[2] مأذونو أنكحة في القطيف يحذّرون: بعض الزيجات تنهار خلال يوم واحد من العقد رآها بعين أمه فقط.. أرادها فوراً.. هي مشروع تجاري.. وماضٍ مشبوه
القطيف: أمل سعيد، ليلى العوامي، شروق الحواج، مرفت العوى
هل يمكن أن تسبب الصراصير أو الورود أو الشموع، أو نوع السيراميك، أو حتى شكل دهان البيت، في حالات طلاق بين خطيبين أو زوجين؟ نعم ممكن.
روى مأذونو أنكحة وناشطون في قضايا أسرية في محافظة القطيف، قصصاً تبدو «غريبة جداً» لأسباب الطلاق بين زوجين، أو الانفصال بين خطيبين، في مجتمع يشهد زيادة مضطردة في حالات الانفصال قبل ليلة الزفاف.
إذ كشفت دائرة الأوقاف والمواريث في محافظة القطيف لـ«صُبرة»، أن عدد حالات الطلاق الموقعة منذ مطلع العام الهجري وحتى اليوم بلغت 493 حالة، بمعدل حالتين كل اليوم. 25% من حالات الطلاق وقعت قبل موعد الزفاف.
عشرات القصص التي لم تكتمل، التي رأى أحد أبطالها أو كلاهما، أن الحياة الزوجية لا يمكن لها أن تستمر أو حتى تبدأ مع هذا الشريك، فقرروا إنهاءها.
عقد ليوم واحد
روى رئيس مركز البيت السعيد في صفوى الشيخ صالح آل إبراهيم، أن أقل فترة تم فيها انهاء عقد الزواج هو يوم واحد فقط أو أقل من 24 ساعة، يقول «هذه الحالة لم أشهدها شخصياً، إنما نقلها لي مأذون أنكحة، أما ما شهدته أنا فكان انفصالاً خلال الأسبوع الأول من إبرام عقد النكاح؛ وكانت النية مبيتة منذ الليلة الأولى للعقد، بل من لحظة اللقاء الأول بين الزوجين، وذلك أن الصفات الشكلية للزوجة لم تكن كما يريدها الزوج، أو كما توقعها، حيث تمت الخطبة، ولم يرها الزوج إلا من خلال صورة؛ لأنها رفضت لقاء النظرة الشرعية، واعتمد هو على وصف أمه، وما إن رآها حتى بيّت النية أنه لا بد من حل العقد، وأنه غير قادر على أن يكمل حياته معها».
الجنس من الليلة الأولى
«ليست حالة مفردة، إذ وصلتنا العديد من الحالات، كان السبب في اتخاذ قرار الانفصال هو رغبة الزوج في ممارسة الجنس من الليلة الأولى في العقد، أو خلال الأسبوع الأول»، هذا ما قاله آل إبراهيم، الذي يرى أن هذا التصرف «يؤدي غالباً إلى نفور كبير من الزوجة تجاه زوجها، وعليه تبني موقفها منه، وتبدي رغبتها في الطلاق».
يضيف «إذا كان بعض الحالات تنتهي باكراً؛ فإن بعضها يأتي مباغتاً، وتحدث قبيل ليلة الدخلة بفترة وجيزة، وغالباً يكون أسباب الانفصال هنا هو نشوب الخلاف بين الزوجين أو بين أهليهما حول التفاصيل الصغيرة المتعلقة بتجهيزات وترتيبات مراسم حفل الزواج».
ويوضح أنه ما إن يدخل الأولاد مرحلة المراهقة حتى يبدأون بتكوين شخصيات مستقلة عن الأهل عموماً، والأم خصوصاً، لشدة قربها من الأبناء في فترة طفولتهم، ولكن تبقى بعض الشخصيات رهينة سلطة الأم، لا تخرج منها حتى وإن بلغوا مرحلة الرجولة. يقول «شكت لي إحدى المخطوبات من تدخل عمتها في كل تفاصيل حياتها، فالابن يستشير أمه في كل شيء يخص علاقته بزوجته، ويخبرها بكل التفاصيل التي تحدث بينهما، وعلى تعبير الزوجة «هو ابن أمه، حتى إذا خرجنا سوياً؛ يذهب بي إلى أماكن تقترحها».
«لا تقولي أحبك»
يقول آل إبراهيم «قد تصدمك الحقيقة بغرابتها أكثر من الخيال أحياناً، ففي مرة جاءتني فتاة تشكو من أن خطيبها وضع لها قائمة ممنوعات، وعليها أن تلتزمها، والغرابة تكمن في الممنوعات، وهي:
1- لا تقولي أحبك.
2- لا تلمسيني.
3- لا تنامي معي في غرفة.
4- يكفى أن نرى بعضنا كل 10 أيام مرة واحدة.
لكن الزوجة أرادت أن تقول له – ولو بغير الكلام – أنها تحبه، فزينت غرفتها بالورود والشموع استعداداً لزيارته، وما إن دخل الغرفة؛ حتى غضب، واصفا ما فعلته بأنه «خرابيط وإسراف»، وعلى إثر ذلك جاء قرار الانفصال».
الدور السلبي للأبوين
من خلال حالات طلاق وانفصال مرت عليه؛ حمل الشيخ علي حسن محمد النزغ، الزوج والزوجة، والأم والأب، مسؤولية هدم هذا البييت الناشئ قبل ليلة الدخلة.
فهن الأم، قال «تدخل الأم في كل تفاصيل حياة ابنتها أثناء تجهيز الشقة، فتطلب من ابنتها أن تطلب من خطيبها أن يصبغ جدران الشقة باللون الفلاني، أو أن تختار هذا المطبخ أو هذا السراميك وليس ذاك»، مبيناً أن هذه الأمور “تخلق فجوة عميقة بين الزوج والزوجة، فيؤدي ذلك إلى الطلاق».
في المقابل، يشير إلى ضعف الخلفية الدينية للأب، وعدم تفهمه إلى النظرة الشرعية، فيرفض أن تنكشف ابنته على الرجل، فيقبل الولد ذلك، ويعتمد على والدته وأخواته في رؤيتها، مضيفاً «في ليلة العقد يتفاجأ، فالصورة التي رسمها الولد في مخيلته تختلف كلياً عن الصورة الحقيقية التي يراها، فيقول لا أريدها في نفس الليلة، وبعض الأوقات يقبل الولد من دون امتناع، ويجلس معها عدة أشهر، ولا يشعر بالقبول، فيحدث الطلاق».
الزوج طامع والزوجة بماض مشبوه
عن الزوج، يذكر الشيخ النزغ، «بعض الأحيان يطمع الزوج في الزوجة، فيراها مشروعاً تجارياً ناجحاً، فمن الاسبوع الأول تتضح النية، فيقول لها مثلاً: عبي السيارة بنزين. فتتعجب البنت وتصاب بردة فعل، فتقول لأسرتها إنها لا تريده، فيتم فسخ العقد».
ويشير أيضاً إلى بخل الزوج في أحيان أخرى، فمثلاً «يخرج الخطيبان؛ فتقول له خطيبته: أريد قهوة من المكان الفلاني، فيقول لها: لا؛ هذا يبيع القهوة بـ12 ريالاً. هذه الكلمة تكون مثل المسمار في قلبها، فتخاف، فتطلب فسخ العقد، بناءً على قهوة بـ12 ريالاً».
أما عن الزوجة، فيلفت إلى عدم تفهم الزوجة لقدسية العلاقة الزوجية، فتعتبر الزوج «مشروع هدايا ونزهات وعطاء بلا حدود»، مستشهداً بحالة «خرجت معه ذات يوم للتسوق، فتسوقت بـ2500 ريال، وبعدها ذهب معها لأحد المطاعم، فطلبت بيبسي بـ8 ريالات، فقال لها: في البقالة بريالين. هنا لم تكن قضية بخل، فهو صرف عليها 2500 ريال، ولم يتردد، ولكنه قال: لا داعي للبيبسي الغالي. فقالت: هذا بخيل، ولا أريده. فصار الانفصال بسبب علبة بيبسي».
ومن الأسباب الأخرى التي يرويها الشيخ النزغ؛ «العلاقة المشبوهة للفتاة قبل الزواج، التي انقطعت، ولكن يكتشف الخطيب بعد العقد هذه العلاقة. على سبيل المثال إحدى الفتيات نست جوالها في سيارة خطيبها بعدما أوصلها إلى منزلها، وذهب هو للنوم، انتبهت أن جوالها ليس في حقيبتها، فاتصلت عليه 40 مرة. تعجب الشاب: هل لمجرد أنها نسيت جوالها تأتيني منها 40 مكالمة باستخدام هاتف آخر. فذهب إلى السيارة، وفتخ الجوال، فوجد المحادثات والصور، فيتم فسخ العقد».
11 سبباً
أجمل الشيخ صالح آل إبراهيم، أبرز أسباب الانفصال بين الزوجين في مرحلة الخطوبة، في 11 نقطة، هي:
1- سوء الاختيار، ويكمن في عدم توافر الصفات المطلوبة في شريك الحياة، أو ظهور صفات غير مقبولة.
2- سوء الحوار وعدم التفاهم، ومن ذلك عدم التوصل لأرضية مشتركة للحوار.
3- المعاملة السيئة، سواءً بالقول، كالتهديد والصراخ، والسب والشتم، أو بالفعل كالضرب.
4- عدم وجود الميل القلبي تجاه شريك الحياة.
5- البرود العاطفي أو جفاف المشاعر، ويتجلى في عدم التعبير عن مشاعر الحب تجاه الشريك.
6- الطباع الشخصية السيئة، كأن يكون أحد الزوجين أو كلاهما حاد المزاج، عصبي، متكبر، مغرور، غيور، شكاك، حساس، بخيل.. ونحو ذلك.
7- الخيانة، بأن يقيم أحد الشريكين علاقة محرمة مع شخص آخر.
8- تدخل الأهل، وهذا يشكل عاملاً سلبياً في حياة الشريكين، وخاصة تدخل أم الزوج أو الزوجة.
9- الرغبة في الاتصال الجنسي في فترة الخطوبة.
10- ضعف الاهتمام بالشريك.
11- عدم التوافق والانسجام الفكري والنفسي.
وقال آل إبراهيم، إن «معدل انفصال الزوجين في فترة الخطوبة حسب المعطيات والحالات التي تصلنا، مرتفعة جداً، تصل إلى 40%، وإن كانت هذه النسبة غير دقيقة، ويجب الرجوع إلى دائرة الأوقاف والمواريث بالقطيف لأنها هي من تحدد ذلك، بناء على تحليل المعلومات والبيانات المتوافرة لديها».
زواج من دون تأهيل
بدوره، لخص الشيخ عبدالغني صليل، أسباب الطلاق بين الفتيات والشبان، المنتشرة كثيراً هذه الأيام، وبين من أعمارهم في الأربعين أو أكثر، في أمور عدة، مُسطرة في البحوث الاجتماعية بأشكال شتى قد تختلف من دولة إلى أخرى أو من ثقافة إلى غيرها.
قال «إن كل من يريد ان يدخل في مجال تخصصي معين؛ عليه أن يقطع مراحل متعددة من الدرس، والبحث وسهر الليالي، ليحصل على درجة تؤهله ليكون حاملًا للقب دكتور أو مهندس أو غيرهما، وكل من أدعى مرتبة علمية أو بصيرة في عمل فني من دون أن يكون ثقة عند الآخرين، وعلم منهم أنه مؤهل لذلك، فإنه سيكون محل انتقاد وسخرية من قبلهم. فما بالك بمن سيقدم على مشروع الزواج، الذي هو مشروع الحياة».
أضاف «فتاة تخرج من بيت أهلها لتعيش حياة أخرى مختلفة تماماً عما كانت عليه من اللا مسؤولية، إلى حياة المسؤولية، وكذلك الشاب المتعود على الاتكال على والدته في أموره البيتية كلها، والخروج والدخول والسهر كما يشاء، إلى الارتباط الذي يتطلب منه تغير السلوك، من الانفلات إلى الانتظام، مع ملاحظة المالية بحسبها لدى كل طرف».
وأكد ضرورة «إقامة دورات لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، لمن يريد أن يقدم على مشروع الزواج، الذي هو مشروع الحياة«، مهيباً بالمهتمين بان يتم «دراسة هذا الموضوع، ووضع الآليات التي تساعد على تطبيقه، وخروجه إلى الواقع قبل إجراء عقد النكاح».
فوارق وعدم انسجام
ورأى الشيخ آل صليل، أن «الحياة العصرية وما دخل على الناس من تغيرات في أنماط طبيعة هذه الحياة، من حيث الموارد الاقتصادية، والانتقال من أنماط الحياة المتعبة بالنسبة للرجل والمرأة، إلى دولة الرفاهية، مع التحاق المرأة في التعليم الجامعي، والدخول إلى سوق العمل والاستقلالية المالية، وظهور الفوارق الفردية، وبناء عليه؛ فإن أهم ما عُرف عن أسباب الطلاق من الطرفين، على سبيل الاجمال من دون التفصيل، هي عدم الانسجام بين الطرفين أو استغلال الوفرة المالية للطرف الآخر أو اعتداد كل طرف بنفسه وصراع الأدوار أو تدخل أفراد الأسرة، خاصة الأم، أو اختلاف قدر الرغبة الحميمية، وعدم القدرة على إشباع الطرف الآخر أو إهماله، وعدم إعطائه حقه من العناية، مع الانشغال بأمور خارج المنزل، أو العنف الأسري اللفظي، ومد الأيدي أو الخيانة الزوجية، أو تعاطي المخدرات».
وأشار إلى أن الطلاق «امر يهتز له العرش، ولكنه أصبح أسهل من السهل عند الجيل الجديد»، مضيفاً أن «خالق هذا الكون هو أعلم دوماً بما يصلح لعباده، ولكن العباد لا يعلمون ماذا يريد خالقهم، أو يعلمون ولا يعملون من الأمر».
وحث على «التمسك في تعاليم القرآن الكريم، والاطلاع على ما أوصت به السنة المعصومة، وعلى الرجل والمرأة معرفة الحقوق الشرعية لكل طرف، علماً بأن الحياة الزوجية تستقيم بالتفاهم، والتعاون وليس بان هذا واجب أو غير واجب»، ناصحاً بقراءة وصية الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم»، لابنته السيدة الزهراء «عليها السلام» قبل زفافها، لافتاً إلى أن «النظرة الكونية للرجل والمرأة لها الدور الاكبر في استقامتهما، ففرق بين من يفكر في متع الدنيا الزائلة، ونعيم الآخرة الدائم».
عنجهيات وطفوليات
من جهته، قال الشيخ سعيد العوى، إن «كيان الأسرة الناشئ عن عقد الزواج يُراد منه الاستمرار في جو تسوده الألفة والمحبة بين الزوجين، بما يضمن الاستقرار والدوام لهذه الحياة الزوجية. ومن البديهي ونتيجة للاختلافات العامة، وتقديم المصالح الشخصية على العامة لهذا الكيان قد يسبب فتور العلاقة، أو حصول مشاكل بين حين وآخر، من شأنها أن تضفي جواً مشحوناً بين الزوجين. ولكن متى ما حكّم العقل فسرعان ما ترجع المياه إلى مجاريها، وتعود المودة بين الزوجين».
واستدرك أنه «في الآونة الأخيرة هناك مشكلة قائمة، وهي كثرة حالات الطلاق في فترة الخطوبة، ولأسباب تغيب عنها العقلنة، ويغيب فيها دور الكبار من العائلتين، ليمسك بزمام الأمر العنجهيات والطفوليات التي تتحكم في مصير هذه الأسرة، وتسعى إلى خراب عمارتها، بحيث يكون الرجوع إلى الوراء أملاً في إصلاح ما فسد من المستحيلات».
وأضاف أنه «لو أمعنا النظر؛ لوجدنا أسباب مضحكة مبكية، فهي أسباب طفولية بما لهذه الكلمة من معنى. وللأسف نرى أن العقل يغيب عن معالجتها، ويسرح الجهل والنعرات الأسرية، وعدم تقديم أي تنازل مهما كان بسيطاً وغير مضر سبباً لصراع أو مشكلة لا حل لها إلا أروقة المحاكم، لإنهاء هذا الكيان الذي يفترض به أنه كان على أساس الود، بينما بات أساسه كأساس خيوط العنكبوت وبيتها الواهن».
طالع الحلقة الأولى
[1] مأذونو أنكحة في القطيف يحذّرون: أسباب “تافهة” وراء الطلاق قبل الزفاف