[أسرار الفُصحى] “الهَيْسْ” ليس إنساناً سيئاً.. بل شجاعاً
الهَيسْ..!
الهيس الأربد..!
ذات مقال قديم جدّاً أتذكره بوضوح؛ دافع الكاتب السعودي عبدالله شباط عن كلمة “هَيس” بوصفها “مدحاً” لا “ذمّاً”. الخليجيون يصفون الوضيع بهذه الكلمة وقد يضيفون إليها كلمة “أربد”، فيقولون “هيس أربد”. والأربد في اللغة هو نوع من الحيات الخبيثة (لسان العرب، ومقاييس اللغة ـ مادة “ربد”)، ومن أسماء الأسد أيضاً (القاموس المحيط، مادة “ربد”).
مقال الشباط نُشر في أوائل التسعينيات، ولا أتذكّر ـ بالتحديد ـ كيف توصّل إلى مديحية كلمة “هيس”. ولا أعرف مصادره. وحين بحثتُ في القواميس؛ لم أجد ما يُعزّز فكرة المديح على نحو قاطع. كما لم أجد ما يُعزّز فكرة الذمّ الدراجة في لسان سكان الخليج.
الدلالات المعجمية الواردة في صيغة “هيس” بعيدة جداً عن معاني المديح والذمّ.
لكنّ هناك صيغة صوتية على وزن “أفعل” ذات دلالة مديح، ففي لسان لعرب والعباب الزاخر والقاموس المحيط والصحاح في اللغة وردت كلمة “أهيَس” بمعنى “الشجاع”. وزاد لسان العرب معنىً آخر هو “الذي يدقّ كل شيء”.
وصيغة الـ “أفعل” هذه تشير ـ حسب معطيات الصرف العربي ـ إلى وجود اشتقاقات أخرى. أيّ أن هناك احتمالاً كبيراً أن تكون هذه الصفة التي على وزن “أفعل” مشتقّة من مبانٍ مقاربة لها في الدلالة والمعنى.
نحن نقول “أعمى” من “العمى”، وأصمّ من الصمم، وأنزع من النزع.. وهكذا تجري أمور الاشتقاقات في الصرف العربي.
هذا ـ في رأيي ـ يؤول بمعنى “أهيَس” إلى معنى قريب منه، مثل “هياسة” و “هيس”. وإلا كيف وصلت الصفة إلى مستوى “أفعل”..؟
لكنّ سكان الخليج لديهم دلالة معاكسة، فهناك الهيس، والهياسة، والهيوسية، والهيوس.. وكلها صفات ذمّ وقدح تنال من الوضيع ومن معه.
والله أعلم.
حبيب محمود