلاً عنوانه: (عيون القطيف الفردوس المفقود)، وهو منشور ([18]).
————–
([1]) صحيفة صبرة الإلكترونية، الرابط: https://chl.li/PKgdd
([2])الغوري، كذا تكتب وتنطق في العربية، وهي فارسية تكتب بالغين، وتنطق بالقاف: إبريق الشاي. انظر: المعجم الذهبي، د. محمد التونجي، معجم فارسي عربي، نشر المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق، توزيع دار الروضة، بيروت، طبعة 1993م. ص: 480.
([3]) صحيفة صبرة الإلكترونية، الرابط: https://chl.li/PKgdd
([4])انظر موقع الثقفي للخرائط، خارطة القصيم، (8)، الرابط: https://chl.li/3pdO9
[5])) الحركة الوطنية شرق السعودية، السيد علي السيد باقر العوامي، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 2015, جـ1/51، الهامش (13).
[6])) نفسه.
[7])) نفسه.
([8])الحركة الوطنية السيد علي العوامي. سبق ذكره.
([9])واحة على ضفاف الخليج – القطيف، محمد سعيد المسلم، مطابع الرضا، الدمام، الطبعة الثالثة، 1423هـ، 2002م، ص: 357.
([11])الفارسي خطأ، والصحيح: الفارس.
([12])معجم أعلام القطيف (1000 – 1436هـ)، سعيد أحمد الناجي، دار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الثالثة، 1437هـ، 2016م، ص: 149 – 151.
([14])قطيف الحضارة، ملحق سياحي لصحبفة اليوم، عدد 10613، السبت 25/4/1323هـ 6/7/2002م، الرابط: https://chl.li/c11sm
([15])لسان العرب، ومحيط المحيط.
([16])الوصيفات، جمع وصيفة، الأمَة، كالعبد للذكر، لسان العرب، والصحيح رصيفاتها، بمعنى رفيقاتها. ومحيط المحيط.
([17]) العدد: 20، الربع الأول، سنة: 2001م، الرابط: https://chl.li/qJR6F
([18])دار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الأولى، 2017م.
اقرأ أيضاً
[3] حسن البريكي.. الطب حجب مواهبه في الشعر والثقافة والترجمة